جامعة بنها: إطلاق مسابقة الحلول الابتكارية بالجامعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    جامعة طيبة التكنولوجية تنظم تدريبا مكثفا على خطة إخلاء الطوارئ    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    إطلاق مسابقة الحلول الابتكارية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بجامعة بنها    بدء تلقى طلبات التصالح الثلاثاء القادم بالمنوفية    بيان مهم من السياحة بشأن استقبال حجاج البر لموسم حج 1445 هجريا - مستند    بدء تسليم وحدات إسكان الشباب في الإسماعيلية 8 مايو.. اعرف التفاصيل    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    الأونروا تكذب نتنياهو بشأن إخلاء مدينة رفح الفلسطينية    الناتو: الغزو الروسي لدولة مجاورة للحلف أمر غير مرجح    حزب الله اللبناني يعلن تدمير دبابة إسرائيلية وقتل وجرح طاقمها    دورتموند يستعيد نجوم الفريق قبل مواجهة سان جيرمان بدوري الأبطال    اتحاد جدة يكشف تفاصيل إصابة سداسي الفريق    الزمالك يكشف آخر تطورات ملف قضية باتشيكو    المصري عمر حجازي بصدد تحقيق رقم قياسي عالمي جديد لتسلق الجبال    "مش خايفين".. شوبير يكشف تدخل هؤلاء لفك قيد الزمالك    الإعدام والمشدد 15 عاما للمتهمين بسرقة سيارات التجمع    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    خرجت لعلاج الأطفال فعادت جثة.. قصة طبيبة الإنسانية التي ابتلعتها ترعة في كفر الشيخ - صور    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    مدحت العدل: هناك نصوص أدبية تسري بين سطورها روح الدراما    زاهي حواس يوضح سبب تجاهل الفراعنة لوجود الأنبياء في مصر.. شاهد    "شهر زي العسل" يدخل تريند "جوجل" ومحامي يطارده ببلاغ للنيابة العامة    روحانيات فرقة الإنشاد فى حفل على مسرح معهد الموسيقى    خالد عبد الغفار يبحث مع وزيرة التعاون الدولي القطرية فرص الاستثمار في المجال الصحي    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    تفاصيل زيارة وفد منظمة الصحة العالمية لمديرية الصحة في أسيوط    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    أمير الكويت يصل مطار القاهرة للقاء السيسي    رئيس وزراء بيلاروسيا: مستعدون لتعزيز التعاون الصناعي مع مصر    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    رجب أبو سرية يكتب //انتصار نتنياهو يعني التهجير فقط    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة دون إصابات في فيصل    "عايز تتشهر ويجيبوا سيرتك؟".. متحدث الزمالك يدافع عن شيكابالا بهذه الطريقة    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    رئيس اقتصادية قناة السويس يناقش مع «اليونيدو» برنامج المناطق الصناعية الصديقة للبيئة    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    مقتل 3 ضباط شرطة في تبادل لإطلاق النار في ولاية نورث كارولينا الأمريكية    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    الإسماعيلي: نخشى من تعيين محمد عادل حكمًا لمباراة الأهلي    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
حوار في السماء .. غالي وهيكل
نشر في الأخبار يوم 21 - 02 - 2016

وكان ذلك مؤشرًا بأن التعليم المصري كان لايزال حتي عام 1971 محل احترام دولي، أما اليوم فإن تراجعه أمر لا يخفي علي أحد
في مارس 1964 رحل الكاتب والمفكر الكبير «عباس محمود العقاد» وكتبت يومها حوارًا بعنوان «لقاء في السماء» يناجي فيه «العقاد» ربه يعتذر عن خطاياه في الدنيا طالبًا الغفران ومتشفعًا بكتبه العبقريات، ولم أكن قد بلغت العشرين من العمر فتراجعت عن نشرها وطويت النفس علي الصمت بشأنها، وها أنا اليوم أهتز لرحيل اثنين من عمالقة «مصر» في وقت واحد هما د.»بطرس بطرس غالي» وأ.»محمد حسنين هيكل» وبينهما قواسم مشتركة كثيرة، فقد كانت رحلة عمر كل منهما موازية للآخر طولًا وعرضًا، كما أن «مؤسسة الأهرام» قد جمعتهما علي امتداد السنوات الستين الماضية، ورغم اختلاف المواقع وتباين المواقف وتعارض التوجهات إلا أن التشابه الشكلي لا يتراجع أمام التفاوت الموضوعي، ولأنني كنت قريبًا من الرجلين وعاصرت مع كل منهما أحداثًا مهمة ومواقف متعددة فرأيت تخيل حوار بينهما في السماء لأنهما من دفعة واحدة في الرحيل كما كانا ابني دفعتين متتاليتين في الميلاد فالمساحة المشتركة بينهما تدعو إلي التأمل وتغري بالحوار، وإذ يتركان الدنيا ببريقها الزائل ويذهبان في طريق بلا عودة فإن الأمر هنا يبدو مثيرًا للغاية، دعنا نتابع الحوار في السماء بين «بطرس بطرس غالي» و»محمد حسنين هيكل» ودعنا نجردهما من ألقاب الدنيا وينادي كل منهما الآخر باسم عائلته لا بألقابه عند الرحيل:
هيكل: ها قد التقينا بعد أن اختلفت بنا المشارب وتباينت الظروف فلقد كان دعمك لسياسات «كامب ديفيد» أمرًا مقلقًا بالنسبة لي.
غالي: إن المهم هو أن تنجز شيئًا وليس المهم أبدًا التمسك بالقوالب الجامدة والشعارات الثابتة.
هيكل: لا تنس أن بيننا مساحة كبيرة من الود المشترك، فعندما كنت أنا رئيسًا لتحرير «الأهرام» ومجلس إدارته أطلقت يدك في إصدار مجلتي «الأهرام الاقتصادي» و»السياسة الدولية»، وحافظت لك علي وجود آمن في «العصر الناصري» رغم أن الود كان مفقودًا بينكما بحكم تطور الحياة المصرية.
غالي: أو قد سمعت عن ملاحظة واحدة ضدي في عصر زعيمك وصديقك «عبد الناصر»؟! لقد حافظت علي التوازن الصعب وانخرطت في «المجال الأكاديمي» ولم أكن مثل بعض رواد «نادي الجزيرة» من أصحاب المصالح القديمة الذين يثرثرون في «حديقة النادي» وتصل أصداء أحاديثهم إلي سمع «الزعيم»، لقد عكفت علي التدريس في «جامعة القاهرة» مع حرية متاحة في السفر إلي الخارج دون حواجز أو موانع، وكانت «باريس» هي الملاذ إذا ضاق صدري وزادت مخاوفي، لقد علمت ذات يوم أن صديقًا لي في سنوات الشباب قد جري تأميم ممتلكاته وترصد وترقب وصوله من «السودان» حيث كان يعمل في مجال استصلاح الأراضي وهو «محمد ابن المغازي باشا» فاتصلت به تليفونيًا وقلت له إنك مريض! فقال لي إنني لست مريضًا، فرددت عليه قائلًا: بل أنت مريض وتحتاج إلي راحة في «السودان» لعدة شهور ففهم الرسالة في النهاية ولم يعد إلي «مصر» وقتها، لقد كنت أتعامل مع النظام الناصري بحذر ونعومة شديدين.
هيكل: ولماذا لا تقول إنك كنت تتعامل بمركب الخوف وعقدة القلق وليس من منطلق وطني إيجابي، فأنت ابن طبقة وتنتمي إلي أسرة لها تاريخ سياسي معروف، حتي عندما جري اختيارك أمينًا عامًا ل»الأمم المتحدة» ذكرت محطة «الإذاعة البريطانية» أن «بطرس غالي» قد انتخب أمينًا عامًا ل»الأمم المتحدة» وهو إفريقي وليس أسود، وهو عربي وليس مسلمًا، وهو مصري وليس فقيرًا، إنك لا تنكر أن اسم «مصر» كان هو الذي يدعمك، وأنا شخصيًا رغم اختلافنا في المشارب والاتجاهات إلا أنني كنت داعمًا لك من منطلق الوطنية المصرية.
غالي: إن الذي يراجع تاريخي من بدايته ومواقفي كلها يدرك أن غايتي الوحيدة كانت دائمًا هي «مصر» ومصالحها العليا وعلاقاتها بالدول الأخري خصوصًا الإفريقية والأوروبية، ثم دعني أسألك يا «هيكل» وأنت الناصري دمًا ولحمًا، ألست أنت مهندس «حركة التصحيح» التي أطاح فيها «السادات» بالناصريين واليساريين؟ أنا أعلم أنك لم تكن علي وفاق مع معظمهم، ولا أظن أنك كنت تصفي حسابات معينة ولكنك راهنت علي «السادات» في البداية ثم تنتقدني لأنني كنت داعمًا لرؤيته منفذًا لسياسته، دعنا نعترف أننا - أنت وأنا - كنا كشريطي «السكة الحديد» فالقضيبان لا يلتقيان أبدًا!
هيكل: إنني في دهشة من مشاهد كثيرة رأيتها علي مر السنين في هذا البلد العريق، فالناس لا تقول الحقيقة بينما أنا أحب الحديث بالوثائق والكتابة «بصراحة» وإلا يصبح قولنا مملًا يفتقد شرف الكلمة ونزاهة القصد، وكأن كل صحيح فيما يقولون ليس جديدًا وكل جديد فيما يقولون أيضًا ليس صحيحًا!
غالي: لقد اتخذت مواقف قومية عندما كنت أمينًا عامًا ل»الأمم المتحدة» فأنا الذي نشرت تقرير «مذبحة قانا» وكأنما كنت أصب الزيت علي النار في علاقتي مع الإدارة الأمريكية وقتها و»مادلين أولبرايت» تحديدًا، ولقد قيل لي وأنا أدخل في سكرات الموت أنها تزور «القاهرة» وكأنما تريد أن تشهد لحظات عمري الأخيرة.. يا إلهي.
هيكل: إذا كانت علاقتك ب»واشنطن» غير ودية فإن علاقتي بها لا تختلف كثيرًا عن ذلك، فالآخر دائمًا ينظر بقلق لمن يعرف أكثر ومن يفهم أعمق، إن ذلك هو قدرنا في النهاية ولكن لا تنس أنك رجل «الألقاب» و»النياشين» كما أنك حاصل علي «قلادة النيل» لذلك شيعك أهل الأرض بجنازة عسكرية حضرها رئيس البلاد، أما أنا فقد رفضت طوال حياتي كل أنواع التكريم والجوائز و»النياشين»، بل إن الناس لا يذكرون - ولا أذكر أنا أيضًا - أنني كنت وزيرًا ذات يوم قبيل رحيل «عبد الناصر»، لقد قبلت المنصب يومها بضغط منه وإصرار نتيجة ظروف المرحلة وأحداث «حرب الاستنزاف» الباسلة، ولا تنس أنني أنا الذي كتبت صيغة أمر القتال للعمليات العسكرية في «حرب العبور» الظافرة عام 1973، وإذا كانت كيمياء العلاقة بيني وبين «عبد الناصر» قد اتصفت بالتفاعل المتوازن فإن علاقتي ب»السادات» قد اتصفت بالهواجس المتبادلة، أما كيمياء العلاقة بيني وبين «مبارك» فلم توجد أصلًا لأننا كنا نتعامل بترددات مختلفة وليس علي قناة واحدة، فنحن مختلفان في النشأة وأسلوب الحياة وطريقة التفكير والمستوي الثقافي.
غالي: إنني أحسدك علي الذاكرة التي لا أعرف لها نظيرًا، فقد كنت تزحف نحو الثالثة والتسعين وأنت في كامل لياقتك الذهنية وقدراتك التحليلية، إنك يا «هيكل» ظاهرة تستحق الإشادة، فالناس يختلفون معك ولكن لا يختلفون عليك!
هيكل: إن صهري د.»نبيل العربي» كان دائمًا قريبًا إلي قلبك وكان همزة تواصل إيجابي بيننا عبر السنين، وأريد أن أصدقك القول مادمنا قد وصلنا إلي «دار البقاء» بعد أن عبرنا من «دار الفناء» إنني مستريح لنهاية المشوار وشعرت أن الرحلة قد انتهت واستسلمت للموت في رضي ويقين، هل تعلم أنني قد كتبت علي باب مقبرتي عنوان هو «دار العودة»؟ ولكني لا أكتمك سرًا إنني قلق علي وطننا بل وعلي المنطقة التي نعيش فيها، وأري نذرًا خطيرة لتطورات سلبية تحيط بنا وبشعوبنا التي عانت كثيرًا ويبدو أنها لن تستريح قريبًا.
غالي: إنني أشاطرك القلق وأملي أن تظهر أجيال جديدة في «مصر» تستطيع فهم «البوصلة السياسية» الصحيحة وتتحرك علي الطريق السليم، ولن أخاف علي «الكنانة» فهي أرض باركها الله وجاء ذكرها في العهدين «القديم والجديد» وعندكم في «القرآن»، إننا مختلفان دينًا متحدان وطنًا، عملنا ما في استطاعتنا من أجل رفعته وكل بطريقته، ولكن هذا يا «هيكل» هو انصرافنا الأخير لقد جاء الوقت لكي نستريح.. نعم لقد حان أوان الخلود إلي الراحة في «استراحة المحارب»، إن أكثر من ثلاثة وتسعين عامًا نحملها معًا علي أكتافنا تكفي لكي نقول للأرض الطيبة وللشعب العريق وداعًا بلا عودة.
الأطباء
الطب مهنة نبيلة ورسالة سامية يقاس بها رقي الأمم ورفاهية الشعوب، وإذا كان العلاج متاحًا والطب متقدمًا والمريض يجد علاجه ودواءه فإن الأمور توحي في تلك الحالة بأن الوطن بخير، ولقد كانت سمعة الطبيب المصري تطوف الآفاق وأنا أتذكر عندما ذهبت إلي «لندن» دبلوماسيًا ودارسًا أنهم عقدوا لنا امتحانًا للالتحاق بالدراسات العليا يتضمن اختبارًا في «اللغة الإنجليزية» وكان بيننا مجموعة من الأطباء المصريين وقال لهم المسئول عن الالتحاق ب»الجامعات البريطانية»: «إن مستواكم العلمي يماثل مستوي أطبائنا البريطانيين، ولكنكم تحتاجون فقط إلي تقوية لغتكم الإنجليزية، أما الأطباء «الهنود» من زملائكم فإنهم لا يحتاجون دروسًا في «اللغة الإنجليزية» لأنهم يتحدثونها ولكنهم يحتاجون إلي امتحان معادلة لأن مستواهم هو دون مستوي الأطباء «البريطانيين» والمصريين»، وكان ذلك مؤشرًا بأن التعليم المصري كان لايزال حتي عام 1971 محل احترام دولي، أما اليوم فإن تراجعه أمر لا يخفي علي أحد، ولقد أسرفنا علي أنفسنا بتخريج عشرات الآلاف سنويًا من الأطباء وربما لا يكون إعدادهم جيدًا إلا فيما ندر فهبط مستوي المهنة وتراجعت سمعة الطب المصري دوليًا بل وعربيًا خصوصًا وأن لدينا عوارا تاريخيا في مهنة «التمريض» رغم سموها ونبلها وإقبال بنات الطبقات الراقية في الخارج عليها، ولننظر إلي دولة ك»الفلبين» وعشرات الألوف من الممرضات المتمرسات اللاتي يجري تصديرهن إلي دول العالم المتقدم، إن مهنة الطب المصرية التي قدمت الأعلام الشهيرة للمنطقة وللعالم كله من أمثال «علي باشا إبراهيم» و»عبد الوهاب باشا مورو» و»نجيب باشا محفوظ» و»إبراهيم بدران» و»مجدي يعقوب» وغيرهم مطالبة الآن بأن تستعيد دورها وأن تعطي اهتمامًا كبيرًا للتعليم الطبي حتي يخرج من «منطقة الكم» إلي «دائرة الكيف»، فليس المهم كم طبيبًا يتم تخريجهم ولكن الأهم كم طبيبًا ينبغ منهم؟ إنني أظن أن مشكلة «مصر» إنما تتركز في تراجع الخدمات وانعدام القدرة علي تقديم الخدمة العصرية اللائقة بمواطن القرن الحادي والعشرين ويكفي أن يزور المرء أحد مستشفيات الأقاليم أو المراكز في المحافظات أو في أطراف العاصمة ذاتها لكي يدرك كم انهارت الخدمات الصحية وتراجعت لدينا مكانة الطب المصري التي كنا نباهي بها ونفاخر، فلعلنا نعود إلي ذلك من جديد إذ أن مدرسة الطب المصرية هي الأقدم في المنطقة علي الإطلاق وهي واحدة من أهم المدارس الطبية في العالم كله!
المعلمون
إذا كانت الرعاية الصحية مشكلة أساسية في بلادنا فإن العملية التعليمية هي المشكلة الأكبر والأخطر، فالطب والتمريض يرتقيان إذا ارتقت المسيرة التعليمية وأصبحت مواكبة لروح العصر ولكن الذي يحدث في الواقع هو أن التراجع يمثل حلقات مرتبطة، إذ أن تراجع التعليم قد أدي إلي تراجع كافة مناحي الحياة في قطاعي الإنتاج والخدمات، فالتعليم هو بوابة العصر والطريق إلي المستقبل، وواهم من يتصور أننا نستطيع أن نقيم نظامًا تعليميًا متقدمًا في ظل «مدرس» مرهق يلهث وراء رزقه - بل وما يزيد عنه - من خلال «الدروس الخصوصية»، لا نظن أن المرء سوف يحقق نتائج ملموسة علي طريق النهضة التعليمية التي تشير كل الدلائل إلي وجوب الاهتمام بها قبل غيرها إذ لم تعد المدرسة إلا مجرد مبني للتزود بالطلاب وملء استمارات الامتحانات وما أدراك ما الامتحانات! إننا نحتاج إلي هزة عنيفة تعيد الهيبة للمدرسة وللمعلم وتدفع الناس دفعًا نحو احترام التعليم المصري والعودة إلي صفوفه بدلًا من الانصراف عنه إلي غيره من المعاهد الأجنبية والمدارس الاستثمارية، إننا أمام تحد كبير يلزمنا بأن نضع العملية التعليمية وإعداد المعلم في الصدارة مع اعتراف بنقص الامكانات المادية في البلاد في هذه الظروف تحديدًا لذلك فإنني أطالب بابتعاث أعداد كبيرة من المعلمين إلي الخارج لينقلوا التجارب المتقدمة ويلتقطوا أخلاقيات المهنة كما يجب أن تكون، ويمكن أن يتم ذلك من خلال منح تقدمها دول العالم المختلفة للنهوض ب»مصر» الدولة المهمة والكبري في «جنوب البحر المتوسط» وفي مواجهة «أوروبا» خصوصًا وأنها دولة عريقة قامت علي التعليم الجيد ولم تعرف أبدًا ما وصلت إليه من التردي والتراجع في التعليم والصحة مثلما هو الأمر الآن، إن المعلم والطبيب دعامتان للدولة العصرية الحديثة، وقد زارني «السفير البريطاني» في «القاهرة» بمكتبي في «وسط المدينة» بعد أيام من نجاح ثورة 25 يناير يسألني ماذا يمكن أن تقدم بلاده لدعم «مصر»؟ فقلت له: تدريب المعلم وتطوير التعليم وتحديث العملية التربوية هي أهم ما تحتاجه «مصر» في مستقبلها الواعد!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.