بانوراما فنية متعددة الاتجاهات والتقنيات.. تتلاقي فيها كل عناصر الإبداع المتفرد وتتأكد الشخصية المصرية الضاربة بجذورها عبر الحضارات والسنين.. وهو ليس بغريب علي د. سهير عثمان وكيل كلية الفنون التطبيقية المهمومة بالحفاظ علي الهوية والسعي لإمتاعنا بصياغتها في ثياب عصرية مبهرة تتحقق فيها كل ألوان الجمال. هذا التنوع والثراء الذي يميز أعمالها ليس وليد صدفة لكنه افراز مشوار طويل عمره 43 عاما و51 معرضا خاصا و051 مشاركة جماعية بمصر والخارج.. كانت جديرة بتتويجها ب 31 جائزة دولية ومحلية ومنحها جائزة الدولة التشجيعية عام 4002 بالاضافة لسجل حافل بالتكريمات والعطاءات العلمية والفنية والتعليمية. وبنفس التميز والتفرد جاء معرضها الحالي الذي احتفلت مؤخرا بافتتاحه بقاعة المعارض الكبري بكليتها.. وهو يضم مائة عمل ضخم.. في الباتيك، الرسم، السجاد والكليم، الجرافيك والخيامية.. بعنوان »المصرية والحداثة«. اعتمدت فيه علي توظيف التشكيلات والعناصر الزخرفية والهندسية المتوارثة عبر الحضارات المصرية المتعاقبة في توليد قيم وتراكيب فنية جديدة خلال أساليب وأسس إنشائية وتشكيلية شديدة الخصوصية تتباين بين عمل وآخر.. قد تتداخل الخطوط وتتقاطع رأسيا وأفقيا وقد تتشابك أو تتباعد أو تتقارب أو تتوحد مع الوحدات والعناصر الزخرفية والهندسية خلال نظم ومتواليات حسابية تستدعي الشكل الهرمي والمثلي، المربع أو الدائري، العضوي والنباتي وغيرها من المفردات التي تتلاحم في حركات متباينة محققة حالة ابداعية فريدة.. واللون عندها يؤكد غنائية الشكل والتكوين حتي وإن اقتصر علي الأبيض والأسود.. فهي قادرة علي تحويلما لباليتة كاملة ثرية بدرجاتها وتنغيماتها الفنية. هكذا تحدت د. سهير عثمان القبح وتحررت من قيود الهرولة نحو الحداثة المطلقة فنجحت في تحقيق قيم فنية وايقاعات جمالية تجمع بين الأصالة والمعاصرة والتفرد مستغلة قدرتها علي توظيف أحدث التقنيات لتحقيق أهدافها.. فانفردت باستخدام الطباعة بالشابلونات الحريرية المسطحة وايضا بالحاسب الآلي وبرامجة وادواته، يحانب الطباعة الرقمية، واستعارة قصاصات الأقمشة لتعميق رؤيتها الجمالية وإبراز الاحساس بالملامس والابعاد والمتناقضات ببراعة فائقة. لعبة الحياة والسلم والثعبان الحياة لعبة كبيرة.. يوم لك ويوم عليك.. هكذا تقول قواعد لعبة »السلم والثعبان« التي تدعونا الفنانة سلوي حمدي لمشاركتها لعبتها خلال أول معارضها الخاصة المقام حاليا بمركز الجزيرة للفنون بعنوان »رحلة الصعود والهبوط«. الفكرة جريئة وجديدة تدعو لإعمال الفكر والعقل خلال عمل مركب يعزف علي وتر واحد.. يشغل كل أرجاء قاعة العرض.. استعانت فيه بالعديد من الوسائط والمجالات والألوان والخامات لتعميق رؤيتها وسهولة توصيلها للمتلقي.. بمجرد الاقتراب من القاعة تفاجئك الفنانة بنشر مفردات وعناصر اللعبة بامتداد المدخل من مجسم »لنرد« كبير (الزهر) ولوحة تستعرض فلسفة العرض . ويتعمق الاحساس بالدهشة بمجرد ان تصطدم عيونك بسلالم تتدلي من أعلي نقطة في القاعة مع مجسم »لنرد« كبير مثبت عليه صور مكررة لقادة وزعماء عرب لعبوا دورا هاما في حياتنا السياسية.. وقد اتخذت من الأهرامات خلفية لها وفي حال صعود مستمر للمربعات تأكيدا علي دور مصر الفاعل.. علي الساحة العربية والعالمية.. وعن يمينك ويسارك بوسترات كبيرة لقادة وشخصيات في حالة حركة وصعود وهبوط بين المربعات والسلالم.. في محاولة للربط بين السياسة ولعبة »السلم والثعبان«! حتي ارضية القاعة وظفتها كجزء من العمل افترشتها برقعة مجسمة لنفس اللعبة.. تؤهل الزائر ليصبح جزءا ولاعبا فاعلا فيها بمجرد دخوله القاعة.. حيث تعطيه حق استخدام »الزهر« »النارد«.. لتحوله من متلق لمؤد لفن »البيرو فورمانس« (التعبير بالجسد).. وكأن »سلوي« تحث زوارها علي المشاركة الايجابية في الحياة السياسية وعدم الاكتفاء بالمشاهدة الخارجية. الواقع ان هذا المعرض لم ينجح فقط في إثارة حالة جدلية وخلق حراك ثقافي وفني مدهش خلال فكره الواعي ورؤيته ومعالجاته الفلسفية والجمالية.. لكنه ايضا نجح في تغيير وجهة نظري في الفنون الحدثية.. وقد حرصت الفنانة سلوي حمدي علي التأكيد »ان معرضها لا يتبني فكرة سياسية بذاتها.. إنما يترك كل الحلول مطروحة عند باب القاعة.. ومثلث حرية التأويل والتعبير عن الرأي.. لكن عليه وحده اختيار موقعه ومكانه«! يحسب للمركز القومي للفنون التشكيلية برئاسة الفنان محسن شعلان.. استضافة هذه النوعية من المعارض االجاده لتي تسمح بقدر كبير من حرية الرأي والتعبير.. فهذه هي الرسالة التي ارادت الفنانة توصيلها بصدق ووعي كبير.. تلخصها كما تقول في ان حرية التعبير حق متاح للجميع وبلا حدود وعلينا فقط أخذ المبادرة!