لكن نظرة مدققة للعدد الاجمالي للعمالة في الوزارة تكشف عن قصور شديد في التوزيع. فالمائة والعشرة آلاف عامل يتضمنون أربعة آلاف مهندس فقط استدعت زيارة الرئيس السيسي لليابان وكوريا الجنوبية والتي تضمنت اهتماما خاصا بالتعليم هناك كثيرا من الشجون لدي، فبحكم عملي لسنوات طويلة كأستاذ جامعي كنت ألمس عن قرب احتياجنا الشديد لتطوير أساليب التعليم المصري، وما يرتبط به من نطاق أوسع لبناء القدرات البشرية المصرية حتي تستطيع قيادة قاطرة التنمية والتقدم في بلدنا. اما الشجون فقد أثيرت لأن النهضة اليابانية بدأت بعد ان استفادت من مشروع محمد علي في مصر حيث استقبل بلدنا مبعوثين يابانيين لنقل التجربة المصرية إليهم في بدايات القرن التاسع عشر. اما كوريا الجنوبية فكلنا يعلم اننا كنا نقف علي خط واحد معها في الستينيات من القرن الماضي، وانطلقت هي وتعثرنا لأسباب كثيرة تحتاج مقالات متعددة. المهم ان الفرصة قد أتت مرة اخري بعد ثورة 30 يونيو ووجود مصر تحت قيادة وطنية تمتلك حب وثقة المصريين، وبالتالي تستطيع القيام بإصلاحات جذرية لتطوير القدرات البشرية المصرية. والحقيقة اننا قد ورثنا في الجهاز الحكومي المصري موارد بشرية كبيرة من حيث التعداد، حيث تقارب السبعة ملايين موظف، وفي نفس الوقت هناك انخفاض واضح في مستوي كفاءة الأعمال، مما يستدعي علي الفور اهمية تجويد مستوي التعليم والاهمية القصوي لعملية بناء القدرات والتدريب في مرحلة العمل. وبالإضافة إلي نقص الكفاءات، هناك اختلال واضح في الدرجات الوظيفية المختلفة وأضرب مثالا علي ذلك من وزارة الموارد المائية والري التي اتشرف بتولي مسئولياتها. إجمالي العمالة لدينا من كافة التخصصات الهندسية والإدارية والفنية تقارب المائة والخمسة آلاف. وهو عدد كاف تماما للقيام بمسئوليات وزارة كبيرة مثل وزارة الموارد المائية التي تتولي مسئولية ادارة وتوزيع الموارد المائية المصرية والقيام بصيانة شبكة واسعة من المجاري المائية، فضلا عن الملف الخارجي المرتبط بدول حوض النيل للحفاط علي الموارد المائية الآتية من خارج الحدود. لكن نظرة مدققة للعدد الاجمالي للعمالة في الوزارة تكشف عن قصور شديد في التوزيع. فالمائة والعشرة آلاف عامل يتضمنون أربعة آلاف مهندس فقط، بالرغم من ان العمل الفني والهندسي هو أساس نشاط الوزارة. فضلا عن وجود أعداد كبيرة من التخصصات الادارية بينما نعاني عجزا شديدا في تخصصات أخري مثل وظيفة البحاري التي كادت ان تختفي، او السائقين بصفة عامة وسائقي المعدات الثقيلة بصفة خاصة. وزد علي ذلك ان كل الاعداد التي تم تثبيتها بعد يناير 2011 والتي قامت بتسوية مؤهلاتها، فضلت ان تتحول بعد التثبيت من عمالة فنية او حرفية إلي اعمال ادارية وإشرافية. ويوجد بالوزارة مركز اقليمي للتدريب ورفع القدرات البشرية ويتبعه ستة فروع في كفر الشيخ والزقازيق والفيوم والمنيا وإسنا ودمنهور. وهذا المركز تم وضعه تحت مظلة اليونسكو منذ شهور ليتمتع بوضع اقليمي ودولي يمكنه من لعب دورهام في تطوير القدرات البشرية للعاملين بالوزارة وأيضا للدول الشقيقة والصديقة. ففي عام 2004 تم استضافة مشروع التدريب التطبيقي لدول حوض النيل والمنبثق من مبادرة حوض النيل، كما تم توقيع اتفاقية تعاون بين المركز ومنظمة التعاون الدولي اليابانية (JICA) لتدريب كوادر افريقية في مجال الري والصرف علي مستوي الحقل، وكذلك تدريب كوادر من العراق واليمن في مجال المياه الجوفية والبيئة. ويهتم المركز بدراسة وتحديد الاحتياجات التدريبية للعاملين بالوزارة وفق أسس فعالة والتأكد من ارتباط الاحتياجات التدريبية بأهداف وسياسات الوزارة، وإعداد الخطة التدريبية السنوية للبرامج القومية، وتطويرالبرامج التدريبية بما يتوافق مع متطلبات المسارات الوظيفية وكذلك مع التقنيات الحديثة في مختلف المجالات. والأهم من ذلك قياس أثر التدريب بصورة متكاملة علي تفعيل الموارد البشرية من حيث ارتفاع مستويات الأداء الفردي والمؤسسي من أجل تصحيح المسارات وإدخال التعديلات اللازمة لتحسين جودة العملية التدريبية من حيث الفعالية والكفاءة. وضع سياسة تسويقية للترويج للإمكانيات المختلفة لقطاع التدريب وتتمثل في الفنادق وقاعات المحاضرات وقاعة المؤتمرات ومعامل الكمبيوتر. كما يقوم المركز بتنظيم عدد من الدورات التدريبية لمتدربين من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكذلك دول حوض النيل في مجال إدارة الموارد المائية. وقد تضمنت قائمة المتدربين خلال العامين الماضيين 208 متدربا من دول حوض النيل و120 متدربا من الوطن العربي. يحصل المتدربون علي دورات تخصصية في مجالات متنوعة تساعد في رفع كفائتهم في ادارة الموارد المائية. ثروة مصر التي لم تكتشف بالكامل حتي الآن هي ثروتها البشرية. حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.