»عندما تقرأ هذا الكلام عن طبخ الانتخابات سوف تشك في أنه منقول عن »مجلة الايكونومست« البريطانية، وسوف تؤكد أن كاتبه مصري ممن برعوا في هذا الفن!« الاثنين: الانتخابات السياسية يمكن أن تطبخ، وبمقارنة أنواع الطبخ بعضها بالبعض الآخر، يمكن أن تعرف الفرق بين الانتخابات المنظمة تنظيما جيدا، وبين تلك التي لم تجد يدا ماهرة تديرها، ولا يكفي كما قد يعتقد الطباخ العادي تجميع عناصر الكعكة ووضعها في الوعاء، فإن ذلك قد ينتج خليطا لا شكل له، أما الطباخ الماهر، فإنه لا يترك شيئا للظروف! وكذلك فإن الغرض الرئيسي من طبخ الإنتخابات البرلمانية في بلد ديمقراطي، هو إظهار تأييد الشعب للحزب الذي يحكم! وطبخ الإنتخابات هو الفن الذي يظهر هذه النتيجة، ولكن في بعض البلاد المتأخرة سياسيا مثل دول الشرق الأوسط، لم يتقن هذا الفن إتقانا كاملا. حقا.. ان بعض طبخات ممتازة حدثت في هذه الدول، إلا أن روح التحزب وعدم النظام والدقة، هو الذي منع تقدم هذا الفن! وأبسط خطة في عملية الطبخ، هي تحريم قيام أحزاب معارضة، ففي ظل هذا النظام، ستكون أمام الناخب قائمة واحدة بأعضاء الحزب الحاكم، وبعض اسماء أخري متفرقة لا يربطها حزب معين، ولذلك ففي أثناء الحملة الانتخابية، لن يوجد نقد أو مقاومة ضد دعاية الحزب الحاكم، ومن الممكن إغراء الناخب بالذهاب الي صندوق الانتخاب عن طريق إحصاء من يعطون أصواتهم، ووضع جزاءات للذين يتخلفون دون عذر مناسب، إلا أن الناخب يستطيع أن يصوت ضد الحكومة، لأن الانتخاب سري، ولكن هذا النظام يضمن للحكومة أغلبية تزيد علي خمسة وتسعين في المائة من مجموع الأصوات، كما يضمن لها نجاح جميع مرشحيها! والطريقة السابقة طريقة بسيطة، لا تقاس في شيء بالنسبة لفن »طبخ الانتخابات«، أما السماح لأحزاب المعارضة بالترشيح، والقيام بحملات انتخابية، مع ضمان انتصار الحكومة مقدما، فهذه هي الانتخابات التي تحتاج الي فن »الطبخ« الحقيقي، ذلك أنه في هذه الحالة سيكون من حق زعماء المعارضة ان يلقوا الخطب، ومن حق أحزابهم أن تقيم الاجتماعات، وتصدر الصحف، مع ذلك فإن طباخ الانتخابات المدرب، يستطيع أن يصل الي نتيجة فعالة! وأكبر سلاح في يده هو »قوة البوليس« التي تخضع للحزب الحاكم مباشرة، خصوصا ذلك النوع من البوليس الذي يسمي »بوليس الأمن«، فإن مهمته هي توفير الأمن للحكومة، والرعب لكل من عداها، وزعماء المعارضة المشهورون بأسمائهم لا يجب أن يصابوا بأذي، أما المجهود الرئيسي فيجب أن يوجه ضد المئات من المندوبين المجهولين المنبثين في القري والأقاليم، فالخطرون منهم يجب إبعادهم عن الانتخابات بواسطة القبض عليهم، وحجزهم في السجون، أما الباقون، فإنهم بعد معالجتهم بالعصي، سيقضون بقية أيام الحملة الإنتخابية في المستشفيات، وسيكون في قتل القليلين إرهاب كاف لمن تبقي، ذلك أن باقي الأنصار، الأقل شجاعة، سيقتنعون حينئذ بأن التبصر أمر واجب في السياسة، فيخرجون من المعركة! والطباخ الماهر لا ينبغي له أن يهمل جداول الانتخاب، فأصوات الناخبين الذين ماتوا من زمن، يمكن أن تعطي للحكومة بواسطة طائفة من المخلصين، هذا في حين أن الناخبين غير المرغوب فيهم سيجدون من الصعب قيد اسمائهم في جداول الانتخاب برغم توافر الشروط القانونية فيهم. وفي يوم الانتخابات، لا يمكن الثقة بالنصر إعتمادا علي الجداول أو الدعاية الواسعة، ففي التصويت السري يستطيع الكثيرون أن يعطوا أصواتهم ضد الحزب الحاكم، وهنا لا توجد إلا طريقة واحدة، هي التأثير علي نفسية الناخبين بواسطة البوليس، ففي مقدور البوليس أن يبث الرعب في قلوب الناخبين، ويجعلهم يشكون في مدي سرية التصويت، والناخب الذي نعنيه هنا هو الناخب العادي، أي الذي له عمل أو منزل أو أسرة، يخشي عليها. والمواطن الذي تشبع بفكرة أن أي كلمة يقولها في غير حرص، ولو في مجلس خاص، يمكن أن تصل الي علم السلطات، والذي يعلم أن الجواسيس في كل مكان، وأن الحيطان لها أذان، والذي يسمع الناس يتهامسون بالمصير الذي يلقاه هؤلاء الذين تحملهم سيارات البوليس السياسي في جوف الليل، مثل هذا الناخب لن يجرؤ علي ان يقول حرفا، أو يأتي أمرا ضد الحكومة، حتي ولا في التصويت السري! أضف الي ذلك، ان النظام الحالي للتصويت لا يكفل السرية المطلقة، فمن الممكن إعطاء الناخب المشكوك في أمره ورقة إنتخاب تحمل علامة خاصة، لكي يمكن معرفة المرشح الذي منحه صوته، وهذه طريقة معروفة، وخطرة علي هؤلاء الذين يرتكبون سرا جريمة التصويت لصالح المعارضة. فإن فشلت هذه الطرق جميعا، فهناك سلاح أخير، إلا وهو »فرز الأصوات« فعملية الفرز يقوم بها موظفون خاضعون للحزب الحكام الذي عليه في هذه الحالة أن يتأكد من أنه وضع الموظفين المناسبين في الأماكن المناسبة، وبعد ذلك يجب اعلان النتيجة في جرأة وسرعة. وقد تعترض المعارضة علي نتيجة الانتخابات، بل أنها في بعض الحالات، قد ترفع الأمر الي القضاء، وهنا إذا كان القضاء قد خضع لعملية تطهير من جانب الحكومة، فإنه لا يخشي منه شيء، أما اذا لم يكن قد طهر، فإنه قبل أن يصدر أي حكم في الموضوع، سيكون الناس قد نسوا كل ما يتعلق بالانتخابات! ومن الخير دائما ألا تحاول الحكومة كسب المعركة في مرحلة الفرز، بل يستحسن أن تحاول الحكومة كسبها »بأمانة« عن طريق منع الناخبين من إرتكاب جريمة التصويت في صف المعارضة، والوسيلة هي التأثير علي نفسية الرجل العادي، بما يجعله يقتنع بوجوب البعد بنفسه عن المتاعب! أخيرا بقي أن تعرف أيها القاريء العزيز- قصة هذا المقال، فقد نشر في مجلة الايكونومست البريطانية منذ أكثر من عشرين عاما، فقصصته من المجلة في ذاك الوقت واحتفظت به لنشره في يومياتي، وعندما أردت أن أنشره بعدها بأيام، بحثت عنه فلم أجده، ويبدو أنني نسيت المكان الذي وضعته فيه، فظل مفقودا طوال هذه السنين إلي أن عثرت عليه مصادفة منذ أيام وأنا أعيد ترتيب مكتبي، بين صفحات أحد الكتب، فبادرت إلي نشره، وكأن القدر قد تعمد اخفاءه طوال هذه السنين، ليأتي نشره في الوقت المناسب! ولا يسعني إلا أن أقدم الشكر إلي هذا الطباخ الماهر الذي نقل هذا الفن إلي مصر، وطبقه ببراعة في كل الانتخابات، وأقول له أن طبختك الأخيرة كان لها الفضل في التعجيل بقيام الثورة واسقاط النظام، ودخولك السجن! عواجيز النظام! الثلاثاء: عواجيز النظام المنهار الذين ظلوا جاثمين علي قلوب المصريين جميعا اكثر من ثلاثين عاما، حتي أصابهم الصدأ، وأصابنا نحن الإحباط والقرف والغثيان، كلما رأينا وجوههم تطالعنا كل يوم في الصحف والمجلات والفضائيات، أصبحنا لا نحتمل أشكالهم، ولا عباراتهم وتصريحاتهم المتكررة والممجوجة التي تثير في نفوسنا الإشمئزاز، ووعودهم التي يخدعون بها الشعب، ويبثون الأمال الكاذبة في نفوسهم، ويمنونهم بفرص العمل الوهمية التي تعد بمئات الآلاف أو بالملايين، هذه الوعود التي ضاق بها الشعب. هؤلاء العواجيز الممقوتون من الشعب، هم كالحشائش الشيطانية في البراري، لهم صفات كثيرة من هذه الحشائش ومن مميزاتها، لهم وحدانيتها في وسط البرية الموحشة، فلا أحد يريد أن يراهم أو يستمع اليهم، ولا أحد يتعاطف معهم، ولهم الميزة البارزة في تلك الحشائش الطفيلية، ذلك أنهم نبتوا منذ ثلاثين عاما دون الحاجة إليهم، فهم منافقون وانتهازيون ومضللون واستغلاليون، ولا هم لهم إلا التربح وجمع الثروات، والاتجار في الاراضي والفيلات، وكل شيء يجلب لهم ربحا. انهم الآن يشعرون بالعزلة عن الشعب الثائر، يعيشون في قلق، بعضهم فضخ أمره، وانكشفت سرقاته وحساباته وينتظر المحاكمة، والبعض الآخر يعيش في قلق وخوف انتظارا لمصيره الأسود، هذا هو ما يستحقونه من عقاب، فكم اطلقوا التصريحات المطلية بالوطنية الخالصة والمزينة بما يحسبونه خادعا للناس! كم كذب هؤلاء العواجيز علي الشباب ومنوهم بمئات الألوف من الوظائف الخالية التي تكفي لتشغيل جميع العاطلين في نصف الكرة الأرضية، وكم من الشباب صدقوهم، ثم خاب أملهم فانتحر من انتحر وهاجر من هاجر ولقي من لقي مصرعه غرقا! ان هؤلاء العواجيز أقاموا من أنفسهم قساوسة وواعظين، وكأنهم أوصياء علي أمة من الأطفال! والسؤال الآن: كيف جاء هؤلاء العواجيز الي مقاعد الحكم؟ ألم تنبت مصرغيرهم حتي يظلوا ثلاثين عاما دون ان يتغيروا، لمصلحة من يعملون، لمصلحتهم أم لمصلحة سيدهم الذي اختارهم للعمل لحسابه في الفساد والافساد. اسئلة يحار الناس في الجواب عليها، فتظل في افئدتهم غامضة من غير جواب، ويظل هؤلاء العواجيز بعد أن تعروا، وسقط من يحميهم، طفيليات وحيدة قلقه خائنة وسط البرية تنتظر مصيرها.. ينظر افراد الشعب اليهم، كما ينظرون الي الحشائش الشيطانية في الصحراء الجرداء، ويتساءلون: تبارك الله العلي العظيم، لماذا نبتت هذه الحشائش، وما فائدتها، لعلها لحكمة تخفي علي عقول البشر! عاطفة الشباب.. وحكمة الجيش! الاربعاء: إنكشف المستور، وانفضحت أسرار الحزب الوطني، إنفضحت أهدافه، بعد سقوط النظام الذي كان يتستر عليه، ويحيطه بسياج منيع من الحماية، حتي ينهب ويسلب ويجمع الأموال، ان اهدافه لم تكن كما كان أذنابه يدعون، الاصلاح السياسي والاقتصادي، ورفع مستوي معيشة الفقراء ومحدودي الدخل، إنما كانت أهدافه الحقيقية هي السعي وراء المناصب والثروات والمطامع، كانت مصلحة البلاد والفقراء تؤخذ ستارا للتخفي، ضمت رموز الحزب شخصيات غريبة، ماضيها المشين يتحدث عنها، فهذا الكبير الطويل العريض أحد هؤلاء الرموز، لا يدهشك صمته ووقاره فإذا عرفت سره وحقيقته، ستعرف أنه أصغر من الصغار، وأفسد من الفاسدين، وأحط من المنحطين! انه صورة متكررة لرموز هذا الحزب، وما أتعس هؤلاء الذين كانوا يخضعون مصالح الوطن العليا لمصالح ضمائرهم المدنسة، وأفكارهم الآثمة، وأرواحهم التي آخت الشيطان، كنت تسمع في أفواههم ما ليس في قلوبهم، كانوا يحاولون أن يكسبوا تأييد الشعب بالوعود تارة، وبالخداع أخري، وكأن هذا الشعب لعبة في أيديهم يتلهون بها! لقد انكشفت هذه الأساليب الدنيئة، واختفي من كانوا يمارسونها من المسرح، دخلوا الجحور حتي لا يفتك بهم الشعب، بعد أن انفضحت خططهم وعقليتهم المستبدة، التي حاولت علي مدي ثلاثين عاما خداع الشعب، واذلاله! انني أخاطب ثورة الشباب التي تمثل مطالب الشعب المصري بأكمله، تمثل خلقه وكرامته وتقاليده التي آمن بها، ونشأ عليها، وكفلت له أن يدرأ عن نفسه كل شر، ويدفع عنه كل عدوان، أخاطب في هذا الشباب الثائر حساسيته العجيبة وإدراكه السليم للحق والباطل، وقدرته علي التمييز بين المخلص والمنافق، والكريم واللئيم، والشريف والفاسد. إنني أخاطب الشباب بكل إخلاص وحب بعد أن تحقق لهم النصر، أن يحكموا عقولهم، ويتريثوا ويفكروا قبل مطالبة قيادة الجيش بتنفيذ ما بقي لهم من مطالب مشروعة، وإعطائه الفرصة للعمل في صالح الوطن، فإن الغاء قانون الطواريء الآن قد يكون ضد الصالح العام، خاصة وأن هناك حوالي 02 الف سجين طلقاء ومسلحين يهددون أمن المواطنين، ونحن جميعا نعرف ما تعانيه الشرطة من ضعف وأنها ليست في كامل قوتها بعد احراق غالبية الأقسام في مختلف انحاء البلاد، هناك ايضا الوقفات الاحتجاجية للفئات المهنية التي تثير الفوضي في الشوارع. يطالب الشباب ايضا بإلغاء المحاكم العسكرية وهذا يتعارض مع القوانين التي نصت علي انشائها بغرض محاكمة العسكريين أمامها، وكان من الحكمة أن تقتصر مطالبهم علي عدم محاكمة المدنيين أمام هذه المحاكم، لأن في هذا استثناء لا داعي له، مادامت المحاكم المدنية تضطلع بهذه المهمة، كما ان التسرع في تشكيل حكومة جديدة يؤدي الي سوء اختيار رئيسها واعضائها مما يضر بمصلحة البلاد. إن كل ما اريد ان اقوله لشباب الثورة المخلص ان يحتكموا الي العقل في مطالبهم، وألا يندفعوا وراء العاطفة، فإن ثقتنا في جيشنا لا حدود لها، وقياداته أقدر علي تنفيذ مطالبهم بالعقل والحكمة، وبعيدا عن العاطفة، وقد أثبتت ذلك فعلا وبكل إقتدار وجدارة.