لطالما كانت نظرية الأمن الإسرائيلي هي رأس المال الانتخابي لبنيامين نتانياهو التي ضمنت له أصوات الجماهير التي أبقته علي رأس السلطة لأربع دورات في الدولة العبرية. ولطالما ارتبطت نظرية الأمن الإسرائيلي بقرارات الحرب وتوازناتها. نظراً للشغف المعروف عن نتانياهو بشن الحروب والحملات العسكرية، كان وزير الدفاع السابق موشيه يعالون هو الذي يكبح نزق رئيس الوزراء فأخذ زمام قرارات الحرب في يده وكان يستطيع منع شن حملة عسكرية أو الإقدام عليها وفق حسابات توازن بين الأمن، وبين الاعتبارات العسكرية السياسية. في زمن يعالون كان الطريق إلي قرار الحرب يمر بمكتب وزير الدفاع في تل أبيب. لكن الآن وبعد تعيين ليبرمان بدت الحاجة ملّحة في رأي الدوائر السياسية الإسرائيلية لئلا يقف قرار الحرب عند أعتاب مكتب وزير الدفاع فقط وأن يمتد الطريق إلي مكتب رئيس الوزراء شخصياً.الخبراء لا يستطيعون منع أنفسهم من المقارنة بين وزير الدفاع المستقيل موشيه يعالون وبين الوضع الجديد مع ليبرمان الذي يحتاج إلي لجام متين لاسيما وهو يشغل ثاني منصب حساس في إسرائيل. ولا يتورع هؤلاء عن الإفصاح عن مخاوفهم من تهور وزير الدفاع الجديد واحتمالات توريطه لإسرائيل في مغامرات عسكرية غير مطلوبة الآن وفق حساباتهم الاستراتيجية، لاسيما وقد تعددت الجبهات المشتعلة التي تتعامل معها تل أبيب سواء في غزة أو سوريا ولبنان أو احتمالات المواجهة مع إيران وتنظيم داعش الإرهابي. ويتساءل المحلل عاموس هرئيل في هاآرتس ما إذا كان نتانياهو سيتحول من شخص يحتاج لمن يردعه ليكون هو صوت العقل والشخص الذي يردع وزير الدفاع الجديد الطائش الذي أصبح بحكم منصبه مسؤولاً عن قرارات الحرب - التي تتسم في غالبيتها بالسرية - بل وعن ميزانية الوزارة التي تبلغ 70 مليار شيكل، بينما يحظي بسمعة سيئة سواء من ناحية ذمته المالية أو سمعته السياسية. ويجيب هرئيل بنفسه عن سؤاله فيكتب إن نتانياهو معروف بقدرته علي تحجيم وزرائه خاصة أولئك الذين لايثق بهم. لكن الأمر لا يقتصر علي مدي قدرات نتانياهو بقدر ما يرتبط بمطالب ومخاوف شركائه في الائتلاف الحاكم وبقدرته علي تبديدها. ولأن نتانياهو نفسه ليس مضموناً في هذه النقطة فإن تداعيات تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع لم تقف عند حدود المخاوف الحربية، والقلق علي مصير وزارة الدفاع، بل تجاوزتها حتي وصلت للتهديد بأزمة ائتلافية. فقد دخل نفتالي بينت زعيم حزب «البيت اليهودي» اليميني علي خط الأزمة بمطلب لتعزيز قوة المجلس الوزاري الأمني وإحكام السيطرة عليه بتعيين عميد من الجيش ليعمل سكرتيراً عسكرياً لهذا المجلس ويصبح حلقة الوصل بين أعضائه من الوزراء وبين رئيس الوزراء ووزير الدفاع ويقوم بإطلاع الوزراء علي القرارات الحربية، ليكونوا أكثر ضلوعاً في القرارات الحربية المصيرية. نتانياهو تهرب وبدأ لعبة المماطلة بقرار تشكيل لجنة مهمتها إطلاع الوزراء بالمستجدات الأمر الذي دفع شركاءه من «البيت اليهودي» للتهديد بعدم تمرير تعيين ليبرمان لو لم تتم الاستجابة الواضحة لمطلبهم. وسط هذا الجدل جاءت استقالة آفي جباي وزير حماية البيئة في الأسبوع الماضي احتجاجاً علي توسيع الائتلاف الحاكم وضم أفيجدور ليبرمان وتعيينه وزيراً للدفاع. وفي تفسيره لخطوته المفاجئة قال جباي: «لم أتحمل تغيير وزير الدفاع موشيه يعالون ولا أطيق البقاء في حكومة يكون ليبرمان عضواً فيها، لقد أراد الناس حكومة يمينية لا يمينية متطرفة إلي هذا الحد». الوزير المستقيل عضو في حزب «كولانو»، وقد تلقي رئيس الحزب موشيه كحلون نبأ استقالة وزيره أثناء وجوده بالخارج. ملف البيئة سينتقل تلقائياً لكحلون. لكن المشكلة الحقيقية هي أن استقالة الوزير بلورت شيوع روح انعدام الثقة بين أعضاء الائتلاف الحاكم في الدولة العبرية، وأبرزت ضبابية العلاقات القادمة بين أطرافه. كما أن استقالة وزير من حزب «كولانو» وضعت الحزب بأكمله ومن قبل ذلك رئيسه أمام أزمة أخلاقية - سياسية فهل سينتفض رئيس حزب كولانو مثلما فعل وزيره أم سيضطر للخنوع أمام جبروت رئيس الوزراء ووزير دفاعه الجديد حفاظاً علي الشراكة الحكومية؟