كلما ذهبت إلي أي مدينة جديدة يستوقفني عدم وجود دور عرض للمسرح أو السينما .. وكأن الذين خططوا لها لم يفكروا في سكان هذه المدن علي اعتبار " أنهم بالعافية قدروا يدبروا لهم مكان للنوم !" ..معقولة يكونوا بيفكروا كده .. بالطبع لا وهل مثلا مدينة مثل القاهرةالجديدة تلك المدينة الرائعة الجميلة التي تقع علي أطراف مدينة نصر بمبانيها الفخمة والجامعات التي سكنتها تخلو من دار عرض مسرحية .. الم يخطر ببال الفنان فاروق حسني وزير الثقافة ان يطلب من السيد رئيس الوزراء تخصيص أرض هناك ليقيم عليها مجمعا للمسارح والجاليري ودورا للسينما وهناك متسع من الأرض بدلا من تلك التي لم نعد نستطيع دخولها في العتبة بسبب مافيا الباعة الجائلين الذين يحتلون أرصفتها في غيبة السيد محافظ القاهرة ورجاله وتقاعسهم عن حمايتها .. انظروا معي لعدد المدن الجديدة في مصر الآن وليقل لي من يعرف كم مسرحا أقيم في هذه المدن ..المسألة غائبة تماما عن تفكير السادة البنائين .. وحتي لا يخرج أحد ليقول من سيذهب إلي هذه المسارح الآن والمدن خاوية علي عروشها .. أقول له إننا لا نخطط لمدة عام أو عشرة أعوام بل نخطط للمستقبل وساعتها سوف نندم لأننا لم نفكر ونحن نقيم هذه المدن !.. ففي القاهرةالجديدة لاحظت إعلانات النوادي الرياضية الجديدة علي مساحات شاسعة فلماذا لم يفكر أحد في إنشاء المسارح فالثقافة شئ مهم في حياتنا مثل الملاعب ! آخر حكايات الدنيا أنا دائما متحيز لهم .. دوما أكتب عن شباب المسرح الذين غيروا شكل الخريطة المسرحية بجد .. لا ينبغي أن نغفل تجاربهم فلن نظل نعيش علي الماضي فالحاضر أحلي .. من هذه التجارب التي شدتني تجربة جميلة اسمها (آخر حكايات الدنيا) علي مسرح الطليعة .. تستوقفني الصورة الرائعة للسينوجرافي علاء سليم والمرايات التي استخدمها لاكتشف أن قاعة صلاح عبد الصبور أصبحت قاعتين وتلك الدمي والعرائس والبالونات والدباديب التي تنتشر علي منصة العرض وحقن الجلوكوز التي تتدلي أمامنا .. الشكل لم يأت اعتباطا فقد أراد المخرج ومصمم السينوغرافيا وضع المتفرج داخل العرض ليعيش أحداث الماضي .. يشاهد طفولته وتسلط الجد علي الحفيد ويسأل نفسه .. ياتري هذا التسلط هو نتيجة الخوف عليه أم هو فرض رؤيته ووجهة نظره عليه .. وأن الجد كان يريد أن يكون نسخة أخري منه .. الجد يحكي حكاياته المؤثرة والحفيد يحاول أن يختار لنفسه شكلا آخر مختلفا فهو يريد أن يكون شخصيته وتأتيه الفرصة عندما يموت الجد ويتوقف عن الحكي.. عندها ينفرد بالحكي لكنه لا يستطيع فلم يعلمه الجد كيف يبدأ الحكايات ! النص بسيط كتبه المخرج محمد الدرة بعفوية ولم ينتصر للجد أو الحفيد بل ترك المتفرج يدرك مغزي النهاية بنفسه.. والإخراج اعتمد علي تشكيلات جمالية موحية ومعبرة مع موسيقي لأحمد هاشم ذات دلالة أدركت معني الطفولة والبراءة في بعض مشاهد العرض .. أحمد الحلواني يستحق امتياز في دور الجد .. نضوج وفهم للشخصية خاصة أنها البطولة الأولي له علي المسرح ومعه كريم الحسيني المتألق وسماح سليم .. وجوه جديدة نلمحها لأول مرة ولكن بالتأكيد لن تكون الأخيرة ! مبروك للأستاذ محمد بركات رئاسة مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم وللأستاذ ياسر رزق رئاسة تحرير الأخبار فهما أهل للمنصب وهما من أبناء أخبار اليوم المخلصين ولكل منهما بصمات واضحة في العمل الصحفي .. الأستاذ بركات انتشل جيلا كاملا وأعاد إليه الحياة والأستاذ ياسر صاحب تجربة رائعة في مجلة الإذاعة والتليفزيون التي أصبحنا نقرأها من الجلدة للجلدة بعد أن كانت في عداد الموات فهنيئا لنا أبناء أخبار اليوم بزميلين عزيزين نتوقع الخير علي أيديهما .