أخشي تحول الشعب إلي قاض بدافع الثأر والانتقام في السابع من فبراير الماضي.. قاد زملاءه من اساتذة القانون الي ميدان التحرير.. خرجوا مرتدين روب العدالة الاسود.. اعلنوا تأييدهم للثورة وطالبوا بسقوط النظام. واليوم بعد مرور ثلاثة شهور علي الثورة يؤكد الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة انه يشعر بالخوف علي الثورة ومبادئها وتثير قلقه مشاهد عديدة تتنافي مع قيمها وتهدد العدالة والقانون. يشعر بالقلق من الاحتجاجات والاعتصامات المصحوبة بتعطيل المصالح ومن عدم الصبر علي القانون وتحول الجميع لفقهاء وقضاة يدينون الناس ويصدرون الاحكام ومن الاثارة والاكاذيب التي تروجها وسائل الاعلام والبلاغات والشكاوي من كل من لديه ضغينة او مظلمة حتي لو كانت دون سند او دليل. حول هذه المخاوف والاخطار التي تهدد الثورة وكيفية مواجهتها.. كان "للاخبار" هذا الحوار مع د. محمود كبيش. في البداية سألته: كيف كانت مشاعرك حينما خرجت لتأييد الثورة في ميدان التحرير قبل سقوط النظام وهل اختلفت هذه المشاعر بعد تسعين يوما من الثورة؟ ثورة 25 يناير كانت حلما عاشه كل الشعب المصري وشاركت فيه جميع فئات الشعب انا ايضا شاركت بصورة شخصية وبصورة رسمية حيث خرجت مع اساتذة الكلية مرتدين ارواب المحاماة وذهبنا لميدان التحرير نعلن سقوط شرعية النظام وتأييدنا للثورة التي تنادي بالعدالة وسيادة القانون علي الجميع وكان ذلك يوم 7 فبراير حينما كان الرئيس السابق لايزال علي رأس النظام. ورغم كل ذلك فانني هذه الايام اخشي ان افيق من الحلم الجميل علي كابوس فبعد فترة قصيرة من نجاح الثورة بدأت تبدو امامنا مشاهد مقلقة للغاية واري ان من يقودون هذه المشاهد ليسوا هم من آمنوا بمبادئ الثورة فالثورة قامت اساسا لاعلاء سيادة القانون وتحقيق العدالة والكرامة وما يحدث الآن مخالف تماما سواء بسوء نية ام بحسن نية. مظاهرات الراسبين!! ما المظاهر التي اثارت القلق لديك؟ مظاهر كثيرة فالثورة مثلا دعت لسيادة القانون واحترامه والآن نري في المشهد قدر كبير من الفوضي وسيادة الصوت العالي واهدار لسيادة القانون فهناك مثلا مظاهرات فئوية هنا وهناك وللاسف نجد البعض يستغل الفرصة لتحقيق مصالح شخصية لاحق لهم فيها وآخرون يحملون مطالب تخرج عن القواعد والنظام واحيانا القوانين بدعوي اننا في حالة ثورة ففي كلية الحقوق مثلا فوجئنا ببعض الطلاب الراسبين في الفصل الدراسي الاول يخرجون في مظاهرات يطالبون بالنجاح وفي كليات اخري طالبوا باقصاء القيادات الجامعية ورغم انني اميل لاختيار القيادات الجامعية بالانتحاب الا انني ضد استخدام اساليب تخرج عن الشرعية مثل التي لجأ اليها البعض وكل ذلك باسم الثورة رغم ان الثورة لا تعني الفوضي. وهناك ايضا ما حدث في قنا والذي وصل الي قطع المواصلات العامة وتعطيل مصالح الناس وتعطيل وصول البضائع والاحتياجات للمواطنين. ومن المشاهد التي تثير القلق ايضا تأثر قوي الانتاج وتعطل العمل بما يمكن ان يؤثر علي الاقتصاد المصري. العدالة أم الانتقام؟ وهل هناك مشاهد اخري تثير القلق من وجهة نظركم ؟ اكثر ما يثير القلق الآن هو ما يحدث في المحاكمات الدائرة لرموز النظام السابق فالعدالة لا تكون الا بمحاكمات عادلة وهذا لن يحدث الا اذا تركنا القضاء يتولاها بحيادية واستقلال كامل ولكن ما نراه الآن هو دعوة من الشعب للانتقام والثأر ورغبة جارفة من الرأي العام بوضع النهاية التي يريدها للمحاكمات من الآن. ونحن نري الجميع الآن تحولوا الي قضاة يدينون الآخرين علنا في جميع وسائل الاعلام ويصدرون الاحكام ايضا بل اننا نجد البعض يطالب بالاعدام من قبل ان تبدأ المحاكمات اويحملون يافطات تطالب بصدور احكام معينة ويقفون بها امام المحاكم وهذه كلها من مظاهر التأثير علي القضاء التي يرفضها القانون وكل ما اخشاه ان يتأثر القضاء بالرأي العام ويفقد حياديته وصورته الناصعة وهو ما لا اتمناه. اتفاقية 1983 والاخطر من كل ذلك ان صدور اي احكام دون توافر كافة ضمانات الحيادية والعدالة للمحاكمات يمكن ان يشوه صورة العدالة في مصر امام العالم ويؤثر علي كيفية استرداد الاموال الخارجية لانه طبقا للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لسنة 1983 فان الدول تلتزم برد الاموال التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة الي الدول صاحبة الاموال بشرط صدور احكام نهائية من قضاء طبيعي وان تكون الاحكام قد صدرت وفق محاكمات عادلة منصفة. ولذلك اطالب الرأي العام ان يترك القضاء يؤدي دوره دون تدخل او تأثير فالقضاء هو حصننا الاخير وهو الحماية الاساسية لاي نشاط مشروع داخل المجتمع واذا فقدنا الثقة في القضاء فلن يأمن الانسان علي شخصه او اهله او امواله او اعماله فاما ان نؤمن بان هناك قضاء عادل يجب ان نحترم قراراته او لانؤمن بذلك ونترك العدالة في يد الشعب. ولكن وقت الثورات قد تكون هناك محاكمات شعبية تجاه نظام افسد او ظلم لسنوات طويلة؟ المحاكمة العادلة لا تكون الا امام القاضي الطبيعي اما اي صورة اخري فتتنافي تماما مع مفهوم العدالة وسيادة القانون وفي بعض الثورات قد تقوم الثورة بوضع قوانين استثنائية لمحاكمة افراد النظام السابق مثلما حدث في محكمة طوكيو ولكن هذه المحاكم او القوانين مرفوضة عالميا لأنها تتنافي مع مبادئ العدالة. المطالب لن تنتهي وما اريد ان اقوله ان الثورة ادت الي اقصاء النظام السياسي واقامة سلطة جديدة مؤقتة ارتضاها الشعب والمفروض ان يثق بها أما التدخل المستمر في التفصيلات ومحاولة فرض الآراء بالصوت العالي فسيؤدي بنا الي دائرة مفرغة من المطالب المتتالية لأن الرغبات والمطالب لا حدود لها والسلطة يجب ان تقيس الرأي العام ثم تضع هذه الرؤية الشعبية في القوانين والقوالب التي تتواءم مع مصلحة الدولة أما اذا اخذنا بمبدأ ان تعيين اي قيادة في موقع ما سيتوقف علي اختيار الناس او انني سأستجيب لكل المطالب فالمطالب لن تنتهي ولن يتفق الجميع علي شئ واحد وسنصبح في حاجة الي تغيير القيادات كل يوم واذا لم نحافظ علي هيبة الدولة وسيادة القانون فستصبح الدولة مثل مجتمع الغابة البقاء فيه للصوت الأعلي. دور الاعلام والحقيقة ان دور الاعلام خطير جدا في قيادة الرأي العام وهي رسالة نبيلة بشرط ان يحرص الاعلام علي قيادة المجتمع نحو الحقيقة وللاسف فان الاتجاه العام لمعظم القنوات الاعلامية هو الاثارة والانسياق وراء الصوت العالي ونشر الشائعات او المعلومات المغلوطة وكل ذلك يمكن ان يؤثر علي سير العدالة بل وعلي مصلحة البلد علي المدي الطويل. بطء المحاكمات هناك من يري ان التحقيقات بطيئة ويطالب بسرعة محاكمات رموز النظام .. فما هو في رأيك الوقت الذي ستستغرقه هذه المحاكمات؟ اذا حددنا وقت معين فلسنا اذن امام محاكمات عادلة فتحديد وقت محدد للمحاكمات يتنافي تماما مع اعتبارات العدالة حتي القاضي نفسه لا يستطيع تحديد الوقت لان الامر يتوقف علي اجراءات عديدة بالاضافة الي ان القضايا متعددة وليست جاهزة من حيث الاوراق والمستندات وهناك دفوع وطلب والمهمة شاقة امام النائب العام وجهات التحقيق حتي يتم استيفاء كافة القضايا وتستطيع المحكمة في النهاية التاكد من الادانة او نفيها بعدالة كاملة. ملايين البلاغات كثرة القضايا والبلاغات.. هل يمكن ان تشكل عائقا امام سرعة المحاكمات؟ اجاب بسرعة: الحقيقة ان هذا لا ينطبق علي قضايا رموز النظام السابق فقط بل ان هناك ظاهرة جديدة هي كثرة البلاغات الكيدية او العشوائية التي لا تحمل اي مستندات بل انني اكاد اقول ان الملايين الآن تقدموا ببلاغات ضد الملايين حيث وجدها البعض فرصة للحصول علي اي مكاسب او مصالح شخصية وبالطبع فان النائب العام وفريقه يعانون معاناه كبيرة في فرز هذه البلاغات والتحقيق فيها وللاسف فان هذه المشكلة يمكن ان تؤثر علي سير الاجراءات في القضايا الاخري الحقيقية والحقيقة ايضا ان هذه البلاغات الكيدية تتنافي اساسا مع القيم التي نتمني تدعيمها بعد الثورة. بعد انتخاب الرئيس وتولي النظام الجديد.. كيف نضمن تحقيق العدالة وسيادة القانون وعدم تكرار الاخطاء السابقة ؟ المشكلة الرئيسية كانت في الدستور الذي كان يعطي لرئيس الجمهورية سلطات مطلقة فهو رئيس كل شئ السلطة التنفيذية والمجلس الاعلي للهيئات القضائية يتحكم في كل شئ وبشكل دستوري والمطلوب في الدستور القادم الحد من سلطات الرئيس وان تعرض جميع بنود الميزانية علي البرلمان مع وجود رقابة علي بعض الامور غير المعلنة والخاصة بالامن القومي واذا تحقق ذلك في الدستور الجديد فلن نخشي من اي رئيس قادم . أستاذي سرور لماذا قبلت الدفاع عن الدكتور فتحي سرور احد ابرز رموز النظام السابق رغم انك من مؤيدي الثورة التي اطاحت بالنظام ورموزه؟ لم يعرض علي الامر حتي اقبل او ارفض بل انا الذي صممت علي ان اكون بجانبه ادافع عنه متطوعا لأن هذا هو واجب التلميذ نحو استاذه الذي يثق في ان صحيفته الجنائية بيضاء من حيث التهم الجنائية الموجهة اليه. بعيدا عن التهم الجنائية ماذا عن الاتهامات حول ادائه كرئيس لمجلس الشعب؟ هذه ليست مسألة جنائية.. بل مسألة سياسية لا علاقة لي بها كمحامي عنه.