بصيص من نور ظهر في نهاية النفق، «يخبو» أحيانا، فتتراجع الآمال في الوصول إلي حوار بين المكونات السياسية في اليمن، تنهي الأزمة التي تعيشها البلاد منذ عام وأكثر، بعد استيلاء جماعة الحوثي علي العاصمة صنعاء، بمساعدة أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، و«يبرق» أحيانا أخري، فنشعر بأننا أمام اللقاء المنتظر بين طرفي النزاع، الشرعية اليمنية المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وبين الطرف الآخر تحالف الشر بين الحوثي وصالح، والذي كان مقررا في جنيف وتم تأجيله أسبوعين، لمزيد من التشاور، كما كشف عن ذلك المبعوث الأممي لليمن اسماعيل ولد الشيخ، أما أن يتم التوافق علي نقلها إلي العاصمة العمانية مسقط، أو عقدها في جنيف، كما كان الحال في مباحثات يونيه الماضي، التي فشلت فشلا ذريعا. الحديث يدور حول إجراءات لتنقية أجواء عدم الثقة بين الطرفين، الشرعية من جهة وتحالف صالح والحوثي من جهة أخري، مع وجود تيار يمني واسع، يتعامل مع جهد الأممالمتحده ورغبتها في إجراء هكذا حوار، وموافقة الحوثي وصالح علي أنها مناورة لكسب الوقت، ومحاولة لشرعنة الانقلاب الحوثي، وإنقاذ ميليشياته، وعرقلة مخرجات الحوار الوطني، وتقويض الدولة وأركانها بقوة السلاح، يضاف إلي ذلك أنه وفقا لرؤية الكثيرين، لا يمكن الدخول في حوار سياسي، في ظل المجازر الإنسانية، التي يتعرض لها أهالي مدينة تعز، منذ ابريل الماضي وزادت في الشهرين الآخرين، كما أن هناك من يتخوف من أن يكون سيناريو التفاوض برعاية الأممالمتحدة، محاولة لترحيلها أزمات اليمن، لأنه في نهاية الأمر لا يقدم ضمانات محددة، بعدم عودة الميليشيات وبقاء تهديداتها لأمن اليمن والمنطقة، بالنظر إلي تحالفها الاستراتيجي مع إيران، خاصة وأن الحوار يعني ببساطة أننا أمام طرفين علي قدم المساواة، بينما حقيقة الأمر أن هناك من يمثل شرعية معترفا بها دوليا وعربيا، وبين ميليشيا عسكرية تفتقد حتي معني أنها مجموعة سياسية، خاصة وأنها تستخدم السلاح في تحقيق أهدافها. ويبدو أن جماعة الحوثي وصالح مازالت في مرحلة المناورة، فهناك عملية خلط للأوراق، ومواقف متناقصة، فهما يعلنان الموافقة علي الحل السياسي، الذي يتضمن كما يفهمه الكثيرون تطبيق القرار الدولي 2216 بشكل كامل، وإنهاء الانقلاب علي الشرعية، وبسط سلطة الدولة علي كامل التراب الوطني، بعد إخلاء المدن، وتسليم الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها مع استئناف العملية السياسية، من حيث توقفت، ولكنهم في نفس الوقت، اتخذوا موقفا مغايرا عندما تمسكوا بالنقاط السبع، وهو ما جاء في الرسالة التي بعث بها الحوثيون إلي الأمين العام للأمم المتحدة، ومعهم حزب المؤتمر، والتي تم التوصل إليها مع المبعوث الدولي، خلال مفاوضات مسقط، وهي مرفوضة من قبل الحكومة الشرعية، فهي التفاف علي القرار الأممي، فمن بين نصوصها بند يتعلق بعودة الحكومة خلال شهرين، وذلك يمثل التزاما شكليا، وذلك لإعلان حكومة وحدة وطنية جديدة يكون الحوثي وصالح جزءا منها، كما أن النص علي استئناف الحوار السياسي لم يشر من قريب أو بعيد، لمصير الرئيس عبد ربه منصور، وهو أمر يبين بوضوح رغبة الحوثي في العودة من جديد لفكرة تشكيل مجلس رئاسي، وهي أحد المطالب التي تم رفضها عقب اجتياح صنعاء في سبتمبر الماضي، والموقف هنا لا يتعلق بشخص الرئيس، ولكن برمز الشرعية، وتفويت الفرصة علي الحوثي، بتحقيق هدف إزاحة الرئيس المنتخب عبر الاقتراع، ومهمة تغييره مرتبط بإرادة شعبية. لا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فهناك سعي من الحوثي وجماعة صالح في التصعيد العسكري، من خلال استمرار حصار مدينة تعز وشبوه، والإعداد لفتح مواجهات علي أكثر من جبهة، وإرسال تعزيزات إلي محافظة مأرب. والأخطر من ذلك تقديم طلب رسمي إلي موسكو للتدخل في اليمن، ومساندتهم ضد التحالف العربي، الذي تقوده السعودية ورفع الحصار عنهم، علي طريقة تدخلهم في سوريا. وجاء ذلك في لقاء جمع بين ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، وعدد من الأحزاب السياسية اليمنية، التي حضرت اللقاء، صحيح أن استجابة الروس مستبعدة لاعتبارات عديدة، منها أن اليمن ليس في أولويات المصالح الروسية، كما هو الحال في سوريا، كما أنها ليست في وارد الدخول في مواجهة مع دول الخليج، والتضحية بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارات الخليجية المتوقعة في المرحلة القادمة. الجلوس علي مائدة التفاوض ضرورة، ولكن علي أسس وأفكار محددة، وكلها تتعلق بآلية تنفيذ القرار الدولي 2216 تنفيذا كاملا وصحيحا، وعودة الشرعية والانسحاب من المدن، وتسليم كل الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من الدولة، مع إمكانية الاستعانة بإشراف دولي وعربي علي عمليات حفظ الأمن والاستقرار، لحين الانتهاء من مهمة إعادة تأهيل وإعادة هيكلة الجيش اليمني وقوات الأمن.