لأول مرة في حياتي أقف في طابور طويل أمتد خارج اللجنة لكي أدلي بصوتي في استفتاء 19 مارس.. ومنذ استخرجت بطاقتي الانتخابية قبل سنوات لم يكن يخطر ببالي أن أري هذا الطابور في لجنة انتخابية. ربما صادفني في طابور دفع فاتورة التليفون أو قضاء مصلحة في جهة حكومية.. لكنني ولأول مرة في عمري أري هذا الطابور الممتد من النساء والرجال والشباب ولن أنسي ما حييت هؤلاء الرجال المسنين الذين جاءوا يتكئون علي أبنائهم وأحفادهم ليقولوا نعم أو لا في هذا اليوم المجيد من أيام مصرنا الحبيبة.. حقا لقد سطعت شمس الحرية علي بلادي ولأول مرة يصبح صوت الناخب له قيمة.. لأول مرة في بلادي يذهب الناخبون الي صناديق الاستفتاء دون أن يشتريهم أحد أو يجبرهم مقابل كيلو زيت وكيس سكر.. هذه هي الديمقراطية الحقيقية التي نعيشها بعد ثورة 25 يناير .. في بلدتي الصغيرة القابعة علي النيل كانت اللواري تأتي لتسوق الناس كالبهائم إلي مقار اللجان ولذلك لم يكن غريبا أن تأتي النتيجة 9.99٪ ومن لا يذهب لن يجد قوت يومه التالي.. عشت وشاهدت كيف كان الإقطاعيون يتحكمون في أرزاق الفلاحين في سنوات الستينيات ولم يكن ينجينا من هذا الجبروت إلا إننا من ذوي القربي.. وحتي هذه لم تكن لتشفع لنا إذا أخطأ أحدنا أو زل لسانه كأن مشهد محمد أبو سويلم في فيلم »الأرض« كان يجري في بلدتنا الصغيرة.. المشهد طبق الأصل مع اختلاف الأسماء والأماكن.. في 19 مارس 2011 شعرت بأن بلادي تولد من جديد.. هي نفسها مصر التي أحببناها صغارا وكبارا التي لطالما اشتقنا لها وتغنينا بها ونحن في بلاد الغربة لأنها لفظتنا وأجبرتنا علي الرحيل لأن أحلامنا الصغيرة جدا ضلت الطريق فهجرناها ليتمتع بها غيرنا ممن أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلاء! نعم.. أشرقت أنوار الديمقراطية علي بلادي وسطعت فيها شمس الحرية.. ربما قبل الأشهر القليلة الماضية لم يكن يخطر ببالي أن بلادي سوف تتحرر من الظلم والجهل وسطوة الإقطاع الجديد وفساد الحياة السياسية والبرلمانية .. كان الخاطر حلما من دروب المستحيل فكل المبادئ التي قامت من اجلها ثورة يوليو 1952 عادت أكثر وحشية وقسوة وكل ما درسناه في كتب المدرسة ونحن أطفال تحقق بالعكس وعدنا إلي ما قبل الملكية.. كأن ال" 5٪ " الذين يمثلون طبقة الحكام والأكابر قدر محتوم علينا.. اليوم يحق لنا أن نفخر بمصريتنا فلن نطأطئ رؤوسنا بعد اليوم.. اليوم نحن في حضرة الزعيم أحمد عرابي نردد معه: »لقد خلقنا الله أحرارا ولن نستعبد بعد اليوم«.. نحن في حضرة شاعر النيل حافظ إبراهيم.. أنا إن قدر الإله مماتي فلن تري الشرق يرفع الرأس بعدي. عاجل لوزير الاتصالات وصلتني رسالة من المواطن حسن غريب شحاتة حسن المقيم في 84 شارع بني نوفل - سيدي جابر- الإسكندرية يطلب فيها التحقيق في قرار فصله من عمله ومعه المستندات التي تؤكد صحة كلامه.. حكاية الرجل كما رواها: انه كان يعمل بالشركة المصرية للاتصالات وتقدم بشكوي ضد وقائع فساد وإهدار مال عام بملايين الجنيهات وهو يعتقد أن هناك عدالة ففوجئ ب" 23 " قسيمة جزاء في شهر واحد وإحالته بعد ذلك إلي مجلس تأديب العاملين بالشركة وفصله من العمل بحجة تبديد 150 متر سلك قدرت بحوالي سبعين جنيها.