عدت منذ أيام قليلة من زيارة إلي جامعة شيكاغو، والتي تُعد واحدةً من أعرق الجامعات الأمريكية وأعلاها مكانة، وبصفة خاصة في مجال الاقتصاد والأعمال، فهي تحتل المرتبة التاسعة في التصنيف العالمي للجامعات. ليس هذا فقط ولكن هذه الجامعة بها العديد من الأساتذة الحاصلين علي جوائز نوبل في الاقتصاد أمثال: يوجين فاما، لارس بيتر هانسن، روبرت لوكاس، جيمس هيكمان، روجر ميرسون، غاري بيكر. ويرجع سبب زيارتي لجامعة شيكاغو إلي متابعة اتفاقية قام بها رجل الاعمال المحترم ناصف ساويرس مع جامعة شيكاغو، وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لابتعاث عدد من الطلبة والطالبات كل عام للدراسة بهذه الجامعة المرموقة لمدة عام دراسي. كما تتضمن الاتفاقية ابتعاث مجموعة من أعضاء هيئة التدريس لزيارات قصيرة، للبحث والاضطلاع علي أحدث ما وصل إليه العلم في مجال علم الاقتصاد. والحقيقة، إنه خلال رحلة عودتي الطويلة جلست افكر فيما لو تم تنظيم هذا الدور بالربط بين مجتمع الاعمال، والجامعات المصرية؛ فالمنظومة ليست مترابطة لا من الناحية البحثية، ولا من الناحية التعليمية، أو المالية. فالجامعات الأمريكية سواء كانت حكومية، أو خاصة تعمل وترتقي من خلال منظومة وقف مستدام، يشارك فيها خريجو الكليات والجامعات المختلفة، كما يشارك فيها مجتمع الأعمال بشكلٍ اساسي، كما ترتبط الجامعات بصفة مستدامة بالمؤسسات العامة والخاصة سواء في مجال الدراسة لتحديد الاحتياجات التعليمية، أو في مجال البحث العلمي؛ بحيث لا يحدث انفصال بين الخريج وما يحتاجه سوق العمل، ولا بين ما يقدمه الباحث وما تحتاجه مؤسساتنا المختلفة من تطورات علمية وبحثية. وجديراً بالذكر، أن السيد ناصف ساويرس هو خريج جامعة شيكاغو، وهو مدين لها بعلمه؛ فتبرع لها بمبلغ كبير من المال كوقف، وهو علي صلة مستمرة بها. وهو ايضاً مدين لوطنه الذي تربي وعمل فيه. لذا وضع شروطا لهذا التبرع تتمثل في ابتعاث عدد من الطلاب المصريين كل عام للدراسة بجامعة شيكاغو، والمساهمة في دعم ورفع مستوي البحث العلمي لأساتذة الكلية، وهو أمر لجدير بالاحترام والتقدير من جانبه. كما جال بذهني العديد من خريجي الجامعات المصرية الذين لا توجد بينهم وبين جامعاتهم أي تواصل، وهو ما يرجع في الحقيقة إلي التقصير البين من قبل جامعاتنا المصرية؛ فنحن لا نجيد فن التواصل، كما تفتقر جميع جامعاتنا علي حد علمي إلي وجود نظام اتصال مؤسسي بخريجيها، فضلاً عن افتقارها إلي نظام دعم ووقف مؤسسي، وكذلك غياب العلاقة بين مجتمع الأعمال والمسئولية الاجتماعية التي لديهم بالمؤسسات التعليمية. فيجب أن يدرك مجتمع الأعمال أن اصلاح السوق، والاقتصاد، والإدارة، لن يتحقق إلا باصلاح شامل لنظام التعليم، يكون هو المساهم الرئيسي فيه. فالحل الأسهل لأي شخص يتوافر لديه المال، أن يرسل أبناءه للدراسة بالجامعات الخاصة أو الجامعات الأجنبية بالخارج، وهو ما لايتوافر لدي الكثيرين. اما الحل الأمثل للوصول نحو مستقبل أفضل فلن يتحقق إلا بالاستثمار في مؤسسات التعليم الكبري، وجامعاتنا الكبري حتي يتم الارتقاء بمستواها؛ فأساتذة الجامعات المصرية هم أنفسهم الذين يقومون بالتدريس في الجامعات الخاصة والأجنبية، ويدفعهم لذلك نقص الموارد، وضعف البنية الأساسية في الجامعات الحكومية، مما يرهق الأستاذ الجامعي، ويثقل عليه القيام بمهمته الأساسية في التدريس والبحث العلمي. اما الشق الثاني فيكون بتمويل البعثات لمجموعة من شباب أعضاء هيئة التدريس، وهناك مجموعة ايضاً من المؤسسات التي تساهم في الابتعاث للخارج، كمؤسسة القلعة للمنح الدراسية، ومؤسسة ساويرس للتنمية المستدامة، وغيرها. ولكن كل هذا غير كافٍ، فنحن نريد الآلاف من البعثات كل عام، كما نريد انفاقا حقيقيا للارتقاء بالمنظومة التعليمية والبنية الأساسية لهذه الجامعات. فلابد من وضع أولوية قصوي لدي جميع المؤسسات لوضع التعليم كهدف أولي للمسئولية الاجتماعية لهذه المؤسسات حتي يساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي من اجل تحقيق التنمية المستدامة.