إليعمق التاريخ أخذنا أستاذي جمال الغيطاني - أطال الله في عمره في احتفالية عيد ميلاده السبعين التي اختار أن تكون في بيت السحيمي قريباً من المكان الذي عاش وكبر فيه بالجمالية حيث أتي إليها طفلاً من قرية جهينة بسوهاج.. ليلة جميلة جمعت كل الأحباء والأصدقاء المقربين منه وزانها حضور المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء بدعوة من الزميل العزيز ياسر رزق رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، شعرت في الاحتفالية أن جمال الغيطاني كان أشبه بالعريس ليلة فرحه سعيداً بالمكان الذي يعرف كل تفاصيله بدقة وهو يشرح لمن لا يعرف تاريخه واصفاً كل جزء بحب وكأنه قطعة منه شارحاً من عاش فيه ومن دخل التاريخ من العظماء ممن ضمته جنباته وعلي رأسهم المقريزي وابن خلدون وغيرهما ممن كان الغيطاني دارساً لفترات تواجدهم متبحراً فيما قدموه للبشرية، قدم الأديب الكبير نبذات عن بعضهم في عجالة في الكلمة التي ألقاها شاكراً لكل من حضر لتقديم التهنئة له بعيد ميلاده وكان في قمة الوضوح عندما قال: أنا «فرصة» اغتنموها لمعرفة أسرار ما تحويه تلك المنطقة النادرة التاريخية لأنه ليس هناك من يعرف ما تحويه مثلما أعرف. تتلمذت علي يد أستاذي جمال الغيطاني رغم أن الفارق بيني وبينه 7 سنوات فقط في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وكان أحد عناصر القوة الضاربة لقسم التحقيقات الصحفية بجريدة الأخبار محبوبتنا جميعاً فكان «نعم العون لي» ولزملائي الذين كانوا يمثلون في تلك الفترة جيلاً جديداً ينضم لكتيبة مقاتلي «أخبار اليوم» العظماء بعد جيل العمالقة الأساتذة مصطفي وعلي أمين وموسي صبري وجلال الحمامصي، وعلي يديه تعلمنا فنون الكتابة الأدبية والإنسانية وكانت توجيهاته لنا فرصة تعلمنا منها فنون الكتابة الحقة في زمن كان كله من العمالقة الذين كان حب الصحافة لهم عشقاً قبل أن يكون عملاً ومهنة.. وظلت علاقتي بأستاذي تكبر يوماً بعد يوم وسنة تلو الأخري لم تنقطع يوماً وفي كل يوم أتعلم منه جديداً سواء بتوجيه أو بقراءة لكتاب من درره التي يتحف بها المكتبة العربية من وقت لآخر أو بأحاديثه الشيقة معنا خاصة الأصدقاء المقربين أو من خلال البرامج التراثية أو الثقافية أو حتي الأحاديث المرسلة التي كان ضيفاً عليها في الفضائيات أو القنوات المحلية. أسعدني أن أكون قريباً جداً منه ومن أسرته الصغيرة التي أعتبرها أسرتي تماماً كما يعتبر هو أبنائي وزوجتي كأنهم أسرته وأسعدني أكثر أن يكون سكنه في العمارة المجاورة لي بالمعادي. أحس وأنا في حضرة الأديب الكبير أنني مع التاريخ بعبقه ورائحته الأصيلة، عندما يحدثك عن المكان والزمان تشعر أن صفحة منه قد فتحت لتعيشها واقعاً بكل تفاصيله. وأحلي ما في أستاذي جمال الغيطاني تواضعه وأدبه الجم فلا تعالي ولا استكبار، يحترم الإنسان أمامه بلا تفرقة ويعاملك كأنه يصادقك من زمن بعيد ويضاف لها صفة ابن البلد الجدع الذي يسندك وقت الشدة ويسارع لك في فرحك وكأنه أنت. اكتسب أستاذي حب الناس وتلك فضيلة يهبها الله للمخلصين في صداقاتهم وعرفت مدي حب الناس له من خلال أزماته الصحية الكثيرة التي تعرض لها وكان أشدها عندما سافر إلي أمريكا لإجراء جراحة دقيقة في القلب استغرقت 11 ساعة متواصلة لم تنقطع خلالها رنات التليفونات من كل الأحباء والمعارف والأصدقاء وأذكر أن الراحل الكبير الشاعر عبدالرحمن الأبنودي ظل علي اتصال دائم بي وبالصديق الأديب الكبير يوسف القعيد طوال الليل لم يغمض لنا جفن حتي جاء صوت الفاضلة حرمه تطمئننا بنجاح العملية وتطالبنا بالدعاء لله. أستاذي الكبير.. كل سنة وأنت طيب.. أدامك الله لمصر ولنا حتي تثري عالمنا بما عودتنا عليه من فيض إبداعاتك وأدبك.