بالنسبة للأمن القومي الامريكي كان من المهم الاعلان عن أن الحادث الخطير الذي شهدته مدينة «دالاس» ليس حادثاً ارهابياً ولا تقف وراءه منظمة اخترقت الترتيبات الامنية المشددة وأن مرتكب الحادث هو الفرد الذي تم قتله، وسبب الحادث هو الغضب من ممارسات الشرطة ضد المواطنين الامريكيين السود. بالنسبة للسياسيين والمفكرين كان هذا هو الأخطر.. لانه يكشف عن مدي الانقسام في المجتمع الامريكي الذي ظن مع انتخاب باراك أوباما لرئاسة الجمهورية أن أمريكا قد حققت انجازاً هائلاً حين استطاعت في أقل من نصف قرن أن تمحو تاريخاً طويلاً من الممارسة العنصرية غير الانسانية بحق مواطنيها السود وأن تخلق مجتمعاً متجانساً يدفع برجل أسود الي مقعد الرئاسة. الآن تأتي الاحداث الأمنية لتكشف عن مشاعر بالغضب لدي قطاعات كبيرة من المواطنين السود من ممارسات يعتبرونها عنصرية من جانب رجال الشرطة يردون عليها بمظاهرات سلمية ولكنها تصطدم بجنون العنف فيأتي قناص ليسقط خمسة من رجال الشرطة ويصيب عدداً آخر من رجال الشرطة والمتظاهرين علي حد سواء. يكشف ما حدث ان المشاعر العنصرية مازالت باقية كما يكشف عن خطورة ان يظل السلاح متاحا لكل من يريد ... حتي لو كان السلاح متقدماً ولو كان من يحوزه يمثل خطورة علي المجتمع. والاخطر ان ذلك يحدث قبل شهور قليلة من انتخابات رئاسية أظهرت جولاتها التمهيدية ان الافكار اليمينية تجد تربة صالحة في أمريكا (كما في أوربا» وأن آراء مهووسة مثل اقامة الاسوار لعزل أمريكا عن العالم وطرد المكسيكيين والمسلمين، واعادة مجد الرجل الابيض... جعلت من متعصب مهووس مثل ترامب هو المرشح المحتمل للحزب الجمهوري، وربما الرئيس المقبل للولايات المتحدةالامريكية اذا حدث ما يعوق الديمقراطية هيلاري كلينتون من أن تكون أول سيدة تتبوأ موقع الرئاسة الامريكية كما تشير التوقعات!! يؤكد الرئيس الامريكي أوباما بعد هذه الاحداث ، أن المجتمع الامريكي ليس مهدداً بالانقسام وقد يكون ذلك صحيحاً من وجهة نظر أوباما لكن ما تشهده أمريكا من تصاعد اليمين العنصري ومعه دعوات الكراهية واستخدام العنف يهدد بما هو أسوأ.. خاصة حين يترافق صعود اليمين الامريكي مع صعود اليمين العنصري في أوربا ومع ارتداد الارهاب الداعشي لينفجر في وجه من زرعوه في منطقتنا وظنوا أنهم سيكونون بعيداً عنه!! ستحشد أمريكا قواها حتي لا تتحول أحداث «دالاس» الي صراع يقسم المجتمع علي أساس عرقي لكن الاخطار الحقيقية ستبقي والنظام كله يحتاج لتعديلات لصالح الفقراء، والأمل في حجم التأييد الذي لقيه مرشح الفقراء والشباب «ساندرز» والبرنامج الذي طرحه ونافس به هيلاري كلينتون علي ترشيح الديمقراطيين والكارثة سيظل عنوانها «ترامب» بكل عنصريته الوقحة والتي مازال وبالرغم منها مرشحاً ليكون الرئيس القادم!!