حادثة إرهابية جديدة تضرب فرنسا بعد أيام قليلة من بداية العام تحمل في طياتها نوايا سيئة وتبعات خطيرة ستصيب المسلمين داخل وخارج فرنسا بينما لازلنا نعيش علي الكوارث التي حاصرتنا منذ هجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي ضربت أمريكا في عام 2001 والتي نتج عنها حرب مازالت مفتوحة ضد الإرهاب الذي تعددت أشكاله. وتوازيها حرب أخري علي الإسلام قديمة- حديثة وإن صح القول، حرب لن تنتهي علي صورة الإسلام الحقيقية من عالم يقدم الإسلام وفقا لنظرته الخاصة التي تخدم مصالحه. استيقظ العالم علي فاجعة فرنسية هي الأكبر منذ عقود حيث قتل مسلحان 12 شخصا من مجلة شارل إبدو التي اعتادت نشر رسوم كاريكاتيرية ساخرة للرسول (صلي الله عليه وسلم) ورموز دينية وسياسية أخري.. وإذا نظرنا للوراء سنجد أن فرنسا تكررت فيها حوادث الإساءة للمسلمين عموما كما تكررت فيها حوادث نشر مجلاتها لرسوم مسيئة عبر فترات متباعدة مما يشير إلي أن إتجاه العداء للمسلمين ليس جديدا. في الوقت نفسه تكررت فيها أيضا مظاهرات المسلمين المنددة بتلك الأفعال والمناهضة لقوانين فرنسية تعزز حالة العداء للإسلام والمسلمين لكن لم يصل الأمر أبدا إلي حد ارتكاب جرائم قتل ردا علي كراهية وعداء بعض الفرنسيين.. هذا التحول في النهج الذي يعززه الهاجس الأوروبي الذي ظهر العام الماضي مع ظهور تنظيم إرهابي جديد هو داعش التي استقطبت جيشا من الأجانب للمحاربة في سوريا والعراق والخوف من عودة هؤلاء لدولهم وارتكاب أفعال إرهابية مما دفع الدول لتشديد إجراءاتها الأمنية للحد من سفر المزيد من مواطنيها الذين تجندهم داعش والقبض علي المشتبه بهم العائدون من جبهة القتال. ومع غياب واضح لأي جهود حقيقية تزيل صفة الإرهاب عن الإسلام منذ سنوات أصبحت مسألة الانفجار متوقعة في أي وقت وفي اي مكان تعززها مشاعر الكراهية التي ظهرت بقوة عقب أحداث 11 سبمتبر في أمريكا. نظرة الفرنسيين وكي نقدم قراءة للمشهد أكثر عمقا سنجد أن آخر استطلاعات للرأي تشير إلي أن 66% من الفرنسيين يرون أن عدد المهاجرين أصبح كثيرا وأن 59% منهم لا يبذلون الجهد المطلوب للانخراط في المجتمع الفرنسي. وأن 63% من الفرنسيين يعتبرون أن الإسلام لا يتوافق مع القيم الفرنسية. بينما أشار أحد التقارير الأمنية أن 1000 من المتاجر في فرنسا تبيع كتبا تحث علي الجهاد وقتل غير المسلمين وأن 60 % من السجناء في فرنسا من المسلمين. بينما أشارت دراسة أخري لزيادة الخطاب المعادي للإسلام بنسبة 42% خلال العامين الماضيين في فرنسا حتي أنه تم التقدم بطلب للرئيس الفرنسي بتشكيل لجنة برلمانية للوقوف علي أسباب تنامي ظاهرة العداء للمسلمين في الآونة الأخيرة. تلك النظرة السلبية داخل المجتمع الفرنسي لواحدة من أكبر الجاليات الموجودة علي أراضيها وقوامها أكثر من ستة ملايين مسلم يمثلون 10% من سكان فرنسا تعطي بلا شك مؤشرا قويا علي نجاح الاتجاه اليميني المتطرف الذي يعمل منذ الثمانينات علي بث الكراهية للعرب والمسلمين داخل المجتمعات الأوروبية خاصة فرنسا وقد نجح بالفعل في خلق هذه المشاعر السلبية دون وجود شيء يذكر فما بالكم بحدوث مثل هذه الحوادث الإرهابية التي تؤثر علي العلاقات بين الشعوب وحتي سياسات الدول تجاه القضايا العربية والإسلامية فضلا عن معاناة المسلمين في دول الغرب من حملات الكراهية والعداء التي تستمر لسنوات طويلة. مقدمات مهدت الطريق وإذا تتبعنا الأخبار القادمة من فرنسا في عام 2014 سنجد أنها رتبت لوقوع هذا الحدث ووفرت تربة خصبة للإرهابيين كي يستغلوا حالة العداء للمسلمين من أجل ارتكاب حادثتهم بزعم أنها بدافع الانتقام والدفاع عن الإسلام. ففي يناير الماضي نشرت الصحف خبر هروب فتيان في الخامسة عشرة والذهاب للقتال في سوريا وفي نفس الشهر أعلن الرئيس الفرنسي عن وجود 700 فرنسي يقاتلون في صفوف داعش بينما ارتفع هذا الرقم مع نهاية العام ليصل إلي ألف شخص. وصرح وزير الداخلية الفرنسي أن من بين هؤلاء عشرات الأطفال وتوالي بعدها نشر قصص الفتيات والشباب الهاربين للقتال في داعش. أصدرت المحاكم الفرنسية أحكاما بالحبس ودفع غرامات نتيجة لمخالفة القانون الفرنسي الجديد الخاص بمنع ارتداء البرقع في الأماكن العامة والذي صدر عام 2011 في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. في فبراير الماضي تقدم عدد من المسلمين برفع دعوي قضائية ضد مجلة تشار هيبو لنشرها غلافا مسيئا للمسلمين في الوقت الذي لا يجرم فيه القانون الفرنسي سوي الإساءة للديانتين المسيحية واليهودية وصرح رئيس تحرير المجلة الذي لقي حتفه في حادث أول أمس أنه يعلم أن القضية لن تسفر عن شيء لأنه ليس هناك ما يجرم الإساءة للإسلام. وفي نفس الشهر أعلنت الحكومة الفرنسية القبض علي جهادي عائد من سوريا يدعي إبراهيم بي والذي كان يخطط لارتكاب عمليات إرهابية جنوبفرنسا. في مارس نشر موقع يدعي" منبر الجهاد" عددًا من الدعوات لشن هجمات إرهابية في فرنسا إلي جانب الدعوة لاغتيال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ردا علي العمليات العسكرية الفرنسية في مالي وإفريقيا الوسطي. كما أطلق موقع اسمه "أنا مسلم" دعوته لمقاطعة الانتخابات الفرنسية. وفي نفس الشهر أدين إلياس أبو سيد النورماندي بتهمة استخدام الإنترنت لنشر دعاية إرهابية وحكم عليه بالسجن لمدة عام والخضوع للمراقبة لعامين آخرين وهي الجريمة التي استحدثت باسم جهاد الانترنت منذ ديسمبر عام 2012 في القانون الفرنسي. وفي أبريل نشرت صحيفة لو فيجارو الفرنسية تقريرا مخابراتيا يشير إلي خطر سيطرة المسلمين علي مدارس فرنسا، وكيف أن الطلبة المسلمين ينظمون احتفالاتهم الدينية ويرتدون الحجاب في المدارس ويؤدون الصلاة وأنشطة أخري أطلق عليها التقرير اسم أنشطة لأسلمة مدارس فرنسا. وفي نفس الشهر أعلن وزير الداخلية الفرنسي عن استراتيجية جديدة لمحاربة تجنيد المزيد من الفرنسيين والمسلمين خاصة للسفر والقتال في صفوف داعش في سوريا. وقد انتقد حزب الجبهة الوطنية اليميني الخطة ووصفها بالخطوة الساخرة وصرحت زعيمة الحزب ماري لوبان بأن الدعوة للجهاد تتم علي منابر المساجد كما أن الخطة لم تقدم إجراءات صارمة ضد دول تدعم المنظمات الإرهابية مثل قطر علي حد قولها. نشرت مجلة ألمانية أن فرنسا دفعت مبلغ 18 مليون دولار لداعش من أجل الإفراج عن أربعة صحفيين فرنسيين أسرتهم منذ عشرة أشهر وهو الأمر الذي نفته فرنسا في البداية ولكن ما لبث أن نشرت صحيفة "لا باريسان" أن فرنسا دفعت الفدية لإطلاق سراح الصحفيين. في مايو نشر تقرير للجنة تابعة للأتحاد الأوروبي وصفت فيه فرنسا بأنها عاصمة الإرهاب في أوروبا لعام 2013. بعد رصد الهجمات الارهابية التي وقعت في ذلك العام وكانت 152 هجومًا وقع في 5 دول أوروبية كبري علي رأسها فرنسا التي كان نصيبها 63 هجومًا. وفي يونيو اصدرت المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان حكما بعدم انتهاك قانون منع ارتداء البرقع لحقوق الإنسان بعد دعوي رفعتها سيدة مسلمة باعتباره أمرا ينتهك الحريات الشخصية وحقوق الإنسان. وفي أغسطس نشرت نتائج صادمة لاستطلاع رأي جاء فيه أن 15% من الفرنسيين يؤيدون داعش وأن 27% منهم يحملون آراء إيجابية تجاهها وأن غالبية المؤيدين للتنظيم من الشباب. وفي نفس الشهر ألقت الشرطة القبض علي فتاتين في 17 من العمر وهما تخططان لتنفيذ هجوم إرهابي وثبت أنهما تعرفا علي بعضهما البعض عبر صفحات التواصل الاجتماعي. وفي سبتمبر منع مهندس مسلم من دخول المواقع النووية الفرنسية بدعوي علاقته بمنظمات جهادية متطرفة في القضية التي سجلت باعتبارها إسلاموفوبيا. كما رصدت الصحف اعتذار أستاذة في جامعة السوربون لطالبة مسلمة بعد أن سخرت من حجابها في بداية محاضراتها وأخبرتها بان حجابها سيسبب لها الكثير من المتاعب وبعد رفض الطالبة خلع الحجاب طردتها خارجا. وفي نوفمبر نشر مقاتلون فرنسيون في داعش مقطع فيديو يحثون فيه مسلمي فرنسا علي الجهاد ودعوهم لقتل الفرنسيين. وصدر الحكم في نفس الشهر بالسجن 7 سنوات علي أول جهادي عائد من داعش إلي فرنسا ويدعي فلافين موريو 28 عاما..وفي ديسمبر اختتم وزير الداخلية العام بحصاد لانجازات الامن الفرنسي الذي نجح في افشال خمس هجمات ارهابية وان عدد الفرنسيين المقاتلين في صفوف داعش ارتفع ليصل إلي 1200 شخص بينما قتل 60 فرنسيًّا في المعارك. وان 185 مقاتلا عادوا بالفعل إلي فرنسا. وان ثلث الجهاديين الذين يسافرون لداعش من الذين يعتنقون الإسلام حديثا. وفي العشرين من ديسمبر هاجم إفريقي مركزًا للشرطة وجرح ثلاثة شرطيين قبل أن تقتله وكان يصيح الله أكبر وأشارت التحريات فيما بعد أنه كان مؤيدا لداعش. رواية "خضوع" قبل أيام قليلة صدرت في فرنسا رواية "خضوع" للكاتب الفرنسي ميشيل أوليبيك والتي أثارت جدلا واسعا في وسائل الإعلام لما تحمله من عداء تجاه المسلمين وتعزيز للاتجاه اليميني المتنامي في أوروبا الخاص بالاسلاموفوبيا. حيث قدم في روايته رؤية للمستقبل في ظل انتشار الإسلام في فرنسا عام 2022 وسطوع نجمه في مختلف المجالات السياسة والاجتماعية وكيف تحولت فرنسل لبلد متأسلم تدرس القرآن في جامعاتها للطلاب وتجبر النساء علي ارتداء الحجاب وتسمح للرجال بالزواج من أكثر من زوجة. ويكمل الكاتب الرواية بالاشارة إلي أن فرنسا تواصل انهيارها وكيف أن الاحزاب اليمنية واليسارية اجتمعت من اجل انتخاب محمد بن عباس في جولة الإعادة مع زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان. وكيف سيقبل الشعب الفرنسي المخدر الفاسد المحتل الجديد ويتعايش مع فرنسا المتأسلمة الجديدة. واعتبر عدد من النقاد أن العمل يبعد عن كونه عملا أدبيا ويحمل اتجاها سياسيا واضحا بينما وصف بأنه أفضل هدية يمكن أن تحصل عليها زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف ماري لوبان التي تعادي العرب والمسلمين والتي تعد من المنافسين بقوة في انتخابات الرئاسة الفرنسية التي ستجري عام 2017. مسلمو فرنسا بدأت موجات الهجرة العربية إلي فرنسا بعد الحرب العالمية الأولي نظرا لحاجة فرنسا إلي الأيدي العاملة, وكان أغلبهم من دول شمال أفريقيا خاصة الجزائر والمغرب وتونس ومع تزايد عدد المسلمين في فرنسا أصبح الإسلام الدين الثاني في البلاد ويطلق علي فرنسا بأنها بلد الألف مسجد ويعد مسجد باريس الذي أنشئ عام 1930 اول مسجد بني في فرنسا ومن أكبر المساجد الموجودة في اوروبا. وينتشر المسلمون في معظم المدن الفرنسية خاصة في مدينة باريس وضواحيها, وفي مدينة مرسيليا التي وصفها البعض في أوروبا بانها أخطر مدينة متأسلمة في أوروبا، ويوجد العديد من الجمعيات والهيئات الإسلامية في فرنسا ويصل عددها إلي 1500 منظمة تشمل المساجد والمراكز التي تقدم خدماتها للمواطنين وتنظم أنشطة للتعريف بالدين الإسلامي ومحاربة الأفكار المتطرفة خاصة بعد ربط الإسلام بالإرهاب في الكثير من المجتمعات الغربية نتيجة لوجود منظمات ارهابية تطلق علي نفسها صفة "إسلامية". بين حرية التعبير والإساءة منذ أن نشرت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية رسوما كاريكاتيرية مسيئة للرسول (صلي الله عليه وسلم) عام 2005 وموجة الغضب العارمة التي اجتاحت العالم الإسلامي وحملات المقاطعة التي تبنتها الدول الإسلامية اعتراضا عليها ثارت قضية الحكم علي هذه الرسوم باعتبارها عملا إبداعيا لا يخضع لأي معايير وأن مصادرة حق الفنان في التعبير هي مصادرة للحرية.. ونتيجة لذلك وتضامنا مع حرية الفكر والإبداع قامت عدة صحف بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية أكثر من مرة حتي يومنا هذا ومنها صحف ألمانية وصحف فرنسية ونرويجية. رغم ما تتسبب فيه من ألم واثارة لغضب المسلمين حول العالم والذي ينتج عنه أعمال عنف في بعض الأحيان تصل لحد إحراق سفارات أجنبية واستهداف للأجانب. بينما تعددت أشكال الإساءة للإسلام والمقدسات الإسلامية بين رسوم كاريكاتيرية وأفلام تسخر من المسلمين وأخري تحرض علي محاربتهم دون أن يصدر فعليا حتي الآن أي قانون يجرم تلك الأفعال علي عكس ما حدث فيما يخص قانون معاداة السامية الذي أصبح منتشرا في معظم الدول الآن. ولكن هذا لا يبرر مطلقا اللجوء إلي العنف أو قتل من يرتكبوا مثل هذه الأفعال فالتحرك الإسلامي والعربي الصحيح يكون في اتجاه التعريف بصورة الإسلام الحقيقية والعمل علي إصدار قانون دولي يجرم ازدراء الأديان ويتم العمل به في كل الدول.