لا نهضة للنظام الإداري إلا عبر تنقيته من الكوابيس التي تكتم أنفاسه تلك خطوة كان يجب ان تسبق قانون الخدمة المدنية لا يمكن الإجهاز علي جهاز الشرطة او دوره الوطني لمجرد اخطاء صادرة عن بعض اطرافه، وكان أكثرهم من امناء الشرطة الذين نقدر لهم دورهم الوطني اجمالاً، ولكننا نعيب علي الظروف التي صاحبت ضعف تواجد الدولة استغلتها بعض القطاعات لممارسة الابتزاز الفئوي. ذلك ما حدث مع امناء الشرطة الذين شكلوا روابط وقادوا تمردات حاصرت كبار مسئولي الداخلية وفرضت عليهم اصدار قرارات بالاعفاء من المحاكمات العسكرية لامناء الشرطة مع زيادة الرواتب والمخصصات بشكل يتجاوز كثيراً حجم العمل الذي يقدمونه، فأصبح لدينا وضع شاذ يتمثل في ان الرجال المنوط بهم تطبيق القانون يمارسون التمرد علي سلطة القانون وكان أكثرها غرابة هو إلغاء المحاكمات العسكرية لامناء الشرطة.. وذلك ايضاً شذوذ آخر بأن أمين الشرطة يحمل سلاحاً وهو مصرح له باطلاق النار في الحالات التي رسمها القانون، لذلك فإن المحاكمة العسكرية العاجلة واجبة مادمت قد وضعت في يده سلاحاً. لكن نجاح امناء الشرطة في الغاء هذه القاعدة قد اسيء فهمه من بعض الاطراف اعتقدوا ان لهم كل الحقوق وليس عليهم واجبات فعادوا سيرتهم الاولي، كأنما طول مكافحتهم للبلطجية قد اصابهم بالعدوي، ذلك ما يفسر البلطجة التي مارسها البعض منهم علي الاطباء، والبلطجة التي مارسها احدهم علي سائق سيارة نقل فقتله بمسدس الدولة. لكننا حتي لا نقع في خطأ التعميم وحتي لا ننزلق إلي مقام التحريض غير المسئول علي رجال يسقط منهم الشهداء كل يوم فإننا يجب ان ننظر الي الاسباب الكامنة وراء هذه التصرفات الفردية ولا يصح ان نبني عليها احكاماً عامة وما يحدث من استهتار من بعض افراد الشرطة سوف نجد له مثيلاً في بقية القطاعات، لأن التحولات السياسية التي حدثت في مصر لم يصاحبها وعي ثوري والقاعدة السياسية تقول ان من لا يملك الوعي سوف يسيء في ممارسة الحرية، حاله مثل حال شاب يأخذ مصروفاً كبيراً دون ان يتلقي تربية او توجيها من والديه.. فماذا نتوقع منه؟! وطننا تكتنفه مخاطر جسيمة تتعلق بأوضاع أمنية واقتصادية وتتعلق بإمدادات المياه التي فيها عصب حياتنا، وإعلامنا مشغول بسفاسف الأمور كأنما مصر نضبت من المفكرين.. وأصحاب الرأي، فلم نعد نجد في الاعلام صوتا موضوعياً، ولا قامة فكرية وانما امسك المذيعون بالميكروفونات واصبح كل واحد فيهم مفكراً وفيلسوفاً ومرشداً للجماعة وثائراً ليبرالياً حسب الظروف. ولن احدثك عن الكتابات الصحفية واعلام مثل فرح العمدة، الاكثرية تطخ والاغلبية تجعر فيه ولا يستطيع ان يؤسس وعيا ولا ان يقود تياراً فكرياً راقياً، والفكر هو اساس النهضة والفكر هو المصباح لكل تحول ثوري، والهزال الفكري سوف يتيح آثارا مدمرة لعلنا نشهد بعض صخبها هذه الايام متمثلة في خروج بعض الطوائف عن النص، فالأمر ليس امناء الشرطة ولا امر نائب في البرلمان يتحدث ويفاوض باسم مصر دون تفويض وبلا مناسبة ولا أمر مخترع لجهاز يعالج الايدز، وانما الامر هزال فكري ومن قضية الفكر من هنا نبدأ. كمائن الشرطة والمواطنين أرفض تماما تبريرات بعض قيادات الشرطة وقوع تجاوزات من بعض افرادها التي قد تصل إلي القتل أو ارتكاب الجرائم، وضرورة التغافل عنها لأن الشرطة تقدم المئات من الشهداء من ابنائها الضباط والجنود وآلاف المصابين منهم اصابات خطيرة تعجزهم عن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي! هؤلاء الشهداء وآلاف المصابين قدموا ارواحهم وحياتهم ودماءهم الذكية الطاهرة في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار لهذا الوطن وابنائه في مواجهة ارهاب اسود يريد اسقاط الدولة المصرية ويشعلونها حربا دامية تقضي علي الاخضر واليابس والزرع والضرع.. وشتان الفارق بين الشهداء والمصابين والقتلة المجرمين، وكيف نبرر جرائم المتجاوزين في حق الشعب ونساويها بمن ضحوا بحياتهم في سبيل حماية الوطن والشعب. اخطاء رجال الشرطة مهما صغرت فإن صداها كبير، لأن هذا الجهاز وظيفته حماية الشعب والحفاظ علي امنه فكيف يكون مصدرا لتهديد أمن الشعب، حتي لو تعرض لأقصي الضغوط فإن مسئوليته تفوق كل هذه الضغوط وتفرض عليه ضبط النفس مهما كان من أفعال الطرف الآخر، إلا في حالة تعرضه لتهديد أمنه أو حياته بالسلاح. هناك فارق كبير بين الاستفزاز الذي يتعرض له رجل الشرطة وبين استفزار رجل الشرطة للمواطن حتي ولو كان مخطئا او مجرما هناك فارق كبير عندما نتذكر واقعة ∩سيدة المطار∪ التي تعدت علي ضابط الشرطة ومدي التجاوز والاستفزاز والتهديد الذي تعرض له الضابط والذي وصل إلي التعدي بالقول واللفظ واليد، ومع ذلك كان الضابط في قمة الانضباط والتحكم في تصرفاته واتخذ الاجراءات القانونية وتم القبض عليها ومحاكمتها امام القضاء الذي حكم عليها بالسجن.. الملايين شاهدوا الفيديو واثنوا علي شجاعة الضابط واخلاقه وأدائه المنضبط! استفزازات بعض رجال الشرطة تؤدي في الغالب الي كوارث تكون مادة تشغل الرأي لعام وتحشد الغاضبين ضد الشرطة بحق أو بدون حق، وهو ماحدث مع الفنانة ميرهان حسين وانا لاأعرفها ولم أر لها عملا فنيا، لكن قيل انها تحمل خمرا.. فما هي المشكلة؟.. هناك محلات تبيع الخمر ومعها ترخيص زادت فترته الزمنية خلال حكم جماعة الاخوان.. المشكلة لو أن الشابة كانت تقود سيارتها وهي في حالة سكر.. لكن الأمر تطور إلي الضرب من الطرفين واتهامات بالتحرش وهتك العرض.. لو أن الشابة اخطأت كان المفروض هو اتخاذ الاجراءات القانونية ضدها واحالتها للنيابة والقضاء الذي يحكم ما إذا كانت مدانة أم غير ذلك. مثلان: ∩سيدة المطار والممثلة الشابة∪ واقعتان اختلفتا في طريقة التعامل!! استفزازات كمائن الشرطة.. ضباط يجلسون علي المقاعد ويضعون ساقا فوق ساق أو يضعون ساقهم علي مقعد أو منضدة ويحملون التليفون المحمول للتسالي والفرجة وآخرون مشغولون بمكالمات تتخللها ضحكات واصوات تعلو وتخفت من شخط ونطر لافراد الكمين ولقائدي السيارات التي سحبت منهم رخص القيادة والسيارة يقفون حتي يتعطف عليهم الباشا لكي يوقع لهم علي ايصال سحب الرخص أو تسديد الغرامة، الطريق متوقف بسبب انتظار السيارات وتوقفها، وبين لخطة واخري يوقع الباشا الضابط ايصالا، ثم يجري اتصالا يتبادل فيه الضحات والابتسامات وعرض الخدمات علي الطرف الآخر مرددا اوامرك يا باشا المرور كله تحت امرك.. تحت امر سعادتك تؤمر سيادتك.. اتفضل يا فندم.. اتفضل يا فندم!! فجأة ينتبه الباشا الي الواقفين امام سيادته − بعد طول انتظار − ايوه استني شوية الدنيا ما طرتش.. ثم يصمت تماما ولا يرد علي اي اسئلة او استفسارات للواقفين امامه الذين يكتمون غيظهم وبمجرد تسلم الايصال يولون الادبار تنطلق اللعنات من صدورهم وقلوبهم علي ألسنتهم علي الشرطة والبلد!! ناهيك عن اقسام الشرطة فأغلب المواطنين لا يتمنون دخولها واذا اضطروا فانهم يتلون آيات القرآن الكريم والمعوذتين قبل الدخول علي امل ان يقضوا مصلحتهم دون اي مشاكل ولا يعودون مرة اخري لان غالبا ما يكون هناك تشريفة او جنازة او خدمة او قضية مهمة، فلينتظر الجميع حتي يحضر الباشا لكي يتم تقديم البلاغ او الاستغاثة او تحرير محضر سرقة شقة او خطف شنطة او مشاجرة او حادث سيارة او سرقة سيارة فتكون النصيحة.. تفاهم مع السارق وخلص! من لا يستطيع تحمل هذا العمل فعليه ان يتنحي ويتركه لغيره، فقد بذل جهودا ضخمة لكي ينال شرف العمل في جهاز الشرطة المصرية التي اغلبها ابناء مخلصون شرفاء يتفانون في اداء عملهم بكل أمانة واخلاص ولا يعتبرون ان صعوبة وظيفتهم تعطيهم ميزة او تميز علي باقي ابناء الشعب المصري او استثناء من القانون فيتعالون علي المواطنين ويخرقون القانون وهم حماة القانون، فالتغني باعمال الشرطة لا ينبغي ان يخرج عن اطاره الطبيعي فكل ابناء الوطن الشرفاء يعملون ويجتهدون ومصر غنية بابنائها وعلو فكرهم وبسواعدهم ستتقدم الي الامام بإذن الله. شرط اختيار القيادات آفة قانون الخدمة المدنية التي أدت إلي مصرعه في مجلس النواب أنه قانون يتعالي علي الواقع، وان واضع هذا القانون لم يكن يمتلك الحصافة او الخبرة السياسية التي تمكنه من تمرير مشروعه، فلا خلاف علي ان الجهاز الإداري في مصر قد نخره السوس وأصابه الوهن فأصبح عبئاً علي كاهل الدولة بقيد حركته كثير من اللوائح وتقطع انفاسه، فضلاً عن تعدد الجهات الرقابية التي تتقاطع مع ارادة مديري المصالح فتتعامل معهم علي أنهم اما لصوصا او متلاعبين بالادارة. ذلك ما يغل يد اي مدير مصلحة او هيئة او وزارة وذلك ما يقيد تصرفات اي موظف ولا يتصور قيام انطلاقة حقيقية للجهاز الإداري للدولة الا عبر خطوتين اساسيتين: الاولي: هي اعادة هيكلة قيادات ورؤساء المصالح والهيئات الحكومية بناءاً علي تقارير متابعة الاداء والقدرة علي اتخاذ القرار، وفي ذلك فإن تقارير متابعة الاداء الفعلي ومستوي ومعدل الانجاز ومدي رضا المواطن عن الخدمة سوف تلعب دوراً اساسياً في تحديد قيادات العمل الإداري في مصر. ثانياً: اعطاء صلاحيات مرنة لرؤساء الإدارات الحكومية بشكل يستطيعون فيه التعامل السريع مع واقع متغير وعدم تعقيد احوال الناس. وسأضرب مثلا علي غباوة النظام الإداري في مصر.. فأي موظف في الجهاز الإداري المصري∪ يخرج للمعاش تشترط عليه هيئة التأمين والمعاشات ان يحضر خطاباً من البنك بان له حساباً بنكياً وان البنك لا يمانع في تحويل معاش الموظف إليه، فكأن هيئة التأمين والمعاشات تفترض ان الموظف الخارج الي المعاش سوف يكذب عليها فيعطيها رقم الحساب البنكي دون ان يكون له حساب بنكي حتي يضيع علي نفسه مستحقاته، وتلك غباوة مفارقة لكل ما هو معقول. الامر الثاني: ان هيئة التأمينات الاجتماعية تتصور ان اي بنك قد يمانع في اضافة المستحقات لحساب العميل وتلك غباوة لا سوابق لها، وهذا يتم علي مستوي 7 ملايين موظف في مصر يتقاضي البنك مائة جنيه لاعطائه هذا الخطاب. ففي اي عقل وفي اي بلد يمكن استيعاب هذا الركام من الغباء الذي يملأ نفس المواطن حقداً علي اجهزة الدولة التي تستبد به استبداد العثمانيين ابان احتلالهم للامصار، والعائد من كل هذا هو المزيد من الارباح تحققها البنوك دون خدمة تذكر، ومزيد من الحقد المتولد في نفس الموظف، ولو كان هناك مسئول رشيد في وزارة التضامن لأدرك ان كل هذه المطالب هي وليدة عقل متحجر ولو ان ابليس اللعين فكر في مكيدة يولد بها الكراهية بين الموظف وبين اجهزة الدولة فأنه لن يجد احقر من هذا فلو أن الجهاز الإداري امتلك آلية ليطهر نفسه لتم فصل من وضع هذه القوانين في وزارة التأمينات، فصلاً مباشراً لأنه لا يصلح ان يكون قيادة. اذن فلا نهضة للنظام الإداري الا عبر تنقيته من كوابيس الطين التي تكتم علي انفاسه. تلك خطوة كان يجب ان تسبق قانون الخدمة المدنية، لكن القانون قد اعطي صلاحيات اوسع لرؤساء العمل دون ان ينجز الغربلة الواجبة، فأصبح تقييم الموظف وتقدير جهده يعتمد علي رأي رئيسه، وذلك حق وكفيل ايضاً بإحداث تغيير محسوس في اداء الجهاز الإداري شرط ان يكون هذا الرئيس كفئا وموضوعياً. اما ان كان الامر غير ذلك فإن القانون رغم جودته النظرية سوف يؤدي إلي زيادة قيم النفاق والوصولية، إذن فواضع هذا القانون كان عليه ان يضع هيكلة النظام الإداري ومعايير اختيار قادة هذا النظام قبل أن يضع في أيديهم صلاحيات واسعة! وفي الدول المتقدمة يمتلك مدير العمل صلاحيات تصل الي حد الإيقاف عن العمل والفصل منه ولكن هؤلاء المديرين قد روعي فيهم الاحساس بالواجب والمسئولية والانتماء الحقيقي للعمل.. اما في بلادنا فالشأن غير ذلك فبعد ثلاثين سنة من الفساد جعلت الوصولية في النفاق في المقدمة وجعلت عضوية الحزب الوطني (المنحل) شرطا لاختيار القيادات العليا وجعلت الامن والولاء يسبق علي الكفاءة، فأصبح لدينا قيادات هزيلة مرتعشة.. لا تتورع عن مد يدها واضفاء مزيد من الصلاحيات سوف يؤدي إلي الكوارث الإدارية، فقد ساد داخل الجهاز الإداري شعار ان من لا يعمل لا يخطيء وان من يبتكر ويبدع قد يتعرض للاضطهاد وعلينا ان نعالج هذه العقبات اولاً قبل ان نضع قانوناً يتجاوز الواقع، علينا اذن ان نصلح من وضعنا الإداري وحينها يصبح قانون الخدمة المدنية ضرورة واجبة، فالموظف سوف يأمن لرئيسه ان كان رئيسه موضوعياً، وسوف يجتهد إذا كان جهده سوف يتم تقديره، تلك شروط موضوعية يجب ان نهييء لها الجهاز الإداري قبل ان نضع له قانونا مثل قانون الخدمة المدنية الذي يحتوي علي الكثير من الايجابيات، لكنها للاسف لا تتعاطي مع الواقع الإداري المصري. ثم ان واضع هذا القانون قد ناقض نفسه فحينما اعطي للرئيس المباشر سلطة التقدير مفترضاً انه سيكون موضوعياً فينصف المجتهد ويعاقب المهمل فإنه عاد مرة أخري لكي يتعامل مع الموظف بازدراء وعدوانية فرغم الحسنة التي ألزم فيها الموظف بالقيام بإجازته السنوية وجعل موعد القيام بها لا يكون الا بناء علي احتياج فعلي للعمل وهذا سوف يحرر الدولة من كثير من الاعباء المالية الا أنه عاد لكي يتعامل مع الموظف الذي يحتاجه العمل ولا يعطيه اجازته السنوية ففرض عليه ان يذهب الي المحكمة في نهاية خدمته لكي يحصل علي المقابل المادي لهذه الاجازات فيكون بذلك قد اقر للموظف أنه سوف يتنازل عن اجازته السنوية بناء علي احتياج فعلي لجهده، ثم افترض فيه الكذب وارغمه ان يذهب الي القضاء لكي يحصل المحامي علي نصف الاجر المستحق عن هذه الاجازات وذلك عوار وقع فيه واضع القانون حيث تصرف باستعلاء شديد علي الموظف، واضاف اليه خطوة بيروقراطية تلحق الخسارة بالموظف وتملأ جيب المحامي، فأن أراد ان يقلص الاعباء التي تثقل كاهل الجهاز الإداري بوضع اعباء اخري، وعلي ذلك فأني اقترح الاتي. اعادة هيكلة النظام الإداري في مصر ووضع معايير جديدة لاختيار رؤساء العمل، مراجعة قانون الخدمة المدنية وتقليص ما به من عوار، ثم طرحه مرة أخري علي مجلس النواب لاننا لا نستطيع ان نستمر في العمل بالقوانين القديمة التي أكل عليها الزمن وشرب ونحتاج فعلاً الي قانون حديث للخدمة المدنية بشرط الموضوعية والتعاطي مع الواقع.