بعيداً عن مشاعر الاشمئزاز التي داهمتنا جميعا مع »فتاوي!!» شاذة تسيء للاسلام وتحتقر العقول وتهين المشاعر الانسانية.. بدءاً من إرضاع الكبير ومضاجعة البهائم، وحتي نكاح الزوجة المتوفاة!! وبعيدا عن اشكالية قنوات تليفزيونية تلجأ لكل غريب وشاذ بحثا عن رواج رخيص.. بدءاً من حكايات العفاريت والجن والعلاج عند الجن أو العطارين.. وحتي فتاوي الجنس أو التحريض علي الكراهية!! مع كل التقدير للإدانات التي وجهتها المراجع الدينية لهذا السلوك، وآخرها بيان الإمام الاكبر الدكتور احمد الطيب الذي طالب بالحجر علي أصحاب هذه الفتاوي الشاذة للإسلام وتمتهن الكرامة الإنسانية. مع كل هذه الاعتبارات.. فإن علينا أن نقف طويلا امام ما قاله الاستاذ الأزهري الذي تحدث في التليفزيون عن ان نكاح الزوجة المتوفاة حلال دفاعا عن نفسه. قال الدكتور صبري عبدالرءوف انه لم يقل شيئا جديدا بل نقل ما جاء بكتب »فقهاء» الشافعية والحنابلة والأحناف!! وأورد الرجل أسماء »مراجعه!!» التي استند إليها فذكر »مختصر الخليل في الفقه المالكي» وكتاب »جهد المحتاج في شرح المنهاج» وكتاب »المغني» لابن قدامة!! هنا جوهر المأساة.. أستاذ أزهري متخصص يقبل الحديث في مثل هذه التفاهات، ويعود لكتب لا علاقة لها بالمجتمع أو العصر، ولآراء يرفضها العقل وتأباها النفس السوية، وتسيء لدين الله الذي كرم الانسان، يعود لهذه الاوراق الصفراء لتكون مرجعه الذي ينقل ما فيها للرأي العام، ولجمهور له العذر حين يتقبل آراء من ينتمون للأزهر الشريف باعتبارها صحيح الدين!! هنا جوهر المأساة.. ليس فقط ان نشغل الناس بقضايا تافهة انشغل بها البعض في عصور ولت. ولكن الأسوأ أن نعطي عقولنا إجازة دائمة أو مؤقتة، ونترك مهمة التفكير والقرار في قضايا حياتنا وأمور ديننا ودنيانا لاجتهادات صحيحة أو خاطئة لبشر مثلنا عاشوا قبل قرون، وتحدثوا في ظروف مختلفة، وانشغلوا بقضايا عصرهم، واختلفوا واتفقوا، واجتهدوا فأصابوا أو أخطأوا. هنا جوهر المأساة.. أن تتحول آراء بشر قالوها منذ قرون الي قيد علي عقولنا.. حتي لو أساءت للدين وتصادمت مع العقل وعطلت تقدم الأمة وحتي لو أهانت انسانيتا في فتاوي مثل نكاح الزوجة المتوفاة، أو ضربتنا في مقتل بفتاوي نشر الكراهية أو دعم الإرهاب. هنا جوهر المأساة التي لن تجد الحل الصحيح الا حين نحتكم لمنهج جديد لا يعطي القداسة الا للقرآن الكريم وصحيح السنة. ثم يفتح الطريق لكي يكون العلم هو سندنا في التعامل مع قضايا العصر. ولكي يكون اجتهادنا فيما ينفع الناس فريضة. ولكي لا يقودنا فكر غائب وقراءة خاطئة في كتاب يخاصم العقل الي الانشغال بإرضاع الكبير، أو بث الكراهية بين ابناء الوطن.. أو دعم الإرهاب باسم دين أنزله الله هدي للناس ورحمة للعالمين.