الخميس الماضي اكتملت مأساة اليمن بإستقالة الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور ورئيس الحكومة بعد اقتحام الحوثيين القصر الرئاسي في العاصمة صنعاء والسيطرة بشكل كامل علي مفاصل الدولة وهو ماجعل اليمن يشهد فراغا امنيا وانسدادا سياسيا يضعه علي اعتاب فوضي سياسية وأمنية شاملة وفي الوقت الذي تبحث فيه قوي سياسية مختلفة داخل اليمن وخارجه عن حل لوقف تدهور الاوضاع تسود حالة من الشكوك وعدم اليقين حول مايمكن ان تؤول إليه االاوضاع في ظل سعي القوي المتصارعة هناك الاستفادة من الوضع الحالي خاصة أن استقالة هادي فتحت مرحلة الصراع علي الغنيمة - منصب الرئاسة - بين صالح والحوثيين، فالدولة صارت مختطفة من مليشيا الحوثيين المنتشرة في كل مكان، والجيش ممزق ويعاني من الانهيار، وحالة الفوضي جعلت المستثمرين ورجال الأعمال يهربون من اليمن، كما ان بعض السياسين يعتقد أن مجلس النواب اليمني علقت شرعيته بشرعية الرئيس هادي. حرب أهلية وفقا للمبادرة الخليجية التي علقت أيضا العمل بالدستور اليمني في وقت يغلي البلد بمؤشرات حرب أهلية كارثية قد تقضي عليه التطورات الاخيرة اوضحت أن الحوثيين صدموا باستقالة هادي المفاجئة، ولم يكونوا يتوقعون ذلك حيث كانوا يسعون بكل قوة لأن يصدر هادي قرارا بتعيين نائب له من الحوثيين، وعقب ذلك يمكن التخلص منه واستلام رئاسة الجمهورية بطريقة شرعية وانتظارا لما ستسفر عنه مباحثات البرلمان التي تأجلت أكثر من مرة، فإن استقالة الرئيس هادي وضعت البلاد في مرحلة فراغ دستوري وسياسي تهدد بفك الارتباط بين العديد من الأطراف والمركز في صنعاء وتقوي عوامل الانقسام وتفتح المجال أمام اقتتال أهلي في ظل غياب الدولة بحيث يصبح مصير اليمن بأكمله في مهب الريح ووفقا للدستور اليمني فإن علي رئيس مجلس النواب، أن يدعو المجلس للاجتماع وعرض استقالة الرئيس عليه، وفي حال الموافقة عليها بنسبة 51 % تصبح سارية المفعول، وتتولي هيئة رئاسة البرلمان سلطات الرئيس ويكون عليها الدعوة لانتخابات مبكرة في مدة لا تتجاوز الستين يومًا، وفي حال التصويت بالرفض تعاد صلاحيات الرئيس له، ولا يحق له التقدم بالاستقالة مرة أخري إلا بعد ثلاثة أشهر. التوافق وليس الأغلبية هذا الإجراء الدستوري قد لايكون بهذه السهولة؛ لأن البرلمان المنتخب في عام 2003 كان قد انتهي عمره الدستوري (ست سنوات) منذ مدة طويلة ولم يكتسب شرعية بقائه إلا من خلال اتفاق المبادرة الخليجية فبراير 2011 عقب ثورة ذلك العام، والذي قضي بأن يمدد للبرلمان مقابل أن تكون القرارات فيه بالتوافق وليس بالأغلبية، وبأن المرجع الدستوري للبلاد هو المبادرة لا الدستور والتي لها الأولوية في حال تعارضهما. وفي الوقت الذي تذهب فيه بعض التحليلات إلي القول بأن الحوثيين سيذهبون لقبول الاستقالة من خلال تدبير الأغلبية لها من كتلة المؤتمر الشعبي العام -حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح- والذي كان يملك أكثر من أغلبية الثلثين قبل ثورة عام 2011، ولا يزال يتمتع بأغلبية مريحة علي الرغم من انسحاب بعض الأعضاء منه مع الثورة، إلا أن هذا الأمر يبدو مستبعدًا لعدة اسباب منها أن القوي السياسية الأخري مثل كتلة اللقاء المشترك التي كانت الطرف الآخر في التسوية الخليجية بالإضافة إلي البرلمانيين الجنوبيين سيدفعون ببطلان الإجراء بحجة أن القرار في البرلمان هو بالتوافق حسب المبادرة الخليجية التي بموجبها يستمد البرلمان شرعيته، وهي بذلك لن تعترف بأي شيء قد يترتب عنه. وهو اتجاه ستدعمه دول الخليج وبعض الدول الكبري التي اعتبرت ما قام به المسلحون الحوثيون انقلابًا..وتأتي هذه الأسباب بالإضافة إلي الرفض الشعبي لسيطرة الحوثيين وخاصة الرفض الجنوبي لاستقالة الرئيس، مما يجعل من ذهاب الحوثيين إلي قبول استقالة هادي وبالتعاون مع صالح أمرًا مستبعدًا. صدام متوقع هذا لن يمنع حدوث صدام بين جماعة الحوثي وحليفها صالح المتهم بتسهيل الانقلاب الحوثي المسلح علي شرعية هادي وإنهاء انتقال السلطة وفقا للمبادرة الخليجية حيث يتنافس الطرفان الآن حول السيطرة علي منصب الرئاسة بعد نجاحهما في السيطرة الميدانية علي الأرض فمن المتوقع ان ينشب خلاف بين صالح والحوثيين معسعيهم لتشكيل مجلس رئاسي، ورفضهم شرعية مجلس النواب بعد أن قدم هادي استقالته إليرئيس مجلس النواب يحيي الراعي القيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح، وفي حال قبول مجلس النواب اليمني استقالة هادي سيتولي الراعي منصب الرئيس لمدة ستينيوما، ثم يدعو لانتخابات رئاسية يختار فيها الشعب رئيسا جديدا، وهذا السيناريو يخدم صالح الذي يستعد للدفع بنجله احمد قائد الحرس الجمهوري السابق للوصول إلي سدة الحكم. ويبدو أن الحوثيين فطنوا لهذا السيناريو الذي يعيد السلطة مرة اخري إلي حليفهم صالح، ورفضوا الاعتراف بشرعية مجلس النواب، وأعلنوا سعيهم لتشكيل مجلس رئاسي يتشكل من قياداتهم وقادة عسكريين وسياسيين موالين لجماعتهم كانت الكتلة البرلمانية الجنوبية ومن مختلف الأحزاب السياسية قد أعلنت مقاطعتها لجلسات البرلمان؛ تعبيرًا عن رفضها لاستقالة الرئيس التي تري أنهاجاءت تحت ضغط مسلحي الحوثي، وهو موقف ضمن موجة من الاحتجاجات الجنوبية علي الاستقالة ذهب بعضها حد إعلان انفصال الجنوب انفصال الجنوب وفي وسط هذه التطورات وتبادل الاتهامات بين الرئيس المستقيل وجماعة الحوثيين، قررت أربع محافظات جنوبية في اليمن بينها عدن رفض تلقي أوامر من صنعاء للوحدات العسكرية وقوات الأمن، بحسب بيان للجنة الأمنية. كما انضمت بعدها محافظة شبوة إلي باقي المحافظات الجنوبية الرافضة لتلقي أي قرارات من صنعاء.وهو ما يفسره بعض الخبراء كخطوة في اتجاه انفصال الجنوب وتقسيم البلاد وربما بوادر حرب أهلية، خاصة بعد سقوط العاصمة صنعاء وانهيار الأجهزة الأمنية والعسكرية وسقوطها بيد جماعة الحوثي المسلحة والتي أصبحت تسيطر علي جزء كبير من البلد ومؤسساته، وهناك توقعات أن يتراجع الرئيس هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح عن استقالتهما وإذا لم يحدث ذلك فقد تتجه الامور إلي الأسوأ وقد يسعي كل من الحوثيين وصالح إلي تعيين مجلس رئاسي أو عسكري لإدارة البلاد، ورغم ان هذا المجلس سيفتقد إلي الشرعية الا انه قد يتم اللجوء إليه لملء الفراغ الذي تركته استقالة الرئيس هادي ومع ذلك فليس من المتوقع ان يتنازل الحوثيون كأحد أكثر القوي نفوذا داخل اليمن حاليا عن المكاسب التي حققوها وسط تلك الفوضي بعد ان حدد زعيمهم عبد الملك الحوثي المدعوم من ايران أربع نقاط اساسية لانهاء الازمة منها تصحيح وضع الهيئة الوطنية للرقابةعلي نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتعديل مسودة الدستور وتنفيذ اتفاق السلم والشراكة، وإجراء معالجة أمنية شاملة واتهم الحوثي الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بحماية الفساد، وعدم الجدية في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة ودعم تنظيم القاعدة وتزويده بالسلاح. في الوقت نفسه فمن المتوقع ان تبدأ المعارك في مأرب بين مسلحي الحوثي والقبائل بعد أن صار الحوثيون يسيطرون علي أغلب محافظات شمالي اليمن، باستثناء محافظتي مأرب وتعز، واللتين يحتاج الحوثيون إلي السيطرة عليهما بأي ثمن سواء كانوا يهدفون إلي السيطرة علي كل اليمن أو علي الشمال فقط، وتمثل سيطرة الحوثيين علي محافظة مأرب اهمية استراتيجية بسبب أهميتها في مجال الطاقة، حيث تستحوذ علي مخزون البلاد الأكبر من النفط ويصدر منها النفط عبر خط صافر - رأس عيسي علي البحر الاحمروالغاز إلي منشأة بلحاف علي بحر العرب، وتوجد بها مصفاة مأرب، التي تزود البلاد بجزء لا بأس به من حاجتها للمشتقات النفطية والغاز، كما توجد بها محطة مأرب الغازية للكهرباء، وهي المزود الرئيسي للبلاد بالطاقة الكهربائية كما انها موطن لأهم القبائل السنية المقاتلة في البلاد، وتعتبر بوابة للسيطرة علي عدة محافظات، أكبرها مساحة وأغناها بالثروات النفطية هي محافظة حضرموت.. التطورات الدراماتيكية المتسارعة في اليمن أصابت القوي السياسية بصدمة لم تتجاوزها بعد في ظل هذا الانقسام الحاد.. كل التحركات حاليا بين القوي الوطنية تسير في اتجاه عدول الرئيس عن استقالته والاتفاق علي مخرج لدعم انتقال سلمي للسلطة وهي تحركات تترافق مع تحذيرات أطلقها مراقبون من خروج الوضع عن السيطرة، ولاسيما مع احتمالات ذهاب الجنوب إلي خيارات عدمية ومجهولة..وحتي يتم الوصول إلي حل يمنع تمزيق اليمن سييبقي الغموض هو سيد المشهد هناك.