في توقيتها المناسب والمطلوب جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لإثيوبيا لكي تزيل آثار قرابة ثلاثين عاما من سوء الفهم بين البلدين الشقيقين في حوض النيل وأدت إلي تراكمات طويلة حول سد النهضة ومخاوف من آثاره علي حصة مصر من مياه النيل التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب طبقا للاتفاقيات التاريخية. وكانت لحظة لا تنسي عند ملتقي النيل الازرق والنيل الابيض حينما وقع قادة مصر والسودان وإثيوبيا- الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس عمر البشير وهايلي ميريام ديسالين رئيس وزراء إثيوبيا- علي اتفاق اعلان المبادئ حول سد النهضة الاثيوبي وتوفير ارضية صلبة لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلي اتفاق كامل بين دول حوض النيل الثلاث حول اسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي .. كما يتضمن عشرة مبادئ أساسية تحفظ الحقوق والمصالح المائية المصرية.. وقد اكد الرئيس السيسي ان التوصل لهذا الاتفاق جاء من خلال الحوار المتصل والعمل المثمر الدءوب وقد نجحنا في الوصول إلي البداية علي طريق الأمل في مستقبل يلبي احتياجات الشعوب الثلاثة.. ولابد من التوقف أمام كلمة السيسي في الخرطوم: ان توقيعنا علي اتفاق اعلان المبادئ الخاص بالتعاون بين مصر والسودان وإثيوبيا حول مشروع سد النهضة هو تلك الخطوة الاولي فقد كان هذا المشروع مصدر تطلعات وشواغل شعوب دولنا الثلاث علي مدي السنوات الماضية.. واؤكد هنا بكل صدق التزام مصر بالتعاون الكامل مع الاشقاء في اثيوبيا والسودان من اجل دعم ودفع اللجنة الثلاثية لاتمام تلك المهمة بنجاح في اقرب وقت ممكن.
وأتوقف أمام ما اكده هايلي ميريام ديسالين ان مياه النيل تشكل مصدرا مهما للمعيشة والحياة علي ضفتي النهر ونحن عائلة واحدة ونتقاسم النيل فهو مصدر حياة واساس جوهري لدول الحوض ونحن نسعي لتحقيق التنمية من خلال الاستفادة جميعا من نهر النيل ونحن اخترنا التعاون باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق تطلعات شعوبنا. ان هناك علاقة قديمة كانت تربط بين الرئيس عبدالناصر وبين الامبراطور هيلاسلاسي منذ الستينيات ولم تتغير اواصرها حرصا علي العلاقات المصرية- الإثيوبية.. وعندما وقف الرئيس السيسي في زيارته لأديس أبابا والقاء خطابه أمام البرلمان الإثيوبي اشار إلي انه حان الوقت لكي تتحقق نبوءة الزعيم الافريقي العظيم نكروما عن نهضة إثيوبيا الحكيمة والتي اطلقها في ختام الاجتماع التأسيسي لمنظمة الوحدة الافريقية منذ اكثر من خمسين عاما..ومصر اليوم تقف بكل عزم إلي جانب إثيوبيا لكي نحول معا تلك النبوءة إلي حقيقة واقعة انطلاقا مما اكده الرئيس جمال عبدالناصر في نفس الاجتماع حينما تحدث عن مجئ مصر بقلب مفتوح وعقل مفتوح وتقدير للمسئولية مفعم بالنية الصادقة وهي مستعدة ان تتحمل إلي كل الحدود مسئوليتها التاريخية تجاه قارتنا الافريقية.. وحسب ما قال السيسي : لا يفوتنا الاشارة إلي ما ذكره رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي خلال زيارته للقاهرة عندما ذكر ان نهر النيل يعد بمثابة الحبل السري الذي يربط بين مصر وإثيوبيا وهو ما يؤكد ان تدفق مياه النهر من المنبع إلي المصب ما هو الا حصص إلهية لنا جميعا..! ان تلك الصلات التي تجمع بين بلدينا زادت قوة بانتمائنا معا إلي عائلة واحدة هي قارتنا الافريقية التي تستضيف أديس أبابا رمز وحدتها.. حيث كانت مصر من اشد المتحمسين لان تكون هذه المدينة مقرا لها.. لقد كان وقوف بلدينا في طليعة الاباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الافريقية اقوي تعبير عن ادراكهما لارتباط مصير ابناء تلك العائلة الافريقية وحتمية نضالهم معا من اجل التحرر والاستقلال والوحدة وانه لا بديل عن تلبية نداء التعاون حتي يمكن لشعوب افريقيا مجابهة التحديات التي كانت تواجهها واليوم وان اختلفت طبيعة التحديات لكنها زادت جسامة وتعقيدا.