عيد ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) الذي احتفل به المصريون جميعا اول من امس كان بمثابة قيامة جديدة لمصر الواحدة المتوحدة, بمسيحييها ومسلميها, والتي نفضت غبار العدوان الارهابي الاخير علي احدي كنائسها بذلك الالتفاف الاسلامي الشعبي المنقطع النظير حول العديد من الكنائس لحمايتها من غدر المخربين المحتملين, وللتأكيد أن المصريين لا يمكن التفريق بينهم ابدا, وهو ما كان الرئيس مبارك اكد عليه قبل ذلك بكثير حين اعلن بعد العدوان الارهابي علي كنيسة القديسين "ان دماء اولادنا ليست رخيصة ولن تكون وقودا لنار المخربين". في عيد الميلاد هذا اثبت حكماء مصر, وفي مقدمهم الرئيس حسني مبارك والبابا شنودة, ان ارض الكنانة رقم صعب جدا لا يمكن قسمته علي اثنين مهما كانت الاثمان عالية, بل ان ما شهدناه في قداس الميلاد في كاتدرائية العباسية في قاهرة المعز دق المسمار الاخير في نعش الفتنة التي تحيكها ايدي الغدر الكافرة في الغرف السوداء لضرب اكبر دولة عربية, وترويع كبري الطوائف المسيحية العربية, خدمة لمخطط قذر هدفه افراغ العالم العربي من المسيحيين, وتدمير جسر التواصل الحضاري بين الاسلام والمسيحية في ابهي صوره, والذي لم تستطع كل المؤامرات والازمات منذ 1400 عام ان تضعفه او تصيبه في مقتل, بل ان النموذج المصري في التعايش بين الدينين كان طوال التاريخ المنهل الذي تستقي منه الامم الاخري ابجدية الحوار الديني العقلاني المتسامح, وهذا ما جعل احد المساجد يقام, ومنذ مئات السنين, في اقدم الاديرة المصرية في الوادي المقدس حيث تتجلي فعلا مقولة "الدين لله والوطن للجميع". مصر التي قال الله تعالي فيها ادخلوها امنين, تعرف تماما ان الارهاب لا دين له, ومن اقدم علي تلك الجريمة النكراء لا يحمل من الاسلام شيئا, وهي حقيقة اكد عليها الاقباط قبل المسلمين عشرات المرات في الايام الاخيرة, لأن الجهلاء الذين باعوا انفسهم للشيطان بأبخس ثمن لا يمكن ان يكونوا مسلمين لله, ولا يمكن ان ينزعوا بين ليلة وضحاها ثوب التآخي الحقيقي بين المصريين, بل ان تلك الشرذمة الفاجرة خارجة علي كل ملة ودين, يحركها ابليس الكفر المتزين بشعارات دينية براقة, لكن الدين الحنيف براء منه ومنها الي يوم الدين. مصر تعرف ايضا ان من يريد الفتنة والانتحار لن يردعه ذاك العابد في محراب الايمان او الساجد امام مذبح السيد المسيح (عليه السلام) فقاتل نفسه اعمي البصيرة مثواه النار الي ابد الابدين, ولهذا لم يؤخذ الشعب بمسلميه ومسيحييه بجريرة الجهلاء الذين اغواهم شياطين الانس فدنسوا حرمة بيوت الله في بلد لم يميز يوما بين مسيحي ومسلم حتي تكاد لا تفرق بينهم ابدا. ما اعلنه البابا شنودة في عظة الميلاد كان مثال الوطنية والالتزام بالمصير الوطني الواحد وتهدئة روع المتحمسين من الشباب الذين فجعوا بعزيز او حبيب. هذا الموقف المتميز هو ما يجب ان يقتدي به كثيرون من رجال الدين في عالمنا العربي, ويبدلوا لغتهم رأفة بأوطانهم وشعوبهم, لأن نار الفتنة العمياء الصماء لا يمكن اخمادها الا بالعقل, والاديان كلها حضت علي استعمال العقل من اجل اكتمال الايمان.