نسعي لتعميم أسلوب للري يوفر 30٪ من المياه ويرفع الانتاج 25٪ تطوير محاصيل قادرة علي تحمل 4 درجات حرارة أكثر من المعتاد بنك لجينات البذور في سوريا ومشروعات للأمن الغذائي في اليمن علي الرغم من خطورة الملفات التي يعمل عليها، إلا أن د. علي أبو سبع، المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة »إيكاردا»، لا تغادر الابتسامة وجهه وهو يتحدث عن هذه الملفات، ليعطيك انطباعا بأن لكل مشكلة حل، ومهما عظمت الأزمات، فإن العمل الجاد والدءوب قادر علي حلها. وفي حواره مع الأخبار، كان د. أبو سبع، يتحدث عن المشكلة تلو الأخري، وفي كل مره تعتقد أنه سيقول »ليس بالإمكان أبدع مما كان»، تفاجأ بأن لديه حلولاً، يستخرجها من كنز مؤسسته البحثي، الذي كان لمصر نصيب كبير منه. ومن أبرز محتويات هذا الكنز، أصناف القمح المقاومة للحرارة، والتي تم تجربتها في مصر، وأحدث طرق الري التي ترفع الانتاجية لأكثر من 25 % وتقلل استهلاك المياه بنسبة 30%. وفيما يلي نص الحوار: الأمن الغذائي قضية الساعة، فماذا تحملون في جعبتكم للتعامل مع هذا التحدي؟ - من أبرز التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العربي هو مشكلة التغيرات المناخية، والتي تتمثل في نقص الأمطار عن معدلاتها الطبيعية وإزدياد في درجات الحرارة عن المعتاد، ودور إيكاردا في هذا الإطار هو المشاركة مع مراكز بحثية تقوم بتطوير بذور تنمو في ظروف حرارة أعلي ومياه أقل، وبناء الكوادر والكفاءات وتدريب المزارعين علي استخدام تلك الأصناف. بحث وتجربة هل وصلتم لنتائج ملموسة في هذا الإطار أم أن الأمر لا يزال في طور البحث والتجربة؟ - يرتسم علي وجهه شعور بالفخر، وهو يجيب قائلا: أزمة الغذاء في 2008 علمتنا درسا هاما، وهو أنه مهما كنت تمتلك من إمكانيات مادية، فإن ذلك لن يعصمك من الأزمة، فقد يكون لديك الأموال، لكن لا يوجد الغذاء الذي يمكن شراؤه بها. من هذا المنطلق، لا تنتظر الإيكاردا تعاظم أزمة التغيرات المناخية، فاستعدت لما هو أسوأ، ونعتز في هذا الإطار بما أنجزناه من نجاح مع محصول القمح، باعتباره محصولا يحتاج إلي طقس بارد للنمو. وما هي إنجازاتكم مع هذا المحصول الاستراتيجي؟ - يلحظ د.أبو سبع حماسي في طرح هذا السؤال، فيزداد حماسه وهو يتحدث عن هذا الإنجاز، قائلا: تم تطوير أصناف من القمح لديها قدرات علي مقاومة الحرارة واحتياجاتها المائية قليلة، وتم تجربة هذه الأصناف في مصر والسودان ونيجيريا، وأظهرت نتائج إيجابية عند درجة حرارة 50 درجة مئوية. ويستطرد د.أبو سبع: وهذا ليس الإنجاز الوحيد، ففي مصر لدينا تجربة أكثر من رائعة للزراعة باستخدام المساطب المرتفعة، التي تقلل من استهلاك المياه بنسبة 30 % وتزيد انتاجية الفدان بنسبة 25 %. وما تعني ب »المساطب المرتفعة»؟ - سألته هذا السؤال، وقد ارتسمت علي وجهي علامات التعجب من غرابة المصطلح، فيرد علي تعجبي بابتسامة، قبل أن يشرع في شرح تفاصيل تلك الطريقة قائلا: المساطب يتم تشكيلها بماكينات، وعرضها من 35 إلي 40 سم، لتنظيم عملية الري، ويتم بذر البذور علي المساطب، لتعطي المياه بالمقدار، الذي يلائم حاجة النبات. نطاق واسع وهل تم نشر هذه الطريقة علي نطاق واسع أم أنها لا تزال في طور التجربة؟ - تم تطبيقها بالتعاون مع البحوث الزراعية في بعض المزارع للعرض، ثم تم زيادة مساحة الاستفادة منها إلي مساحة 50 ألف فدان، ونستهدف 800 ألف فدان في 2017 ، ونطمح في الوصول إلي 5 أو 6 ملايين فدان خلال سنوات. وما هي خطتكم لتوسيع الاستفادة منها؟ - كان د.أبو سبع يتوقع هذا السؤال، فلم ينتظر إكمال السؤال، ليرد قائلا: ماكينات إعداد المساطب يبلغ سعرها بالخارج 50 ألف دولار، لكننا نجحنا في انتاجها بمصر باستخدام تكنولوجيا محلية، ليصل سعرها إلي 6 آلاف دولار، ونطمح أن ينخفض السعر حال تم تعميم هذا الأسلوب وتم انتاج هذه الماكينات علي مستوي الإنتاج الكبير. وماذا عن الأفكار الأخري التي نجحت إيكاردا في تنفيذها خارج مصر؟ - الأفكار التي تنفذها إيكاردا نحرص علي أن تكون صالحة للتطبيق في كل دول المنطقة، فليس معني أن هناك أفكارا تم تنفيذها في مصر، أنها لا تصلح للتطبيق في دولة أخري، ولكن هناك أولويات وفقا لظروف وحاجة كل منطقة. وانطلاقا من هذه القاعدة، كان للإيكاردا تجارب أخري في بعض الأقطار العربية، ومنها تجارب استخدام بعض أصناف الصبار كعلف حيوان، و تطوير طرق تلقيح جديدة من شأنها زيادة انتاجية التمور، بدون الحاجة إلي الصعود علي النخل. الصبار علفا للحيوانات؟! -قلتها متعجبا، وكالعادة يبتسم د.أبو سبع، وهو يواصل استخراج بعض من مكونات كنز إيكاردا البحثي، قائلا: نجحنا في نقل أصناف من الصبار تحتوي علي نسبة كبيرة من المياه إلي المغرب والأردن وتونس، وأظهرت الثمرة كفاءة في تغذية الحيوانات، وزادت أحجام الحيوانات التي تغذت علي أوراقه، وهي فكرة تصلح للتطبيق في أغلب الأقطار العربية. ولماذا الصبار تحديدا؟ - قد تكون الفكرة غير مستساغة في العالم العربي، ولكنها مستخدمة في دول أخري، وأهمية الصبار أنها ثمرة متعددة الفوائد، فإضافة إلي قيمتها كغذاء للحيوانات، يمكن استخدام زيوتها أيضا، وهي ثمرة ملائمة لأجواء المنطقة العربية ومشكلة التغيرات المناخية، إذ لا يحتاج نموها لكميات كبيرة من المياه. الفاو والمجاعة كان هناك تقرير خطير لمنظمة الفاو، فحواه أن دولة اليمن علي شفا مجاعة، فماذا أعددتم في إيكاردا للتعامل مع هذه المشكلة؟ - إيكاردا تهتم بصفة عامة بإعادة تشغيل قطاع الزراعة في الدول الخارجة من صراعات.. فبعض الدول تطلب اعادة انشاء صناعة البذور، والبعض يطلب الدعم في مجال التدريب وإعادة بناء القدرات. ولكن اليمن لا تزال تعاني من الصراع، فكيف يمكن أن تعملون في هذه الظروف؟ - يحاول دوما د.أبو سبع النأي بمنظمة إيكاردا عن الخوض في القضايا السياسية، لكنه إلحاحي بالسؤال دفعه للخوض في هذه المساحة علي استحياء، قائلا: ما يعرض علي شاشات التليفزيون ليس بالضرورة هو ما يحدث في الواقع، فرغم الصراع المحتدم الذي يظهر عبر الشاشات، لدي إيكاردا أنشطة في اليمن ضمن مشروع تحسين الأمن الغذائي العربي، ويجري في الوقت الحالي دراسة الأصناف الجيدة والمحسنة في مجال القمح والشعير والحمص والفول، بغرض استنباط الأصناف الأنسب لظروف اليمن، وتنظيم لقاءات مع المزارعين، للاستفادة منهم في زراعتها. وهذه الأنشطة ممولة من المنظمة العربية للتنمية الاقتصادية وصندوق الكويت والأوبك وبنك التنمية الإسلامي. وهل تجدون تعاونا من أطراف الصراع في اليمن؟ - يشعر د.أبو سبع أن هذا السؤال سيجره إلي الحديث بمزيد من التفاصيل في الأزمة اليمنية، فيجيب إجابة عامة قائلا: عمل إيكاردا قائما بشكل أساسي علي تطوير أصناف من البذور، وحتي نقوم بهذه المهمة نجمع بذورا من أماكن نموها بالجبال والصحاري، ويتم توزيع الأصناف علي مراكز البحوث بالدول المختلفة، ويتم متابعتها من خلال برامج مشتركة مع مراكز البحوث. وهذا العمل يحتاح إلي تعاون من الدول، ولا يمكن لإيكاردا أن تقوم بعملها دون وجود هذا التعاون. مدينة حلب وهل وجدتم تعاونا من النظام السوري في إدارة مقر المنظمة في مدينة حلب السورية؟ - يشعر د. أبو سبع برغبتي في الولوج بالحوار مجددا إلي مساحة السياسة، فيقابل هذه الرغبة بابتسامة، يفهم منها أن حديثه سيكون بالعموميات كما في الحالة اليمنية، دون الخوض في التفاصيل. وقال: »أهم نشاط للإيكاردا في سوريا، هو بنك الجينات، الذي يضم 154صنفا من البذور تم جمعها من عدة أقطار عربية، وحتي الآن لا يزال مبني البنك قائما، حيث تواصلنا مع الحكومة السورية وطلبنا منهم تحييد محيط البنك عن الصراع». إذا كان الوضع كذلك، فلماذا نقلتم نسخا من البذور الموجودة بالبنك إلي النرويج؟ - لم ننقل النسخ إلي النرويج فقط، فلدينا نسخ أيضا موزعة بين المغرب ولبنان، نستخدمها في العمل البحثي، وكان لابد من نقل نسخ من البذور إلي تلك الأماكن، لأن محتويات هذا البنك ثروة لا تقدر بثمن، ولا يمكن أن نغامر بها، فإذا كانت الحكومة قد التزمت وحافظت علي مقر البنك، فإننا لا نضمن التزام الأطراف الأخري. أفهم من ذلك، أن الإيكاردا في سوريا صارت مقرا بلا أفراد؟ - مقرنا في سوريا هام جدا بالنسبة لنا، ولكننا مجبرون علي هذا الوضع، وقد تم نقل الباحثين إلي أماكن مختلفة في العالم العربي، وقد نعود إلي هناك إذا سمحت الظروف هناك بذلك. هناك تقارير صحفية، قالت أنكم تتعاونون مع المعارضة في سوريا لإدارة مزارعكم هناك؟ - الإيكاردا لا تتعامل مع أي فصيل سياسي، ولكن بعض العاملين في الإيكاردا هم من أبناء المنطقة، وهؤلاء موجودون علي سبيل الحراسة. هل صحيح أنكم ستنقلون مقر الإيكاردا إلي القاهرة؟ -خطة الإيكاردا الجديد تقوم علي اللامركزية، فنقوم بنقل السلطة لأماكن مختلفة، وتم توزيع الإدارات بشكل أساسي بين لبنان ومصر والمغرب، ولكننا سنستمر بالتواجد في الدول الأخري من خلال مشروعات وليس مقرات. وأخيرا، هل أنت مطمئن إلي مستقبل الأمن الغذائي في العالم العربي؟ - تقوم كل إجراءات الدول علي الابقاء علي ظاهرة الاحتباس الحراري في حدود درجتين مئويتين، والإيكاردا تعمل علي تطوير بعض بذور محاصيل زراعية تكون قادرة علي تحمل 4 درجات أكثر من المعتاد، فلابد أن نكون جاهزين لمواجهة الأسوأ. وهذه العملية ليست سهلة، حيث أن استنباط أصناف جديدة من البذور مرحلة طويلة تستغرق من 10 إلي 15 سنة.