لأننا نعلق علي ما يجري من أحداث في الدول القريبة منّا والبعيدة عنّا، فمن الطبيعي أن تعلق تلك الدول علي الأحداث التي تشهدها مصر في هذه الأيام. تعليق الحكومات وأجهزة إعلامها علي ما يجري في بلد آخر يهدف إلي صالح هذا البلد، يختلف كثيراً عن تعليق آخر لا يستهدف سوي إشعال الفوضي وتخريب البلد والتآمر عليه بحسن نية تصل إلي الجهل، أو بسوء نية لا تخفي علي أحد. تعليقات نسمعها ونرحب بها من دول شقيقة، وصديقة، ومحايدة علي أحداث مصر التي بدأت بانتفاضة نبيلة من شبابها المطالب بالإصلاح في مقابل تعليقات أخري نسمعها ونقرأها لآخرين تقطر سماً، وتتدخل تدخلاً وقحاً سافراً في أدق الشأن المصري الداخلي، وتنضح بما في قلوب أصحابها من عفن إظلامي، وكراهية مزمنة لكل ما تمثله مصر في عيونهم وعقولهم. أبشع مثال لهذه النوعية من التعليقات سمعناه من آية الله خامئني المرشد الأعلي للثورة الإسلامية الإيرانية، في »خطبة الجمعة« التي ألقاها باللغة العربية مخاطباً فيها »أبناء الكنانة«، بصفة خاصة، وشعوب العالم الإسلامي، بصفة عامة. فاجأنا خليفة »خوميني« بخطف ما جري في تونس، و ما يجري في مصر، زاعماً بنص ما قاله أن [الأحداث الحالية في شمال أفريقيا ومصر وباقي مناطق العالم الإسلامي جاءت صدي لصوت الشعب الإيراني]. لم يكتف »خامئني« بهذا الزعم وإنما أضاف قائلاً: [ إن الأحداث الحالية في شمال أفريقيا ومصر و تونس وبعض الدول الأخري لها معني آخر ومعني خاص بالنسبة للشعب الإيراني لأنها جاءت بمناسبة انتصار الثورة الكبري لشعبنا]. ببساطة متناهية، ومحاولة سطو علنية، فاجأنا المرشد الأعلي لإيران والقائد الأكثر علوّا لكل الانتفاضات الشعبية، بتوجيه »إرشاداته« للجيش المصري، وإصدار أوامره لقياداته ب [التركيز علي العدو الصهيوني، لا الشعب المصري]. كأن الجيش المصري ينتظر من المرشد الإيراني أو غيره أن يرشده إلي التركيز علي حماية الوطن والتصدي لأعدائه القريبين من مصر والبعيدين عنها؟! أو كأن أبطالنا في قواتنا المسلحة يحتاجون من يطالبهم بعدم المساس بشعبهم؟! ما أكثر ما يمكن الرد به علي صفاقة خامئني في تدخله المشين في الشأن الداخلي لمصر، وتونس، وباقي الدول العربية، وكل المناطق الإسلامية حسبما قال وحدّد لكنني أظن أن تصريحات وزير خارجيتنا أحمد أبوالغيط كافية للتعبير عن الرأي العام المصري في رفضه وتنديده بمزاعم وأوهام آية الله خامئني. قال »أبو الغيط« إن حديث مرشد الثورة الإيرانية عن التطورات الداخلية في مصر يكشف عن مكنون ما يعتمل في صدر النظام الإيراني من أحقاد تجاه مصر ومواقفها السياسية. وزير الخارجية المصري لم يفاجأ بما تضمنه حديث خامئني من سعي إلي »إقامة شرق أوسط إسلامي بقيادة إيران« بل علي العكس فقد كشف خامئني نفسه بنفسه، عندما كشف عما تخطط له الثورة الإيرانية بالأمس واليوم وغداً. ولعل هذا المخطط الخطير يحث حسني النية المخدوعين في الثورة الإيرانية علي إعادة تقييمهم لمواقفها ومخططاتها خاصة ما كشف عنه المرشد الأعلي يوم الجمعة محاولاً القفز علي طموحات وتطلعات شباب تونس ومصر. وذكرنا أحمد أبوالغيط في تصريحاته بأن خامئني »تناسي ما عاشته بلاده من أزمة كبري في شرعية الحكم منذ عامين، كما تجاهل الممارسات الاستبدادية اليومية البشعة ضد معارضي النظام والتنكيل والتعذيب المشين في السجون«. ديكتاتور، مستبد، مثل: آية الله خامئني كان عليه كما قال أحمد أبوالغيط بحق أن »يلتفت لشئون بلده وشعبه الذي يتطلع بتشوق إلي الحرية من النظام الجاثم علي صدره علي مدي أكثر من ثلاثين عاماً بدلاً من محاولة إلهاء شعبه بالتخفي وراء ما تشهده مصر من حراك سياسي وشعبي كبير في اتجاه إصلاحات سياسية كبري«. ما نقوله، وما عبّر عنه وزير خارجية مصر، ليس تدخلاً في الشأن الداخلي الإيراني، وإنما تكرار لما يعرفه العالم كله عن حقائق و واقع النظام الثوري الدموي الذي ابتلي به الشعب الإيراني المغلوب علي أمره، المحروم من أبسط حقوقه الآدمية.