نتوهم القوة.. ندعي البطولة.. نتباهي بالرجولة.. ثم نكتشف أن في الحياة بشرا ليسوا كالبشر.. أقوياء بلا صخب.. أنقياء بلا شوائب.. أوفياء بلا شروط.. لنعيد صياغة مفاهيمنا عن كل شئ توهمناه.. ادعيناه.. أو تباهينا به.. لنستوعب معاني مختلفة لقيم حسبنا أننا ندركها جيدا.. لنري ألوانا جديدة رسمت بها خطوطا لم نلمحها من قبل في كل لوحات الحياة.. لنقف مع أنفسنا مشدوهين مبهورين وبالتأكيد خجلين من ضآلتنا أمام عمالقة مهما بلغت قاماتنا لن نلمح حتي أعناقهم.. لن تكفي أشعار الدنيا غزلا في رقيهم.. لن تصف كلمات العالم نفيس معادنهم ومحاسنهم. رأيت القوة رجلا يقطر منه النبل والعزة.. رأيت الصبر بشرا يتنفس إيمانا.. رأيت الوطن فردوسا تحفه ملائكة في صورة إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ نعرفها أو حتي لا نتخيل أنها مازالت موجودة علي الأرض.. رأيت كل هذا وأكثر في « اللواء أركان حرب مقاتل خالد مصطفي محمد توفيق» ورفاقه. هذا البطل الذي أبكي مصر بقوة ضاعفها ضعفه.. ونبل أيدته كلماته.. وإيمان وثقة ورجاء لا يخيب في المولي عز وجل. عرفته كما عرفه الملايين فقط منذ أيام قليلة في الحفل الذي أقامته القوات المسلحة لتكريم مصابي العمليات الإرهابية وحضره الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعه وزيرا الدفاع والداخلية.. أعلن مقدم الحفل اسم الرجل كما أعلن باقي المكرمين واحتلت صورته قبل الإصابة شاشة ضخمة في الخلفية وبجوارها بيانات موجزة عنه.. ليصعد الرجل علي منصة التكريم بخطوات بدت لي واثقة رغم ما اربكها من الإصابة.. متجها بثبات نحو الرئيس للتحية والاستئذان في كلمة لم يردها لنفسه فهو لم يذكر حتي كيف أصيب.. ولكنه طلبها لتحية جنوده أو من فضل أن يصفهم بأبنائه الذين طالتهم أيدي الغدر وهم يدافعون عن أمن الوطن وشرفه.. وأقعدتهم وهم في ريعان شبابهم بإصابات متنوعة ما بين بتر في الساق اليمني واليسري أو في الساقين.. أراد أن يعرف الجميع وعلي رأسهم السيسي الخمسة بالاسم «أحمد البكري، ايهاب عبدالسلام، أبانوب، محمد حامد، وصالح محجوب». ذكر مكاني تلقيهم العلاج بمستشفي المعادي العسكري ومركز تأهيل العجوزة.. أسهب في الحديث عنهم وعن الشهداء.. وصف كتيبته 101 المنكوبة في كرم القواديس ببداية الطريق إلي الجنة ودعا الله أن يتقبلهم.. اعتبر الفائز من رحل ممن اختاره المولي للشهادة كما فاز أهله.. رفض البكاء علي الشهداء.. مؤكدا أنهم دخلوا الامتحان ونجحوا بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. ودعا قائلا « يا رب يكون لنا نصيب معهم اللهم الحقنا بالشهداء وأنزلنا منزلهم».. ثم أفاض في الدعاء لمصر وشعبها وأرضها ومقاتليها .. خاصة من هم في سيناء.. سأل الله لهم النصر.. ولم يسأله عن شييء لنفسه. أي نبل هذا الذي صُنع منه هذا القائد وأمثاله والذي جعله يقف متناسيا تكريمه ليتحدث عن بطولات رجاله.. أي قوة تلك التي جعلته يعتبر الموت فوزا والإصابة شرفا.. والغدر بداية طريق للجنة.. أي وطن هذا الذي يحرسه رجال مثل « اللواء أركان حرب مقاتل خالد مصطفي محمد توفيق « ويخشي من غده أو يرهبه عدو أو يثنيه خسيس عن طريق اختاره.