بعد بدء التحقيق مع الرئيس السابق، وتواصل سقوط رموز نظامه، أصبح الاتجاه نحو العمل، وإعادة البناء، واستعادة دوران عجلة الإنتاج هو الواجب الوطني الأول حاليا، خاصة بعد تعليق شباب الثورة للمظاهرات المليونية، وتراجع المطالب الفئوية. بناء الاقتصاد المصري من جديد بات ضرورة ملحة، وتحديدا بعد فترة عدم الاستقرار، والخسائر التي تقدر بعشرات المليارات في فترة الثورة، وارتفاع معدل التضخم، مع توقعات بتراجع معدل النمو. ثورة الإنتاج والبناء، لا تقل أهمية عن مظاهرات ميدان التحرير، بل إثبات لنجاحها، والحفاظ علي مكتسباتها. السطور القادمة ترصد أبرز مظاهر التراجع الاقتصادي، وأهم الحلول المقترحة للنهوض بمصر ما بعد الثورة. ومع إعلان الدكتور سمير رضوان وزير المالية أن معدل النمو في مصر من المتوقع أن يتقلص إلي ما بين 2.5 و3 ٪ في السنة المالية التي تنتهي في يونيو المقبل، مقارنة بتوقعات الحكومة السابقة بمعدل نمو 6٪،تزايدت المخاوف أن يؤدي تراجع معدل النمو إلي زيادة في الأسعار، وتناقص حركة التصدير مع زيادة في الاستيراد، بما يثقل كاهل المواطن، خاصة أن مصر تعتمد علي الواردات لتوفير نصف استهلاكها المحلي علي الأقل من المواد الغذائية، ومن المرجح أن تعاني من تضخم أكبر لأسعار المواد الغذائية بعد ما أعلنت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة أن أسعار الغذاء العالمية قد ترتفع مع نمو الطلب وتقلص الإمدادات. وسجل معدل التضخم السنوي في مصر أعلي مستوي في مارس الماضي نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفع معدل التضخم في الحضر إلي 11.5٪ مسجلا أعلي مستوي منذ أبريل 2010. وتوقع الخبراء ارتفاع مؤشر الأسعار نتيجة تراجع سعر الجنيه، وتوقع بنك سي. آي كابيتال للاستثمار أن يبلغ متوسط معدل التضخم في العام الجاري 12.8٪. وقدر تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار خسائر قطاع خدمات الاتصالات والإنترنت عقب احداث ثورة 25 يناير بنحو90 مليون دولار وأشار أن قطاع السياحة تكبد خسائر قدرها 825 مليون دولار نتيجة إلغاء الحجوزات السياحية خلال شهر فبراير الماضي، كما شهدت نسبة اشغالات الفنادق انخفاضا ملحوظا تراوح من الصفر إلي 16.2٪ في بعض المناطق كأعلي نسبة إشغال للأسبوع الأول من فبراير الماضي مقابل 78٪ خلال الأسبوع الأول من يناير2011.. ونتيجة لذلك استغنت المنشآت السياحية عن العمالة المؤقتة وخفضت أجور العمالة الدائمة باجمالي 70 مليون جنيه. فيما أعلن وزير السياحة منير فخري عبد النور أن إجمالي الخسائر في القطاع السياحي 1.5 مليار دولار منذ قيام الثورة وحتي أول شهر إبريل الجاري, وأن مصر استقبلت 1.9 مليون سائح فقط في الفترة من يناير حتي مارس الماضي، مقارنة ب 3.4 مليون سائح في نفس الفترة من العام الماضي، وقدرت هيئة تنشيط السياحة أن الخسائر خلال الشهر الماضي فقط ب 800 مليون دولار. وذهب تقرير صادر عن مركز الدراسات الاقتصادية، إلي أن الخسائر التي تكبدتها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير تبلغ حوالي 200 مليار جنيه (تعادل نحو 33 مليار دولار) . كل هذه الأرقام المفزعة ليست مدعاة ل (لعن الثورة) التي كلفتنا هذه الخسائر، ولا الترحم علي (استقرار) النظام السابق، وأيام مبارك التي راحت.. لكنها ضرورية حتي يعرف الجميع الدور الوطني المطلوب لاستعادة النشاط الاقتصادي، وتنشيط عجلة الإنتاج، لإعادة بناء الدولة، والتأكيد علي أن مضاعفة الجهد في العمل والبناء جزء لا يتجزأ من النضال الوطني لإنجاح الثورة العظيمة، وإفشال مخططات الثورة المضادة. آلام المخاض في البداية يقول الدكتور محمد النجار؛ أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها أن الثورات لها طبيعتها المختلفة، وانعكاساتها علي الاقتصاد لا يمكن قياسها بالظروف الطبيعية، لأن الثورة أساسا هي عملية اختلال للتوازنات القائمة، ومن ثم، فإن نتائج الثورات في المدي القصير تكون عبارة عن خسائر جمة للاقتصاد، وارتباك في حركة السوق، متمثلة في توقف الإنتاج، ووقف تدفق الاستثمارات الأجنبية، واختلال الجانب الأمني في النقل والتشغيل، وتخوف رجال الأعمال من المناخ السائد المعادي لهم. ويستدرك د. النجار موضحا أن هذه المظاهر السلبية ليست كارثية كما يريد أن يصورها أعداء الثورة، ورموز النظام السابق، بل هي تشبه آلام المخاض قبل ولادة اقتصاد قوي يضمن المنافسة ويمنع الاحتكار، ويضرب بيد من حديد علي الفاسدين والمتلاعبين، إلا أن الخروج من هذا الوضع الصعب مرهون بإرادة الشعب علي تكثيف الجهود لإعادة البناء. عودة السياحة أما الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فيري الأولوية في استعادة نشاط السياحة، لأنها من أهم مصادر الدخل القومي، خاصة أن عدد المستفيدين منها بشكل مباشر أكثر من 2.5 مليون شخص. ويستنكر د. رشاد اضرابات المطالب الفئوية التي عطلت كثيرا حركة الانتاج، حيث إن أصحاب هذه المطالب مع الاعتراف بمشروعية مطالبهم، ووجاهة طرحهم، إلا أنهم يجب أن يتحلوا بقدر أكبر من الحس الوطني، ويقطعوا الطريق علي طيور الظلام التي تعبث بالثورة وأهدافها النبيلة. يلتقط طرف الحديث الدكتور إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، مضيفا أن أكثر القطاعات تأثرا بالأوضاع الحالية هو السلع الغذائية نظرا لاعتمادنا بشكل كبير علي استيراد احتياجاتنا من الغذاء، وهذا في حد ذاته دليل إدانة للنظام السابق الذي جعل طعامنا في أيدي غيرنا، لكن أستاذ الاقتصاد يعود فيري أن الوضع ليس خطيرا.