فرحتي اليوم باستئناف كتابة مقالي الأسبوعي لا تعادلها فرحة أخري وخاصة بعد توقف دام قرابة الشهرين بسبب المونديال الله يجازيه ، و لأن كتب التاريخ تستهويني بشدة فقد اخترت أن أكتب اليوم عن كتاب جديد يتناول كنوز القاهرة التاريخية للكاتبة المبدعة نجوان محرم، الكتاب يستعرض باستفاضة مختلف الآثار التاريخية بالقاهرة كذلك الخلفية التاريخية الكاملة للأسماء التي اقترنت بها .. كمحمد بك أبو الذهب صاحب المسجد الذي يحمل اسمه و يلاصق الأزهر الشريف ، فقد كان مملوكا لعلي بك الكبير و كان لا يضع في جيبه إلاّ ذهبا و لا يمنح الناس عطية أو صدقة إلاّ الذهب و لهذا سمّي أبو الذهب .. كذلك السلطان أبو العلا و الذي لم يكن بسلطان ، و إنما منحه محبوه هذا اللقب لأنه كان صوفيا زاهدا ، عاش قرابة المائة و العشرين عاما وقضي منهم الأربعين سنة الأخيرة في خلوة متواضعة من البوص صنعها لنفسه في نفس المكان الذي يقع به المسجد الآن في بولاق أبو العلا و قد دفن فيها ، أمّا المسجد نفسه فقد بناه السلطان المملوكي قايتباي حيث كان محبا لأولياء الله الصالحين و كان في الأصل مملوكا للسلطان الظاهر ثم أعتق و لم يزل يترقي حتي بويع سلطانا و له مسجد يحمل اسمه بقرافة المماليك .. و هناك سبيل أم عباس و الذي أمرت ببنائه لوجه الله والدة عباس حلمي الأول .. و هناك الكنيسة المعلقة و التي هي درّة الآثار القبطية و أقدم كنيسة في العالم أقيمت بها شعائر الدين المسيحي ، و قد بنيت أوائل القرن الخامس الميلادي فوق ثلاثة من أعمدة حصن بابليون والذي أقامه الفرس قبل الميلاد في عهد قمبيز.. و هناك جامع السلطان الغوري الجركسي الأصل والذي كان في الستين من عمره عندما استقبل خبر توليه حكم مصر بالدموع، ولكن لم يحكم إلاّ خمس سنوات لقي حتفه بعدها وهو علي رأس جيشه في معركة مرج دابق في سوريا ضد العثمانيين ، و لم يعثر لجثته علي أثر وقد مني بخيانات عديدة من المماليك، أشهرها خيانة خاير بك و الذي أسماه المصريون خاين بك .. هناك أيضا كوبري قصر النيل و الذي أمر ببنائه قبل أكثر من مائة و أربعين سنة الخديو إسماعيل ليكون أول كوبري يقام علي نهر النيل من المنبع حتي المصب ، و مما يذكر أيضا للخديو إسماعيل أنه هو الذي أمر ببناء حديقة الأسماك في القاهرة علي مساحة أكثر من تسعة أفدنة ، لتكون أول حديقة من نوعها في الشرق الأوسط .. و هناك مسجد السلطان المؤيد و الذي جاء صاحبه إلي مصر عبدا مملوكا لأحد تجار الرقيق ثم أهداه التاجر إلي السلطان برقوق و بعد أحداث جسام تولي الفتي حكم مصر ، كم كنت أتمني أن يتسع المجال لسرد المزيد .. كل الشكر للكاتبة الأستاذة نجوان محرم علي المجهود الذي بذلته لإخراج الكتاب بهذا الشكل الممتع .. حكمة اليوم: لا أعلم ماذا يخبئ لي الغد و لكني خبّأت له حسن ظنّي بالله ..