لان لكل ثورة أعداء كما يقول لنا التاريخ فلابد وأن لثورة 52 يناير هي الاخري أعداء.. هذه بديهية غير قابلة للجدال وغير مقبولة للانكار.. لكن مع ذلك تبقي مشكلة تحديد أعداء هذه الثورة.. أو بالأصح من له الصلاحية لتحديد اعداء هذه الثورة. وقد يبادر البعض علي الفور للقول بأن الثوار وحدهم هم الذين يعرفون أعداءهم وبالتالي هم وحدهم المخولون بتحديد اعداء هذه الثورة.. وربما يتمادي هؤلاء ليقولوا إن الثوار هم ايضا الذين لهم حق محاسبة اعداء ثورتهم، لحماية هذه الثورة وصيانتها من مؤامرات هؤلاء الأعداء الذين يتربصون بالثورة لاجهاضها أو منعها من تحقيق أهدافها الاساسية. لكن ذلك يجعلنا نسترجع ما حدث لنا عشية قيام ثورة يوليو.. فقد استفز الثوار، أو بالاصح قادتهم، لمواجهة أعداء ثورتهم..وتولوا هم وحدهم تحديد أعداء الثورة وعقابهم، وتنوع العقاب من الأقصاء الي الإعتقال والتعذيب الذي أودي بحياة عدد من المعتقلين.. فبعد ان احكم قادة الثوار قبضتهم علي السلطة عام 4591، رفعوا شعارهم الاثير، وهو: »الحرية كل الحرية للشعب ولا حرية لإعداء الشعب«.. وظل هذا الشعار مرفوعاً بقوة حتي أهتز في أعقاب مظاهرات الطلبة والعمال عام 8691. ولقد اسفر ذلك عن إهدار واحد من المبادئ الستة التي أعلن الثوار أنهم قاموا بثورتهم من أجل تحقيقها، وهو المبدأ الخاص باقامة حياة ديمقراطية سليمة.. فقد امتلأت السجون بالمعتقلين من مختلف الانتماءات السياسية.. اليمين واليسار فضلا عن الأخوان المسلمين.. وصار العزل السياسي سيفا مصلتا علي رقاب كل من تثور الشكوك في ولائه للنظام الثوري السياسي الجديد.. بل ان قادة الثورة انقلبوا حتي علي بعض رفاقهم.. فلم يكتفوا بعزلهم أو تحديد اقامتهم، انما سجنوا واعتقلوا بعضهم وعائلاتهم، مثلما حدث مع والد زوجتي رحمهما الله مع العقيد يوسف صديق الذي لولاه لما نجحت الثورة، فهو الذي اقتحم قيادة الجيش وسيطر عليها وألقي القبض علي قادته! وهكذا.. فقد البعض حريته لانه تم تصنيفه عدواً للثورة والشعب ما دام لا حرية لاعداء الشعب.. بل وفقد آخرون حياتهم داخل السجون والمعتقلات تحت وطأة التعذيب.. فهل نحن يمكن ان نكرر نفس الخطأ الذي سبق أن ارتكبتا. قبل نحو ستين عاما مضت؟.. وبعبارة أكثر صراحة.. هل نحن مستعدون أن نستبدل ديكتاتورية انهكتنا وكادت تذهق أرواحنا بديكتاتورية جديدة.. أحدث وأكثر عصرية؟! المنطق يقول إن ذلك غير مقبول ولا يمكن أن يحدث.. فقد قامت ثورة 52 يناير لكي تخلصنا من ديكتاتورية وتصنع لنا ديمقراطية نتطلع إليها.. ان أحد أهداف ثورة 52 يناير هي نيل الحرية.. أو صناعة دولة ديمقراطية.. ولعل ذلك الهدف كان يسبق لدي الشباب الذين فجروا هذه الثورة في الأولوية بقية الأهداف الاخري مثل العدالة وتوفيرالاحتياجات الاساسية للمواطنين البسطاء. كما يصبح غير مقبول وغير مستساغ أن يتولي كل من شارك في الثورة بنفسه تحديد أعداء الثورة علي هواه ومزاجه الخاص.. ناهيك بالطبع أن يتولي من يدعي الاشتراك في الثورة ويقدم نفسه علي أنه من الثوار هذه المهمة. الديمقراطية ترفض ذلك.. ترفض ان ينفرد فرد أو مجموعة من الأفراد مهما كانت الثقة كبيرة فيهم، ومهما كانت سمعتهم طيبة، تحديد أعداء الثورة، بل واصدار الاحكام عليهم، والسعي الي تنفيذ الاحكام بأنفسهم.. أي يتولون هم سلطة القضاء وأيضا سلطة الشرطة التي تنفذ! لكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي أمام اعداء الثورة أو أن يكتفي الثوار بالتفرج علي أعداء الثورة، وأن يسكتوا علي محاولات اجهاض الثورة أو تخريب مسيرتها ومنع قطارها من الوصول الي محطته الأخيرة، وهي محطة الدولة الديمقراطية المدنية العصرية العادلة. إنما ما دمنا نستهدف الديمقراطية وننشد العدالة فيجب أن نترك ذلك للقانون ورجال القانون.. بالقانون وحده يمكن أن نتصدي لاعداء الثورة.. ورجال القانون وحدهم هم المنوط بهم محاسبتهم ومحاكمتهم.. أما الاقصاء السياسي والمطاردة والاعتقال فكلها اساليب وطرق تتناقض تماما مع جوهر هذه الثورة الديمقراطية، وتتعارض مع الهدف الأساسي لها وهو صنع الديمقراطية وكفالة الحرية للجميع بلا استثناء. وإذا حدث ذلك سوف ننقذ ثورتنا.. وسنحميها.. وسندفعها إلي تحقيق كامل أهدافها.. وسنمنع من يتخفون في ثياب الثوار من اجل تصفية حسابات وخصومات خاصة وشخصية، أو من أجل تحقيق مآرب خاصة، والحصول علي مكاسب شخصية لا علاقة لها بالاهداف النبيلة للثوار الشجعان.