لقد أيد الله تعالي رسله بالمعجزات الشاهدة علي صدقهم، والدالة علي الحق. وكانت معجزة كل رسول من نوع ما برع فيه القوم في كل عصر من العصور فعندما تأتي المعجزة من نوع ما برعوا فيه فيعجز القوم عن الاتيان بمثلها وهم أهل الخبرة دل علي انها ليست من صنع البشر، وانما هي من صنع خالق القوي والقدر سبحانه وتعالي. فقوم موسي لما كانوا بارعين في السحر كانت معجزته العصا التي كانت تلقف ما يأفكون. وقوم عيسي لما برعوا في الطب كانت معجزة عيسي عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص واحياء الموتي بإذن الله. وقوم سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« لما برعوا في الفصاحة والبلاغة كانت معجزته القرآن الكريم الذي عجزوا عن الاتيان بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة من مثله »قل لئن اجتمعت الإنس والجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا«. وكان مجيء القرآن علي يد رسول نبي أميّ لا يقرأ ولا يكتب وهذه ارادة الهية لها حكمة ربانية، ألا وهي انه لو كان قارئا وكاتبا لارتاب أهل الباطل وقالوا اخذه عن الحضارة الفلانية أو نحو ذلك، ولكنه لما كان أميا لا يقرأ ولا يكتب دل علي ان القرآن انما هو من عند الله رب العالمين كما قال سبحانه: »وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون«. فهو أميّ ولكنه علم الدنيا وهو أميّ ولكن لا يعرف البلاغة من لم يتتلمذ علي هديه. أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا ومن أجل ذلك فان من سمع القرآن ولم يتعصب لهوي لا يسعه الا ان يشهد لعظمة القرآن، كما حدث من بعض المشركين عندما سمع القرآن قال: »ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق وانه يعلو ولا يعلي عليه وما هو بقول البشر«. وسمعه الجن فانطلق مرددا في الآفاق: »إنا سمعنا قرآن عجبا يهدي إلي الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا«. وعندما سمع القرآن عمر بن الخطاب وقرأ الصحيفة لامس القرآن شغاف قلبه فسأل عن مكان الرسول »صلي الله عليه وسلم« وذهب إليه وأعلن الاسلام، وكان هذا عندما تناول الصحيفة من أخته وقرأ من سورة طه إلي ان بلغ قول الله تعالي: »انني أنا الله لا إليه إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري« وفي عصرنا الحاضر: نشهد مفارقات لها العجب حين نري حملة شعواء علي كتاب الله وموسوعات خاطئة وآثمة تحاول النيل من كتاب الله تعالي. ورأينا محاولات ظالمة لتدنيس المصحف، وأخري من خلال بعض القنوات الفضائية التي تحاول النيل من القرآن. ولكن نري في المقابل من يقرأون القرآن فيسارعون بالدخول في الإسلام من أهل الفكر والقلم، بل نري من بين المستشرقين من يقرأ القرآن فلا يسعه إلا أن يشهد له بانه الحق من عند الله رب العالمين. ويقول: »لو وجد القرآن في فلاة ولم نعرف من جاء به لعلمنا انه من عند الله«. وقد تكفل الله بحفظ القرآن فقال الله تعالي: »إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون« سورة الحجر »9«. ومن فضل هذه الأمة ان الله تعالي اصطفاها لترث الكتاب، وجعلها أهلا للرسالة الخاتمة التي ورثت الرسالات السابقة والشرائع الماضية قال الله تعالي: »ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله« سورة فاطر »23«. وقد نزل القرآن عالمي الدعوة والرسالة ونذيرا للعالمين كما قال الله تعالي: »تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا« سورة الفرقان »1«. ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا وإلي ان تقوم الساعة يبقي القرآن خالدا ومصلحا وصالحا لكل زمان ومكان. بل يمتد خلود القرآن فيتعدي الزمن إلي ان يقرأ في الجنة، كما قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فان منزلتك عند آخر آية تقرأ بها« رواه الترمذي. وهكذا يظل القرآن منذ نزوله إلي يوم القيامة وحتي بعد يوم القيامة وفي الجنة. ونري انه صالح ومصلح لكل زمان ومكان علي عكس أي كتاب بشري يؤلفه أحد من البشر مهما بلغ في علمه، فانه بعد حين يحتاج إلي تعديل وإلي تغيير أو إلي زيادة أو إلي نقصان.. الوحيد الذي لا يحتاج إلي زيادة أو نقص أو تعديل هو القرآن فمع انه نزل منذ أكثر من أربعة عشر قرنا نراه كأنه ينزل لأهل هذا الزمان بل ولمن بعدهم، فعند نزوله مثلا كانت وسائل النقل الدواب والأنعام فيخاطب الناس بما في بيئتهم ثم يلوح لهم بما في المستقبل من اكتشافات واختراعات وما يخلقه الله وما يظهر علي أيدي الناس مما هداهم اليه فقال الله تعالي: »والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون« وقال سبحانه: »ولتعلمن نبأه بعد حين« وقال الله جل شأنه: »سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم انه الحق«. وهكذا نري القرآن يشير إلي ما سيكون في مستقبل الحياة من اكتشافات واختراعات وأمور جديدة لم تكن فيمن كان قبلهم، ويظل قول الله تعالي: ».. ويخلق ما لا تعلمون« يتحقق عبر الزمان والمكان وإلي يوم القيامة ففي كل جيل وفي كل عصر يهدي الله سبحانه وتعالي العقل البشري فيكتشف كل عصر الجديد في كل مجال. حتي في عالم الطب والدواء نري قول الرسول »صلي الله عليه وسلم«: »تداووا فان الله لم يخلق داء إلا خلق له دواء..« ومر زمان طويل علي العلم الحديث والطب وقد وقف لا يحرك ساكنا أمام بعض الأمراض يقول: لا علاج لها حتي يشاء الله وتحققت نبوءة القرآن »ولتعلمن نبأه بعد حين« وتحقق ما قاله الرسول »صلي الله عليه وسلم«: »... فان الله لم يخلق داء إلا خلق له دواء« فتظهر ادوية لبعض الأمراض التي قيل عنها.. لا علاج لها ويتحقق قول الله تعالي: »سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم انه الحق«. وهكذا يظل القرآن الكريم معجزة خالدة، وهو معجزة معنوية علمية باقية وليس كالمعجزات الحسية التي انتهت بزمانها وزمان من رأوها أما القرآن فباق وخالد، ولذا رجا رسول الله »صلي الله عليه وسلم« به ان يكون أكثر الأمم تابعا يوم القيامة حيث قال »صلي الله عليه وسلم«: »ما من الانبياء نبي الا اعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وانما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو ان أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة«.. رواه البخاري.