السياسة لا تعرف المستحيل، فكثيرا ما يتهيأ الرأي العام في منطقة معينة من العالم، لعملية انفجار في العلاقات مع دولة من دول الجوار أو أخري بعيدة عنه، وبعد أن تصل الأمور إلي ذروتها، تعمل السياسة في أغلب الأحوال علي نزع الفتيل ومنع الانفجار وربما عودة العلاقات بصورة أكبر مما كانت عليه قبل التوترات. تلك هي بعض قواعد اللعبة السياسية...التي فرضت علي الرئيس الإيراني حسن روحاني الشهر الماضي القيام بجولة شملت سلطنة عمانوالكويت بهدف تحقيق مصالحة أو محاولة للتقارب في وجهات النظر مع دول الخليج، مع إخفاء البواعث الحقيقية للجولة التي قد يعتبرها بعض المحللين السياسيين بمثابة إشارة لمدي القلق البالغ الذي يعتري طهران خوفا من »جحيم» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومساعي تركيا لبسط نفوذها في المنطقة. اختار روحاني سلطنة عمانوالكويت لأن العلاقات بين بلاده من جانب، والكويت ومسقط من جانب آخر، تتسم بالاستقرار منذ فترة طويلة نسبيا، وهو ما تجسده الزيارات المتبادلة بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة، بحيث أصبحت عمانوالكويت معا تشكلان نافذة طهران الوحيدة للتواصل مع الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية. وتزامنت جولة الرئيس الإيراني ، التي تُعد هي الأولي له خليجيا منذ توليه الحكم - مع جولة قام بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في المنطقة شملت كلا من البحرين والسعودية وقطر. إيران تحاول أن تؤكد أنها موجودة كلاعب إقليمي أساسي بالمنطقة، فضلا عن أن التقارب التركي الخليجي ولا شك يزعج طهران بصورة كبيرة، خاصة في ظل تباين وجهات النظر الإيرانية التركية ازاء كثير من الملفات أبرزها الملف السوري، في الوقت الذي تتطابق فيه الرؤية التركية مع توجهات الخليجيين في كثير من الملفات الإقليمية، وهو ما يصب في غير مصلحة طهران، ومن ثم فإن زيارة روحاني ربما تأتي كرد فعل علي جولة إردوغان، في محاولة لعدم ترك الساحة الخليجية كاملة أمام الأتراك، والبحث عن موطئ قدم يحفظ لإيران نفوذها الإقليمي. ايضا، اعتبر بعض المحللين السياسيين أن جولة روحاني استهدفت في الأساس جس نبض لرد فعل عرب الخليج تجاه أبعاد الموقف الأمريكي الحالي من إيران، والذي يتسم بتوتر حاد في ظل تفاقم أزمة بين واشنطنوطهران مرشحة للتصاعد علي أكثر من جبهة إقليمية (العراق وسوربا واليمن) إضافة إلي الاتفاق النووي بين ايران والدول الست الكبري، ولا يخفي علي أحد أن تهديدات الرئيس ترامب لإيران - تصعيدا لتلك الأزمة - جاءت بالتزامن مع انفراجة في العلاقات الأمريكية السعودية، وهو ما دفع طهران إلي العودة للوراء قليلاً، ومن ثم جاءت جولة روحاني للوقوف علي الموقف الخليجي الحقيقي حيال ما تعتبره طهران حملة عدائية من قبل ترامب، ومحاولة التأثير علي دول الخليج العربية لصالح ايران من خلال إقناعها ببذل مساع لدي واشنطن للتخفيف من حدة التوتر مع طهران. واستكمالا لتقارب إيران »التكتيكي» باتجاه دول الخليج جاءت زيارة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلي قطر ومحادثاته مع أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وطغت علي الزيارة مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلي تبادل وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع في المنطقة. وزيارة ظريف للدوحة تعد مكسبا هاما لطهران قد يفتح »الباب المُغلق» بينها وبين الرياض. والتساؤل الذي يطرحه الجميع هو: هل يستطيع الرئيس الإيراني بعد زيارته للمنطقة إجراء تغيير ملموس في سياسة طهران علي الساحة الخليجية العربية؟ السياسة الخارجية الإيرانية أكثر تعقيداً وتشابكاً، مما يجعل من الصعب علي روحاني تغيير مسار هذه السياسة أو تعديل توجهاتها دون موافقة المرشد الأعلي الإيراني آية الله علي خامنئي الذي يختلف مع سياسته إلي حد ما. والأمر المؤكد أن هامش التأثير الذي يمتلكه روحاني يتفاوت من قضية إلي أخري.. فزيارة روحاني القصيرة لكل من سلطنة عمان ودولة الكويت قد تكون محاولة للتقارب، لكن هل هي كافية بحد ذاتها لإقناع العواصم الخليجية العربية بجدية وإخلاص هذا التوجه الإيراني؟. • أحمد فتحي