ان حياة الانسان في الدنيا معرضة لان تجتاحها الفتن والابتلاءات، وواجبنا حيالها ان نتمسك بالايمان وعمل الصالحات، لان الله سبحانه وتعالي وعد- ووعده الحق- المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان يستخلفهم في الارض وان يمكن لهم دينهم، وان يبدلهم بعد خوفهم امنا، حيث قال الله جل شأنه: »وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا....«. وحذرنا الاسلام من خداع بعض الذي يظهرون علي الساحة بغير هدي ولا حق ولا صدق ولا امانة ومع هذا يصدقون مايؤتمنون ومن بعض الذين يتفشي امرهم وكيانهم في الحياة وهم علي غير هدي. عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »سيأتي علي الناس سنوات خدّاعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الامين وينطق فيها الرّوَيبضة« قيل: وما الرويبضة؟ قال: »الرجل التافه في امر العامة« رواه ابن ماجه. ويظهر تصديق الكاذب عند بعض المسئولين حين يثقون في بعض بطانة السوء التي تحيط بهم فيكذبون علي رؤسائهم والمسئولين فيهم ومع هذا يصدقهم المسئولون فينخدعون بهم في حين يتحدث بعض الصادقين ولكن لا يسمع لقولهم بل يكذبون في قولهم مع انهم صادقون ولكن بطانة السوء تسول لهم والشيطان سوّل لهم واحلي لهم. ثم يزداد السوء اكثر عندما يتظاهر من لا قيمة له ولا وزن في الحياة وليس له من عناصر الايمان ولا الحق شيء، فيتحدث في امر العامة، وتجري امور العامة بيديه وهو المسمي في الحديث بالرويبضة وعندما سئل عنه الرسول صلي الله عليه وسلم قال: الرجل التافه في امر العامة، وفي هذا كله ما يدل علي تغير الاحوال وانقلاب الاوضاع فلا يري الناس الحق حقا ولا الصدق صدقا فتشب الفتن في الحياة، ومن هنا كان التحذير النبوي من هذه الفتن ومن غيرها. ومن الفتن التي تكثر في اخر الزمان ان يكون اسعد الناس في الدنيا منصبا وثراء ومالا وجاها اللئام من الناس. عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »لا تقوم الساعة حتي يكون اسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع« رواه الترمذي. ومعني »لكع بن لكع« هو اللئيم ابن اللئيم. واهم اجراء في مواجهة الفتن هو اقامة الامانة والا يوسّد الامر الي غير اهله. لقد جاء رجل يسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلا: متي الساعة؟ فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم: اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة، فقال: وكيف اضاعتها؟ قال: اذا وسّد الامر لغير اهله فانتظر الساعة« رواه البخاري. ومن اسباب انتشار الفتن والتذمر والغضب ما يحدث من جراء ظلم بعض المسئولين، ومحاباة البعض وعدم اعطاء الرجل المناسب الوضع المناسب، ففي غياب العدالة تضيع الحقوق، ويكون جزاء من اضاعها بتولية غير الصالحين من الفاسدين ما اخبر به الرسول صلي الله عليه وسلم في قوله »من استعمل رجلا علي عصابة وفيهم من هو ارضي لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين« رواه الحاكم. ان بعض بطانة السوء غالبا ما تقدم لبعض المسئولين رغبات في اعطاء بعض الناس بعض الحظوظ اوالمناصب اشباعا لاهوائهم المشبوهة، ويقدمون بعض الناس علي بعض ظلما وعدوانا علي الحق والعدل ويخفون علي المسئولين الحقائق، ومن هنا حذر الرسول صلي الله عليه وسلم من مثل ذلك اشد التحذير عن يزيد بن ابي سفيان قال: قال لي ابوبكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني الي الشام: يا يزيد ان لك قرابة عسيت ان تؤثرهم بالامارة، وذلك اكثر مما اخاف عليك بعدما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من ولي من امر المسلمين شيئا فأمرّ عليهم احدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتي يدخله جهنم، رواه الحاكم. ومن الفتن التي حذر الاسلام منها، فتنة المال العام الذي يستغله بعض اهل المناصب في اخذ منافع خاصة لهم، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من استعملناه علي عمل فرز قناه رزقا فما اخذ بعد ذلك فهو غلول« رواه ابوداود. وقاد قال الله تعالي: »ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون« سورة آل عمران »161«. وهكذا نري توجيهات الاسلام، في بناء المجتمع الاسلامي تدعو الناس الي البعد عن فتنة الاموال والمناصب وهي اكثر انواع الفتن في الحياة العملية، وبسببها تشقي المجتمعات في حياتها، واكثر ما تكون انواع هذه الفتن بسبب بطانة السوء التي تكون عند بعض كبار المسئولين، فمن اراد الله به منهم خيرا جعل له بطانة خير ان نسي ذكروه وان ذكر اعانوه، وان اراد الله به شرا جعل له بطانة شر، ان نسي لم يذكروه وان ذكر لم يعينوه. ان خيانة المسئول لمجتمعه هي خيانة الله والرسول وقد حذر من ذلك رب العزة سبحانه وتعالي في قوله: »يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون« سورة الانفال »72«. وقد امرنا الله تعالي بان نأخذ حذرنا في اوقات الفتن قال الله سبحانه: »يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم«.