حل مشاكل السكة الحديد لن ينصلح بين يوم وليلة ولا ينعدل لإقالة عدد من القيادات أيا كانت مواقعهم بتهمة الإهمال، ذلك مطلوب قطعا إذا قصروا في عملهم المنوط بهم علي أكمل وجه ووفقا للمعايير العالمية في تشغيل مرفق حيوي كالسكة الحديد. الواقع يقول إنه في مصر أهمل وتدنت حالته علي مدي سنوات وسنوات مما أدي لتحوله لكارثة كبري تحتاج إلي معجزة للقضاء عليها وإصلاح الحال ونتمني ألا يكون من المحال. التقارير تؤكد أن الأمر يحتاج إلي مليارات الجنيهات عملة صعبة أو محلية لإحداث نهضة حضارية تستهدف المعاملة الآدمية للبشر مستخدمي هذا المرفق وانتشاله من الحضيض وهذا أمر يتعلق بالنواحي الفنية والاقتصادية الخاصة بتوفير الإمكانات المادية من الجرارات وقضبان السير والإشارات الإلكترونية التي توفر الأمان، ولكن قبل هذا يجب أن نوفر الكوادر والعناصر البشرية الصحية المدربة السوية التي لا تكون أبدا سببا في الكوارث، صحيح أن حوادث القطارات تقع في كل بلدان العالم بما فيها أمريكا وبريطانيا وألمانيا ولكن الواقع يقول إن العنصر البشري لا تتجاوز أخطاؤه 1% أما عندنا 95% من حوادثنا سببها العنصر البشري سواء السائقون أو عمال البلوكات وأهم الأسباب في هذا تخطي الإشارات الحمراء وهو ما حدث في حادث التصادم بين قطاري الإسكندرية ظهر الجمعة قبل الماضية أمام قرية خورشيد القادم من القاهرة والمتوقف أمامه وبدون سبب أو إخطار علي السكة والواصل من بورسعيد وهو الأمر المحير مع تأكيد مسئولي السكة الحديد وجود أجهزة الاتصال والمراقبة الرادارية. التقارير الأولية أكدت أن السائق الخلفي تجاوز إشارتين حمراويتين دون اكتراث مما أدي لاندفاعه بشدة ووقوع التصادم الذي تسبب في مصرع 43 وإصابة 133 من الأبرياء دون ذنب. كوارث السكة الحديد عندنا سببها العنصر البشري غير المدرب من ناحية والمهمل من ناحية أخري والسبب الرئيسي يرجع لسوء الاختيار أولا ولعدم المحاسبة الدقيقة، ولو أرجعنا الأمور إلي أصولها لعرفنا السبب ويتلخص في أننا نبرر الخطأ لأنفسنا وللمتسبب فيه رغم أنه قد يكون قاتلا أو كارثيا كما حدث ورأينا دماء الضحايا علي القضبان في الإسكندرية وكان جرس الإنذار الذي لم نتنبه له ولم نتنبه إليه من قبل هو الواقعة التي نشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام قبل الحادث حول قيام بعض السائقين بتدخين الحشيش والرقص في كابينة أحد الجرارات ما أصاب الناس بالذعر خشية أن يكون ذلك تم علي إحدي الرحلات وهو ما ظهر في صورة سيئة تدين المرفق وكان تبرير السكة الحديد بعد التحقيق عذراً أقبح من الذنب حيث أعلنت أن ذلك تم داخل جرار في الورش ولم يكن علي أي رحلة وتجاهلت أن هذا سلوك شائن لعمالها وهو أمر كان يحتاج إلي أن تعلن الأسف والبتر لتلك العناصر الفاسدة غير الأمينة علي عملها أو الركاب الأمانة في أيديهم. وقطعا اكتفينا بالجزاء الإداري مع أن في الأمر جريمة وبتساهلنا مع تلك الأمور وصلنا إلي حادث الجمعة. الأمر يحتاج إلي ألف وقفة ووقفة إذا أردنا الإصلاح والبداية تأتي دائما من العنصر البشري سبب البلاوي كلها حتي ولو أقلنا وعزلنا عشرات القيادات والوزراء والمسئولين لن ينصلح الحال. عيبنا أننا ننفعل بشدة ونثور بقوة مع كل حادث ونتوعد ثم نهدأ حتي تأتينا أخري أبشع السبب فيها بني آدم بشر، ولكن يبقي السؤال أين كل الأموال التي صرفناها علي تطوير المرفق؟ وهل شملت تطوير وإعادة تأهيل البشر؟. السكة الحديد تحتاج إلي ثورة تغيير في كل شيء ولا أتصور أن العراقة التي عليها السكة الحديد في مصر باعتبارها في عرف التاريخ ثاني سكة حديد في العالم بعد انجلترا بعد اختراعها يصل بها الحال إلي أن نطلق عليها بلا خجل السكة الحضيض. الداخل إليها مفقود. نحتاج الثورة في سلوكياتنا وعقولنا وإداراتنا.