د. محمد بديع » العلانية « .. التحدي الكبير للجماعة » المحظورة سابقا« المجلس يحسم العلاقة بين الحزب والجماعة.. واتجاه الاستقلال أرجح جدل حول »عضو الجماعة« و»كادر الحزب« تعقد جماعة الإخوان المسلمين غدا مجلس الشوري العام للجماعة، بعد دعوة الدكتور محمود حسين أمين الجماعة لانعقاد مجلس الشوري العام، بحضور 109 اعضاء وهو يعد الانعقاد الثاني للمجلس بدورته الرابعة (2010- 2014).. ويري الكثيرون أن هذا المجلس هو الأهم للجماعة، بل إن انعقاده علي مدار يومين يمثل »أخطر 48 ساعة في تاريخ الإخوان المسلمين«. ويكتسب مجلس الشوري المزمع عقده غدا أهميته لعدة أسباب؛ منها أسباب شكلية مثل انعقاد المجلس لأول مرة بعد ثورة 25 يناير، وانعقاده لأول مرة بالمقر الجديد لجماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، فضلا عن أنه الاجتماع العلني الأول للمجلس منذ عام 1995.. حينما اعتبر النظام هذا الإعلان وقتها تحديا له فقرر اعتقال أعضاء المجلس! وخلافا للأسباب الشكلية، فيعتبر المجلس تاريخيا بمعني الكلمة للجماعة، حيث أنه من المقرر أن يحسم العديد من الملفات المصيرية للجماعة مثل الموافقة علي إنشاء حزب (الحرية والعدالة)، والفصل في العلاقة بين الحزب والجماعة، ومناقشة التوصيف القانوني للجماعة مستقبلا، فضلا عن استعراض خطط تطوير الجماعة. (1) قبل الخوض في الملفات المعروضة علي مجلس الشوري العام للجماعة، نقف أولا عند المجلس وتشكيله وآلياته وسلطاته، فلا يزال كيان الإخوان المسلمين غامضا لدي الكثيرين. فإذا كان مكتب الإرشاد يمثل أعلي سلطة تنفيذية في الجماعة، فإن مجلس الشوري العام هو أعلي سلطة تشريعية رقابية. كما أنه من المفترض أنه المعني بانتخاب المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد. وبقراءة سريعة للائحة الجماعة في الفصل الثالث، تنص المادة (12) علي أنه "مع عدم الإخلال بأحكام اللائحة العامة يكون مجلس الشوري هو السلطة التشريعية لجماعة الإخوان في مصر، ويكون مختصًا بمناقشة السياسات العامة التي تتبعها وإقرارها، والخطة العامة والوسائل التنفيذية اللازمة لها، وكذا مناقشة التقارير السنوية التي يتقدم بها المكتب. ويتكون مكتب الشوري من (75) عضوًا علي الأقل، و(90) عضوًا علي الأكثر، يتم اختيارهم من بين أعضاء مجالس شوري المحافظات، كما يجوز لمكتب الإرشاد تعيين ما لا يزيد عن (15) عضوا.. ويكون عضوًا بحكم اللائحة، كل مَن سبق توليه عضوية مكتب الإرشاد مدةً لا تقل عن عامين ما لم يكن زوال عضويته من المكتب لأسباب فقد الصلاحية. ويتم انتخاب أعضاء مجلس الشوري العام حسب (كوتة) لكل محافظة، تأتي علي رأسها الدقهلية (10 أعضاء)، الشرقية (8)، كل من الإسكندرية والبحيرة (6)، وكل من القاهرة والجيزة والغربية والمنوفية (5)، دمياط (4)، وكل من القليوبية وكفر الشيخ والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج (2)، في حين يمثل عضو واحد عن كل محافظة من محافظات قنا وأسوان والسويس والإسماعيلية وشمال سيناء وبورسعيد والوادي الجديد.. ويجوز بقرار من مكتب الإرشاد تعديل العدد المخصص لكل محافظة، مع وجوب مراعاة المجموع الكلي للأعضاء المنصوص عليه. ويشترط في عضو مجلس الشوري المنتخب أن يكون مصريًّا عمره 30 عاما علي الأقل، وأن يكون قد مضي علي قبوله عضوًا عاملاً بالجماعة 5 سنوات، وأن يكون عضوًا بمجلس شوري المحافظة، وأن يكون متصفًا بالصفات العلمية والخلقية التي تؤهله لعضوية المجلس.. وتكون مدة عضوية مجلس الشوري 4 سنوات تبدأ من تاريخ انعقاد أول دورة للمجلس بعد انتخاب أعضائه، وإذا قامت ظروف قاهرة حالت دون إتمام انتخاب مجلس الشوري في الموعد المقرر استمر المجلس القائم في أداء مهامه إلي أن يتم انتخاب المجلس الذي يخلفه. ويجتمع مجلس الشوري بدعوة من المرشد العام دورتين كل عام، ويجوز دعوة مجلس الشوري لاجتماع طارئ من المرشد العام أو بناء علي قرار مكتب الإرشاد، وإذا دعت حاجة لذلك، كما أنه علي المرشد العام دعوة مجلس الشوري للانعقاد خلال 15 يومًا إذا طلب 20 من أعضائه ذلك. ويقدم مكتب الإرشاد في الاجتماع السنوي الأول لمجلس الشوري تقريرًا شاملاً عن نشاط الجماعة وأعمال المكتب خلال العام السابق، كما يتضمن التقرير إيضاحا لبرنامج العمل والسياسة التي يري اتباعها خلال السنة التالية، ولكل من الأعضاء أن يتقدم بما يراه من مقترحات، وينفذ مكتب الإرشاد ما يتم تصديق المجلس عليه.. وفي غير حالات الضرورة يطلب مكتب الإرشاد تصديق مجلس الشوري علي قرارات المكتب المتعلقة بالمشاركة في الحكم أو في الانتخابات العامة أو إنشاء حزب أو غيرها مما له أهمية خاصة. (2) أبرز الملفات المعروضة علي مجلس الشوري العام هو حزب (الحرية والعدالة)، ويعرضه د. سعد الكتاتني وكيل المؤسسين ومن المتوقع إقرار إنشاء الحزب، والموافقة علي أعضاء الهيئة التأسيسية والذين بلغ عددهم ما يقرب من 7 آلاف عضو، معظمهم من أعضاء الجماعة، مع وجود تمثيل للمرأة والأقباط وغير المنتمين للتنظيم. ومن المتوقع ألا تستغرق الجوانب الشكلية والتنظيمية مناقشات طويلة، إلا أنه تتبقي نقطتان ساخنتان من المنتظر حسمهما في المجلس: الأولي تتعلق بشكل العلاقة بين الحزب والجماعة، حيث يوجد اتجاه من بعض التيارات المحافظة بجعل الحزب تابعا للجماعة، حيث إنه لا خلاف علي أن الجماعة هي التي أنشأت الحزب، ومن الطبيعي أن يكون الحزب معبرا عن توجهاتها وأفكارها، وأنه لا مبرر لادعاء الفصل بين الحزب والجماعة إرضاء للقوي السياسية والأحزاب، علي أساس أن هذه القوي "كده كده لن ترضي عن الجماعة"، كما يري أصحاب هذا الرأي أن اتخاذ الحزب لقرارات مختلفة عن رأي الجماعة قد يفجر ثورة غضب داخل الصف الذي لا يري فصلا بين الحزب والجماعة.. بل يري "كادر الجماعة" غير المنضم للحزب، أنه أولي بالحزب من "غير الإخواني" حامل كارنيه عضوية الحزب! في اتجاه مقابل، يعتقد الفريق الداعي لاستقلال الحزب عن الجماعة أن هذه الخطوة ضرورية لترسيخ المؤسسية، واستكمال قانونية الكيان الضخم للجماعة، بحيث يستقل كل جانب من "جوانب الدعوة" بأشكاله القانونية، ووسائله الشرعية، وتمويله المعلن، تحت مظلة كبيرة للجماعة تمثل إطارا أخلاقيا قيميا، وليس جهة تنفيذ ومتابعة لكافة التفاصيل. ويشير هذا الفريق إلي أن الجماعة الآن في مرحلة "اختبار ثقة" مع كل القوي والتيارات السياسية علي الساحة، فضلا عن الموقف أمام الشعب المصري بكافة طوائفه، خاصة بعد زوال "البعبع الأمني"، وعليه فإن استمرار الخلط بين الدعوي والحزبي سيبقي حالة الالتباس حول الجماعة، وأسلوب إدارتها لمؤسساتها. ومن المعروف أنه كان من أبرز توصيات مؤتمر شباب الإخوان فصل الحزب عن الجماعة تماما، وهو الاتجاه الذي يلقي قبولا عاما لدي شباب الإخوان. وبعيدا عن شكل علاقة الحزب بالجماعة، وهل سيكون الحزب مستقلا تماما، أم يحظي باستقلال جزئي، أم سينفصل تماما، فإن النقطة الثانية التي من المتوقع أن تحظي بنقاش مستفيض تلك المتعلقة ببرنامج الحزب. وكانت لجنة صياغة حزب (الحرية والعدالة) برئاسة عضو مكتب الإرشاد الدكتور محمود غزلان، قد انتهت من نسخة غير نهائية لبرنامج الحزب، المكون من 8 أقسام هي: مبادئ وتوجهات الحزب، والدولة والمبادئ السياسية، والتنمية المتكاملة، والبرنامج الاقتصادي، والقضايا الاجتماعية، والشؤون الدينية والوحدة الوطنية، والثقافة والفن، والإعلام. وأثار برنامج الحزب لغطا واسعا علي المستوي الداخلي بين الصف الإخواني، خاصة في ظل عدم إتاحة وقت مناسب لمناقشته داخليا، بل عدم عرضه من الأساس علي قطاعات واسعة من الإخوان، مما جعل الكثيرين خاصة في القاعدة الإخوانية يبدون اعتراضهم علي آلية وضع البرنامج، وطرحوا تساؤلات غاضبة حول أسباب عدم عرض البرنامج عليهم، وانتقدوا القيادات التي اعتبرت آراءهم هامشية وتتعامل معهم بصورة (فوقية)، بينما دافعت القيادات بأن برنامج الحزب أحد الجوانب المطلوب استكمالها شكليا للحصول علي الترخيص القانوني. هذه الاعتراضات دفعت قيادات الجماعة للتأكيد علي أن تلك النسخة من برنامج الحزب ليست نهائية، وطرحت البرنامج بشكل موجز وسريع علي المناطق والشعب، وفتحت الباب لتلقي الاقتراحات والتعديلات، علي وعد بدراستها وعرض البرنامج في صورته النهائية علي مجلس الشوري لمناقشته وإقراره نهائيا. (3) من الملفات المعروضة علي مجلس الشوري العام آخر مستجدات ملف تطوير الجماعة، وتلقي اقتراحات أعضاء المجلس في هذا الصدد. وكان المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع قد أسند مهمة تطوير الجماعة لنائبه المهندس خيرت الشاطر، وجاب الشاطر محافظات مصر والتقي بلجان المهنيين وخصص بريدا اليكترونيا لتلقي الاقتراحات. وأكد الشاطر في لقاءاته علي أنه استعان بشركات متخصصة في إعادة الهيكلة، منها شركات عالمية، بحيث يبدأ تطوير الجماعة من مرحلة الهياكل ثم الآليات نهاية باللائحة. وأكد أن هذه الخطة قد تستغرق 6 أشهر للانتهاء منها. وبعيدا عن لجنة الشاطر، يواجه مجلس الشوري العام العديد من الإشكاليات الخاصة بالجماعة والتي طفت علي السطح بصورة غير مسبوقة في الفترة الأخيرة، ولعل المثير أن أول هذه الإشكاليات خاصة بمجلس الشوري نفسه، حيث يطالب العديد من أعضاء المجلس باسترداد مجلس الشوري لاختصاصاته التي كان محروما منها طوال السنوات الماضية تحت ظل "البعبع الأمني"، حيث كان آخر انعقاد لمجلس الشوري بكامل أعضائه عام 1995 وكانت سلطات مجلس الشوري العام في يد مكتب الإرشاد، أو عن طريق استطلاع الآراء بالتمرير، وهي الآلية التي كانت تحد كثيرا من سلطات المجلس وقدرته علي مناقشة القرارات وتعديلها. الإشكالية الأخري الخاصة بالعلاقة بين مكتب الإرشاد ومجلس الشوري، خاصة بازدواجية وضع مكتب الإرشاد مع المجلس، فمجلس الشوري من المفترض أن يكون الجهة الرقابية علي عمل مكتب الإرشاد، لكن وجود أعضاء مكتب الإرشاد في مجلس الشوري، يحد كثيرا من تلك السلطات، ولم يكن المجلس يمارس أي دور رقابي أو تشريعي علي مكتب الإرشاد، بل كان يلعب دورا أقرب إلي الرأي الاستشاري منه إلي الرقابة. إشكالية أخري تناقشها الجماعة من خلال مجلس الشوري خاصة بالعلانية، وآليات تعامل الجماعة مع مصر ما بعد الثورة في ظل علانية التنظيم.. ليس فقط علي مستوي التعامل مع القوي السياسية الأخري، بل علي مستوي الصف نفسه، الذي لم يعد يقبل بأن يسمع أخبار الجماعة من الإعلام، ولم يعد يتقبل أية أوامر "من فوق"، لأنه إذا كان البعد الأمني حائلا دون مناقشة قضايا الجماعة داخليا، فهذا "البعبع" لم يعد له وجود، وبالتالي أصبح كل "أخ" يري أن له الحق في المشاركة في اتخاذ القرار الإخواني "بالرأي والنصيحة"، وليس عليه أن يكون فقط متلقيا "للتوجيهات والتكليفات". "العلانية" المكتسبة للجماعة بعد الثورة طرحت أيضا تساؤلات حول وضعها القانوني، حيث ينقسم الإخوان إلي فريقين أحدهما يري ضرورة إنشاء جمعية أهلية باسم الإخوان خاضعة لإشراف وزارة التضامن الاجتماعي وفقا لقانون الجمعيات الأهلية، بحيث تستكمل الجماعة شكلها القانوني، كجمعية أهلية، وكحزب سياسي، وأن تنزع عنها رداء الحظر إلي الأبد، بينما يري فريق آخر أن الجماعة ككيان أكبر من كونها جمعية ولا يصح أن تعامل مثل "جمعيات البيئة وحقوق المستهلك" بل إنها جماعة ضخمة تعبر عن تيار كبير في الشارع المصري ولها جذور تاريخية، وعليه فإن إبقاء الوضع علي ما هو عليه أفضل! آخر الملفات الملغومة في الجماعة هو الملف الإعلامي، خاصة في ظل وجود خلافات وتباينات حادة في هذا الملف علي المستوي الداخلي، وينتظر أن يحسم مجلس الشوري ملف القناة الفضائية والجريدة التي أعلنت الجماعة عن إنشائهما مؤخرا. ويبقي الرهان علي قدرة أعضاء مجلس الشوري العام علي حسم تلك الملفات الشائكة والمصيرية، في الوقت الذي ينتظر فيه شباب الإخوان خروج المجلس بقرارات مهمة تحدث نقلة نوعية في أداء الجماعة بما يتماشي مع مصر بعد الثورة. فهل يخرج المؤتمر الصحفي الختامي ظهر السبت بما يحسم تلك الإشكاليات.. أم تبقي السلطات كلها في يد مكتب الإرشاد؟