رأيت في السرادق مصر بكل طوائفها البسيط والمسئول والرئيس وابن البلد والفنان يبكون من كان صوتهم، تركنا جسدا ولكنه ابدا لن يتركنا باشعاره الخالدة رحل الخال، مات نوارة مصر من تغني بها وبسماها وترابها وكان يردد بافتخار دائما ومن غيري يمكنه.. ذهب الجسد العليل وبقي الشاعر والشعر وهما اللذان كانا يعيشان معا فالأبنودي كان دائما ما يردد انا شخصان منفصلان انا عبدالرحمن المريض وأنا الشاعر نعيش في جسد واحد وانا من يملك الفصل التام بينهما وينتصر الشاعر ولذلك كان العطاء الي آخر يوم وسيظل وهجه الي يوم الدين فامثال الأبنودي لا يموتون لانهم في حياتهم اخلصوا العطاء فوهبوا الخلود مع فارق التشبيه فالخلود لله وحده. اقتربت من الخال علي مدي سنوات لاكتشف شخصية معجونة بتراب مصر الوطني شديد الحب والاخلاص لمن يثق فيه بطبيعته الصعيدية لا يحب الغدر والخيانة دنيته ورقة وقلم والهام الشعر الذي كان دائما ما يقول عنه انه لحظة لا اعرف متي تأتي ولا كيف ولا افتعلها انها لحظة صدق تخرج فيها الكلمات انها انفعال بيني وبين المواقف خاصة الوطنية. بكيت الخال تماما كما بكيت رحيل أمي وأبي وكما بكته مصر كلها وادعي انني كنت قريبا منه لم يكن يمر يوم الا ويتصل بي او اتصل به وكنت اعتز وافتخر أنني اسمع صوت ذلك العملاق او التقي به وكنت حريصا علي ذلك جدا لتواجدي الدائم يوم السبت بالاسماعلية بصحبة زوجتي الاستاذة بكلية التجارة وكان لقائي به كيوم عيد. كان الخال دقيقا في حياته خاصة فما يكتب او تخطه يده وكانت يوميات الأخبار التي يكتبها كل يوم احد مثالا علي ذلك فكنا انا وهو علي موعد يوم الاربعاء من كل أسبوع لإرسالها لي بالفاكس علي ان يتم جمعها ثم اقوم بارسالها له مرة أخري ليراجعها حتي لا يكون هناك بها خاصة الشعر أي اخطاء ولا يهدأ الخال الا اذا اطمأن علي آخر بروفة ويستمر الاتصال مني ومنه لاكثر من 10 مرات حتي يسمع كلمة كله تمام ظل الحال بيننا علي ذلك شهورا طويلة حتي آخر يوميات وكان ميعاد نشرها يوم الأحد 5 ابريل اتصلت به الاربعاء فرجاني بالانتظار للخميس قائلا الفكرة في رأسي ولكني لا استطيع الكتابة سأحاول كتابتها الليلة وارسلها صباحا ولكنه لم يتمكن وفي صباح الجمعة بادر بارسالها لزميلي طلعت عبدالحي مدير ادارة الجمع بالجريدة ثم طلبني بعدها ليتأكد من وصولها وعدد الصفحات وفاجأني بقوله عندي احساس ان دي يمكن تكون آخر يوميات خلاص مش قادر وصدمتني الكلمة.. والغريب ان تلك اليوميات كانت عن المدفن والموت وكان بها قصيدة بنفس المعني في توارد غريب واغلق الخال التليفون وعاود الاتصال بي مرة أخري ليقول لي لو مت انشروا القصيدة مرة أخري دي وصيتي ولم اجد ما ارد به ونشرت اليوميات الاخيرة قبل عيد ميلاده ب6 أيام فقط وجاء الأربعاء وعاودت الاتصال وقال الخال لا مش هاكتب هذا الاسبوع اعتذر للقراء الذين احبوني وجاء السبت 11 ابريل يوم مولده وكان في قمة السعادة والفرحة ثم الاربعاء الذي يليه، واتصلت به لاعرف موقف اليوميات فقال بكره ان شاء الله وجاء بكره وليته لم يأت كان الخال قد نقل للمستشفي مصابا بتجلطات دموية استدعت اجراء جراحة عاجلة دخل بعدها في غيبوبة كاملة. وقفت في العزاء مساء وأنا اتساءل هل كنت تحس يا خال انك راحل بهذه السرعة؟