دهشة انتابتني وأنا أطالع الصحف اليومية الصادرة صباح أمس الثلاثاء حيث أنه فاتها جميعا تقريبا الاهتمام بابراز أهم خبر علي الاطلاق من وجهة نظري لتضمنه كل عناصر الخبر الصحفي الذي يفرض نفسه للابراز علي الصفحة الأولي وليس أقل من ذلك . لكن المسؤولين عن الصحف اليومية لم يهتموا به لأنه يبتعد بالموضوع عن انفرادات الفساد والنميمة وخراب الذمم المالية وكأن ما يمكن أن يؤدي الي تبرئة الذمم وتاكيد وجود شرفاء ليس خبرا! . ومن دون اطالة أقول انه في متن الخبر الذي نشرته معظم الصحف المصرية حول قرار محكمة جنايات شمال القاهرة تأييد القرار الصادر من النائب العام بمنع عدد من الوزراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال من التصرف في أموالهم السائلة والمنقولة والعقارية والسندات والأسهم التي يملكونها في البنوك اهتمت صحيفة الأهرام فقط في عناوينها علي الصفحة الثالثة بما أكده محامي المهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الاذاعة والتلفزيون من أن موكله لا يمتلك في حسابه بالبنك سوي 100 ألف جنيه ويمتلك وزوجته وأولاده 3 شقق من اسكان فوق المتوسط تم شراؤها جميعا قبل عودته الي اتحاد الاذاعة والتلفزيون رئيسا لقطاع النيل للقنوات المتخصصة مما حققه من عمله رئيسا لمجلس ادارة شركة ميسك التابعة لراديو وتلفزيون العرب وقنوات دريم ثم تلفزيون الرأي . وكان رد النيابة علي المحامي - وهو بالمناسبة من الشؤون القانونية باتحاد الاذاعة والتلفزيون - هو أن قرار منع التصرف هو اجراء احترازي وليس عقوبة . واذا كان التوصيف القانوني للقرار بأنه احترازي فان مجرد الاعلان عنه بالطريقة التي يجري بها الاعلان عبر مختلف وسائل الاعلام هذه الأيام يجعل منه عقوبة مشددة واذا كان مثل هذا القرار احترازيا بالنسبة الي هؤلاء الذين يملكون المليارات أمثال أحمد عز وأحمد المغربي وزهير جرانه ورشيد محمد رشيد وكبار رجال الأعمال فكيف لا يكون عقوبة لمن يملك في حسابه أقل من ربع مليون جنيه . وكيف تنفق أسرته ومن أين لهم بتوكيل محام مثلا . ان التحقيق في الاتهامات الموجهة للمهندس أسامة الشيخ من جانب نيابة الأموال العامة تتعلق بالتربح وتربيح الغير وتسهيل الاستيلاء علي أموال عامة وهي اتهامات تحتاج الي خبراء في الاعلام التلفزيوني لتمحيصها من خلال التعرف علي كيفية نجاح الرجل من خلال خبراته الكبيرة في العمل الخاص في اعادة وضع التلفزيون المصري علي خريطة المشاهدة من جديد في ظل تنافس محموم مع القنوات الفضائية الخاصة في مصر ورغبة مؤكدة من جانب القنوات الفضائية العربية التي تمتلك ميزانيات مفتوحة لسحب البساط تماما من تحت أقدام مختلف قنوات التلفزيون المصري الذي كان قبل انضمام أسامة الشيخ - ومن دون أدني مبالغة - جثة هامدة في حاجة الي من يسارع الي دفنها فاذا به من خلال جهد يفوق طاقة البشر يعيد اليها الحياة . وما كان له أن يفعل ذلك مطلقا بالاعتماد علي لوائح روتينية غير صالحة في الاتحاد المترهل بنحو 47 ألف موظف أكثر من نصفهم تم تعيينهم بالواسطة والمحسوبية وارضاء أعضاء مجلسي الشعب والشوري وكبار القوم من المسؤولين في دوائر الحكم علي مدي أكثر من ثلاثين عاما أو يزيد . وهكذا كان لابد من أجل بث الحياة من جديد الي الجسد المترهل من تطبيق قواعد العمل في القطاع الخاص ببساطة لأن هذا الاتحاد ليس مؤسسة ربحية ولكنه أداة خدمية من أدوات الدولة من المفترض أنها تنفق عليه من ميزانية الدولة وتحصل علي اية ايرادات يحققها وزارة المالية . وهنا تصبح المقارنة واجبة وضرورية تماما بين ما يتقاضاه المبدعون والمذيعون والفنيون في قنوات التلفزيون المصري حاليا وبين ما يتقاضاه نظراؤهم في المحطات الخاصة المصرية ولا نقول العربية أو الدولية لا أن تكون المقارنة بين ما يتقاضاه الناجحون والمتميزون القادمون من الخارج وبين ما يتقاضاه الموظفون طبقا للوائح المرتبات في اتحاد الاذاعة والتلفزيون . ويصبح واجبا كذلك أن نضع في الاعتبار أن ما أصبح اتحاد الاذاعة والتلفزيون مطالبا بدفعه للحصول علي حقوق بث 24 مباراة من مباريات كأس العالم لكرة القدم هو ملايين الدولارات فيما كانت التكلفة لاتزيد عن بضعة آلاف من الدولارات قبل الارتفاع الكبير في أسعار حقوق النقل التلفزيوني لسلعة من المستحيل حرمان الشعب المصري منها سواء في المباريات المحلية التي أصبحت أيضا تباع بالملايين وأن السباق المحموم بين محطات التلفزيون في المنطقة العربية أوصل أسعار المسلسلات الدرامية وخصوصا في شهر رمضان الي أرقام فلكية لارتفاع أجور النجوم أيضا لأرقام أكثر من فلكية . ولعل المشهد المتقاطع مع هذه القصة هو ماجري بالأمس من جانب اللواء طارق المهدي المشرف العام علي اتحاد الاذاعة والتلفزيون المعين - بصفة مؤقتة لشهرين - من قبل المجلس الأعلي للقوات المسلحة بايقاف كل البرامج التي يقدمها متعاونون من الخارج أو منتجون تنفيذيون من الخارج والغاء رواتب المقدمين للبرامج التي كانت تتولي انتاجها والانفاق عليها شركة صوت القاهرة باعتبارها شركة اعلانية وتخيير هؤلاء المقدمين بين العمل برواتب العاملين في التلفزيون أو الاعتذار . وبالفعل توالت الاعتذارات من جانب عدد كبير من هؤلاء وبينهم أسماء مهمة كانت تحقق دخلا اعلانيا متميزا . لكن المفاجأة المدوية كانت اعلان القطاع الاقتصادي باتحاد الاذاعة والتلفزيون عن افلاس خزينته وعدم توافر السيولة اللازمة لتدبير رواتب العاملين الأساسية بالاتحاد . ذلك أن هذه الخزانة كانت تعتمد علي ايرادات الاعلانات التي تقوم شركة صوت القاهرة بتوريدها ونظرا للظروف الحالية والفوضي الجارية فقد توقفت معظم الشركات الاعلانية عن تسديد ما عليها للشركة لعدم قدرة الشركات المعلنة علي الوفاء بما هو مستحق عليها لشركة صوت القاهرة وتوقف الحركة الاقتصادية تقريبا . ما أرجوه وأتمني أن يضعه الجميع في اعتبارهم في الوقت الحالي هو التقاطع بين هذه المشاهد التي ما كان لها أن تحدث لولا حالة الفوضي الهيستيرية القائمة في كل مؤسسات الدولة المصرية بلا استثناء تقريبا وهي فوضي تنذر بضياع اية مكاسب قد تكون تحققت لأن استمرار الفوضي ينذر بعدم التفريق بين الصالح والطالح. حفظ الله مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان .