اتفق معه كيفما شئت أو اختلف معه أيضا كيفما شئت، ولكنك ستجد نفسك مجبرا أمام شخصية استثنائية، ليس علي المستوي المصري أو حتي العربي بل علي المستوي الدولي والعالمي.. استثناء في تجربته الصحفية الفريدة التي عاشها «كجورنالجي» مارس المهنة، واخلص لها منذ اللحظة الأولي، فاخصلت له، واعطته كل اسرارها ومكنوناتها، ونبأته عن أماكن الابداع والدرر.. انه هيكل وكفي انه الاستاذ وكفي.. انه صحفي القرن. في كل مهنة هناك علامات تبقي وإن ذهبت.. وفي مهنة الصحافة يتمني أي صحفي أن يكون مثل هيكل، انه «البراند نيم» علامة الجودة وعندما يهاجم زميل في المهنة زميلا آخر يقول له «ليه انت فاكر نفسك هيكل؟» لأن هيكل هو الصحفي المتمرس صاحب التجربة الأوسع التي لم تتح لأي صحفي مصري، وربما علي مستوي العالم. اسطورة فذة، استثناء في الابداع، امتد عبر سنوات عمره الطويل، ولكنها كانت سنوات عطاء وشباب حتي قبل أن يلقي ربه، وأنا اتخيل أن هيكل لو اتيح له لن يتردد في اجراء حوار مع الملائكة وهي تجلسه في قبره تسأله عن عمره فيما افناه.. ولو اتيح له لأرسل لنا هذا الحوار. علاقتي بهيكل مثل علاقة كل بني آدم بالشمس والنجوم.. نراها وننبهر بضوئها، وتضيء لنا الطريق، واعترف انني كنت اغار كثيرا من اخي وصديقي الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة دار أخبار اليوم ورئيس تحرير الأخبار وهو في طريقه للقاء هيكل مستمعا ومحاورا، وكنت في كل مرة أريد أن اقول له خذني معك.. اعتبرني المصور، فأنا اتقن التصوير، لعلي احظي بقرب من هذا الشهاب. أنا من تلاميذ العظيم الراحل مصطفي أمين، ورغم العلاقة الشائكة بين هيكل ومصطفي أمين.. إلا ان ذلك لم يؤثر في حبي وتعلقي وتقديري لكل كتاباته ومقالاته.. خذ منها ما شئت واترك منها ما شئت، اختلف معه ولكنه حتما لا تملك إلا التقدير أمام هذا الزخم في العطاء. اتذكر الآن كيف انني كنت مضطرا للتخلف عن الخروج مع اسرتي في مناسبات عديدة، لكي اجلس انتظر الاستاذ وهو يشهد علي العصر، ليقول كلمته بدون حسابات. ذهب هيكل وتلاميذ تلاميذه سوف ينعونه، ولكنه سيبقي واتمني لكل من حمل القلم أن يكون فيه بعض من هيكل. رحم الله الاستاذ، الذي استأذن في الانصراف وتركنا نبكي رحيله.