الخبراء: خلل في المنظومة الاجتماعية ومحاولة لعلاج نقص الشخصية « من بلد شهادات.. إلي بلد ألقاب.. يا قلبي لا تحزن « ... حقاً إنها بلد العجائب فما نشاهده في مصر من لهث وراء الألقاب لا نجد له مثيلاً في العالم، حيث احتكرت بعض الفئات ألقاباً بعينها وأصبحت تتعامل مع المجتمع علي انها حق مُكتسب... فإن كنت تريد لقب «باشا» أو بيه فعليك أن تكون من رجال الشرطة او النيابة،حيث اعتاد الناس ذلك واتسعت الدائرة لتشمل كل من يشغل منصبا مرموقا وكذا رجال الاعمال وأعضاء المجالس النيابية، ولم يقتصر الامر علي الباشا والبك وانما حرص البعض علي اكتساب ألقاب مثل مستشار أو خبير دولي من خلال الحصول علي شهادات من أكاديميات تبيع السراب باسم العلم من أجل التمتع بمكانة اجتماعية زائفة من خلال منح أشخاص ألقاب معينة مثل مستشار في التحكيم الدولي ومستشار عقاري وخبير تثمين، وخبير علاقات دبلوماسية أو خبير منازعات استثمارية... وهناك من يشترون شهادات» دكتوراه» من بعض الجامعات الأوربية بهدف واحد هو الحصول علي لقب « دكتور» حتي لوكان مزيفا.. و امتد «هوس الألقاب» لمختلف الطبقات الإجتماعية المصرية فنجد أن اللقب الأشهر والأكثر تداولاً في معظم شوارعنا المصرية، هو لقب «الباشمهندس»، الذي يفترض ان يقتصر علي خريجي الهندسة لكنه بات يطلق علي أصحاب الورش والحرفيين، والأدهي والأمر من كل هذا أن البعض حول ممارسة العبادات الي وسيلة للحصول علي ألقاب دينية فتجد الكثيرين ينادون علي بعض الأشخاص ب « يا شيخ» علي الرغم من عدم حصوله علي شهادة أزهرية، أو لقب « حاج « الذي يحرص التجار وبعض رجال الأعمال علي ان يسبق أسماءهم فوق لوحات محلاتهم، حين تتصفح صفحات الوفيات ستجد من يحرص علي ان يسبق اسمه لقب « شريف» أي أنه من نسب الرسول « صلي الله عليه وسلم » . إنها ظاهرة مصرية خالصة كانت منتشرة وفقا لقواعد واضحة قبل ثورة 23 يوليو مما دفع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الي الغاء الألقاب خاصة الباشا والبك والاكتفاء بلقب السيد في اطار فكر الثورة الذي يساوي بين المصريين جميعا. «الأخبار» في هذا التحقيق تحاول البحث عن أسباب عودة هذه الظاهرة وتفشيها في المجتمع المصري في محاولة لتحديد الأسس القانونية والاسباب النفسية والاجتماعية لها بهدف وضع حد لفوضي اللهث وراء الألقاب. يمكنك الآن أن تحصل علي لقب سعادة المستشار وأن تتمتع بالحصانة القضائية في 4 أيام فقط بمبلغ 2000 جنيه في حال حضورك 4 محاضرات ويمكنك أن تدفع 950 جنيها في حال متابعتك المحاضرات « أون لاين» عبر الإنترنت وهناك عروض أخري حيث يمكنك أن تدفع بالتقسيط وعروض خاصة للمجموعات... هذه عينة من إعلانات بعض الأكاديميات المتخصصة في منح لقب مستشار . قمنا بالتحدث مع أحد الموظفين المسؤولين عن احدي الاكاديميات وعبرنا عن رغبتنا بالالتحاق، وحين سألناه عن شروط الالتحاق كي يصبح الشخص مستشارا ، أجاب : « لا يوجد شروط.. فنحن نقبل من حصلوا علي معاهد أو جامعات وأحياناً بالثانوية ونمنحه بعد الدورة 2 « كارنيه» مستشار إلي جانب « حقيبة المستشار». غير قانوني ومن جانبه قال المستشار تامر الجمال، الرئيس بمحكمة دمنهور، أن الهيئات القضائية في مصر تنحصر في القضاء العالي و مجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة أما صفة مستشار في التحكيم الدولي أو خبير تثمين أو مستشار عقاري وغير ذلك فهذا بمثابة اختراع، وقانوناً لا يتمتع بالحصانة القضائية ولا يعتبر أحد أعضاء الهيئات القضائية مشيراً إلي ان دراسة التحكيم الدولي تستغرق علي الأقل عامين فأكثر، فمن غير المتصور ان تقوم تلك المؤسسات بتدريس نفس المحتوي العلمي في بضعة أيام قليلة. و أوضح « الجمال» أن التحكيم الدولي هو طريقة من طرق فض المنازعات سواء داخلية وطنية او دولية ، اي أنه نوع من انواع القضاء الإتفاقي، لافتاً أنه من حق مستشار التحكيم الدولي مزاولة عمله اذا كان مُدرجاً ضمن قوائم وكشوف المحكمين الدوليين ». مبالغة وتعظيم أوضحت د. سامية الساعاتي ، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلي للثقافة، أن ظاهرة التفاخر بالألقاب عند المصريين قديمة، حيث أن مصر حين كانت ملكية كانت هناك « البكوية » الرسمية التي تُمنح من الملك وهناك « بكوية» غير رسمية يقوم بشرائها الأشخاص كي تُضفي عليهم نوعا من الرقي الاجتماعي، وأشارت إلي ان الشخصية المصرية بطبعها تعشق المبالغة والتفاخر وهذا يتضح من بعض الأقوال الشعبية مثل : « يا 300 مرحب، ويا 100 ألف اهلا وسهلا، ونورك غطي علي الكهربا «، كل هذه ما هي إلا مبالغات لا يمكن ان يصدقها عقل. و أضافت « الساعاتي» : للأسف نحن الشعب الوحيد الذي يضاعف الأشياء والأسماء مثل حسنين ومحمدين، لذلك فإن « هوس» المصريين بالألقاب محاولة لا إرادية من الشخصية المصرية كي تخفي عيبا بها أو تعويضاً عن شيء ينقصها «. عنصرية المجتمع بينما يقول د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي ان السبب فيما يعانيه المجتمع المصري هو التنشئة الاجتماعية للأطفال، فنحن مازلنا نُربي أبناءنا علي ان صاحب أي لقب له هيبة وكأنه خُلق من طينة غير طينة البشر، لافتاً ان من يقوم بذلك يحاول ان يمنح نفسه أهمية أكبر بسبب انخفاض مستوي المعيشة في البلد والنظرة العنصرية السائدة وكل هذا نابع عن منظومة اجتماعية مريضة وخاطئة لذلك مثل هذه الظواهر إلا في المجتمعات الشرقية فقط ».