لم يكن احد يتوقع ان تجيء نهاية حكم زين العابدين بن علي بهذه الطريقة الدرامية المفاجئة.. ولم يكن احد يتصور ان يفر الرئيس التونسي »المخلوع« في الظلام بعد اربعة اسابيع من ثورة الشارع في ارجاء مدن تونس علي هذا النحو وعبر نفق في قصر قرطاج.. ولم يكن احد يتوقع ان تكون نهاية »الرئيس الزين« كما كان يطلق علي نفسه بسبب محمد بوعزيزي الشاب العاطل الذي احرق نفسه واشعل الانتفاضة في مدينة سيدي بوزيد ثم انتقلت كالنار في الهشيم إلي مدن تونس كلها..! فقد ظل بن علي يحكم بالحديد والنار وامتلأت السجون بمعارضيه وتحولت تونس في عهده علي مدي 32 عاما إلي سجن كبير بعد تكميم الأفواه والصحافة، وحينما ذهبت إلي تونس في زيارة صحفية سمعت الكثير عن القمع البوليسي الذي يتعرض له السياسيون المعارضون والقيادات العمالية، والمثقفون، ورصدت الأحوال المعيشية السيئة التي يقاسيها الشعب التونسي والاذلال الذي يسلب كرامته.. وبدرجة ان بن علي دبر فضيحة رخيصة ضد المعارض راشد الغنوشي وقامت الاجهزة الامنية بتصويره مع سيدة وتم تسريب نسخ الشريط وغادر الغنوشي إلي المنفي في بريطانيا بعدها! لقد عانت تونس طويلا تحت حكم زين العابدين بن علي البوليسي بعدما قام بانقلاب علي الرئيس السابق الحبيب بورقيبة واستولي علي السلطة وكان قد تمكن من الحصول علي شهادة اربعة اطباء بأن بورقيبة المريض بالقلب يعجز عن تحمل اعباء الحكم واعتمد علي ذلك في القفز إلي الرئاسة في عام 78 ووقتها اطلق الوعود للتونسيين باطلاق الحريات السياسية وتوفير فرص العمل للشباب العاطلين وكذلك تحسين الاحوال المعيشية، ولكنه كان يخدعهم وأحكم قبضته الحديدية! وكان بن علي ضابطا في الجيش التونسي وحتي صار جنرالا ثم تولي وزارة الأمن وبعدها وزارة الداخلية وتقرب إلي الرئيس بورقيبة بعدما قام بقمع »ثورة الخبز« واطمأن إليه وقام بتصعيده في العمل السياسي واسند إليه مسئولية الوزير الاول رئيس الوزراء وكذلك الامين العام للحزب الدستوري الحاكم، وقام بخلع بورقيبة ودخل قصر قرطاج! لقد ذهب زين العابدين بن علي وغادرها هاربا إلي غير ما رجعة ولم يستطع مواجهة الغضب الشعبي الجارف رغم محاولاته للالتفاف حول الازمة ولخداع الشعب التونسي مرة اخري، وخرج في التليفزيون وخاطبه قائلا: انا فهمتكوا.. انا فهمتكوا! ولكن الوقت كان قد فات وافلت الزمام ولم يعد امامه غير الرحيل عندما وصل إلي نقطة النهاية.. وظلت طائرته تحلق في الجو عدة ساعات مرورا بجزيرة مالطة في طريقها إلي فرنسا، ولكن الحكومة الفرنسية ادارت له ظهرها ورفضت استقباله واضطر إلي تغيير وجهته رغم ان له شقة فاخرة في باريس واستقر به المطاف في جدة.. وهربت معه زوجته ليلي الطرابلسي وشقيقتها واثنان من ابنائه ومجموعة من حراسه. لم يكن زين العابدين بن علي يتوقع ان تصل النهاية إلي حد الانتفاضة الشعبية في ارجاء تونس، وفي البداية توجه بخطب إلي الشعب ووجه اتهامات للمتظاهرين بالشغب واللصوصية والارهاب ولكن اتسعت المظاهرات وسقط القتلي والجرحي علي مدي اربعة اسابيع، واضطر بن علي إلي الاعتراف بالاخطاء وتحميل المسئولية لاعوانه للبقاء في الحكم واقال محافظ ولاية سيدي بوزيد ووزيري الداخلية والاعلام ورئيس اركان الجيش الذي رفض اطلاق النار علي المتظاهرين.. وطرح اصلاحات منها خفض اسعار السلع واطلاق سراح المعتقلين في المظاهرات وإلغاء الرقابة علي الصحف والدعوة إلي انتخابات تشريعية مبكرة، ولكنه لم يستطع خداع الشعب التونسي هذه المرة والذي ألقي بالمسئولية عليه واصر علي المطالبة برحيله.. وبعدما فضح تقرير ويكيلكس الفساد في نظام حكم بن علي وقال: إن الجو المحيط به أشبه بالمافيا..!