ما إن بدأت حملات الانتخابات الرئاسية في السخونة النسبية حتي استصحبت معها تساؤلات وتقولات خرجت بتصريحات المشير السيسي في لقاءاته الأخيرة عن سياقها، وتنكبت بها سبلاً للقلق والتحسب من توجهات شمولية تخرج الدولة الديمقراطية الحديثة من حسابات المستقبل ودوائر الاحتمال. وككل المهمومين بالشأن العام حاصرتني أسئلة الصحفيين والإعلاميين من الجرائد والبوابات الإلكترونية والمواقع الإخبارية، ولم تكن في أغلبها بعيدة عن الاستهداف والغرض، بتعمد القراءة الخاطئة للتصريحات وتأويلها علي محمل يخالف كل ماعهدناه من ممارسات الرجل ومواقفه الوطنية واحترامه للقانون وطموحه لاستعادة كيان الدولة المصرية باستنهاض الهمة واستحضار روح التحدي لدي أبناء الأمة. ولاحظت أن البعض تعامل مع مقولات الرجل بتعسف والتواء. ركزت الأسئلة علي تصريحات السيسي الضمنية ضد المستثمرين، وأنه يتوجه ناحية القطاع العام علي حساب القطاع الخاص، وأنه وصف بعض التجار بالمافيا والمحتكرين، وأنه في سبيل دعم الفقراء سيعيد هيكلة الاقتصاد علي حساب القادرين، وأنه سيعتمد آليات موازية لحماية الأسواق، وبأن كلماته تعبر عن رؤية متشددة لمفهوم "الدولة المتدخلة" لإعادة التوازن لآليات السوق الخارجة عن السيطرة، وأنه لايري الديمقراطية علي مرمي البصر، وإنما بعد عشرين عاماً، وعلي هذا المنوال جاءت معظم الأسئلة، ألم تسمعه يقول لإبراهيم عيسي: لن أسمح لك تقول كلمة عسكر مرة أخري، أو يوجه كلماته للميس الحديدي: أنا عارف أنا باعمل إيه بالضبط.! أو يوجه رؤساء تحرير الصحف إلي عدم انتقاد المسئولين. وأنه وأنه..، وكأن هولاء الناس تابعوا لقاءات للسيسي غير التي تابعتها بشغف واهتمام، وكأنهم قرأوا مالم تستطع قريحتي السياسية أو ذائقتي النقدية أن تقرأه وتعيه. والحال أني لم أعتد متابعة السياسة إلا بمنطق العلم ومنهجه، ولم أترك شاردة أو واردة فيما يقال من كلام المرشحين إلا وأخضعتها لمعايير النقد العلمي وأسس التنظير السياسي، وما كان لمثلي أن يكون درويشاً في زفة دون وعي وإدراك لمسئولية تأييد الرجل والدعوة لانتخابه رئيساً للجمهورية دون سواه. لقد تابعته بعين اليقظة، وما كنت أتردد عن نقده إذا ماخرج عن دوائر تصوراتنا الوطنية ومعاييرنا الموضوعية التي أيدناه بسببها وتوسمنا فيه القدرة علي الوفاء بمتطلبات القيادة واحتمالات المرحلة. إذن هي أفاعيل المتربصين، والمتصيدين "واللابدين في الدرة، وتضاف إلي ما اجترحه المغرضون من تدليس علي الناس بالتلاعب في رمزه الانتخابي "النجمة، فجعلوها مرة سداسية كما نجمة داوود للإساءة إلي الرجل والنيل منه، ومرة حاولوا بلبلة أفكار البسطاء من أهالينا الطيبين، فوضعوا النسر الذي هو رمز منافسه بجانب صور السيسي، أو طبعوا ملصقات بعنوان "السيسي نسر العرب" لترسيخ ارتباط شرطي بين السيسي والنسر، لصالح منافسه الذي بدأت حملته في التحرش بتاريخ الرجل والتقليل من بطولته والتشكيك في مواقفه. وكلها مواقف لن تجدي ولن تصمد أمام إصرار شعب وإرادة أمة في لحظة فارقة في تاريخنا المعاصر. وإذا ما أعملنا معايير العقل مع ماقاله السيسي وماصرح به، فلن تصمد تقولات البعض وادعاءاتهم. أولاً السيسي لم يتحدث أبداً في كل ماصدر عنه بضمير "الأنا" المتضخمة كما الآخرين، هو دائماً يستصحب معه الشعب في كل ما ينتوي عمله، وثقته في الله دائماً ثم الشعب الذي استدعاه للمهمة التاريخية، وهو الذي قال إن ضمانة الديمقراطية هو هذا الشعب العظيم الذي خرج من قمقم الاستسلام والاستكانة والطاعة إلي فضاءات الثورة والتمرد والحرية، وإذا طلب مني أن أترك الرئاسة فلن أرد له طلباً، هذا ما قاله السيسي، وهو الذي قال نصاً لرؤساء تحرير الصحف إننا نحتاج عشرين عاماً حتي نصل للديمقراطية الكاملة الموجودة في الخارج، وأنه لا تسامح مع الفساد، وقال: "مافيش مافيا هتعمل معايا" رداً علي من يتهمونه بتمسح مافيا المصالح من بقايا نظام مبارك في حملته الانتخابية، وهو الذي قال بأن الدولة ستعد المشروعات وتطلب من المستثمرين المشاركة بهامش ربح معقول، وهو الذي صرح بأنه لاعودة عن مشاركة القطاع الخاص في التنمية مع التزامنا بالحفاظ علي القطاع العام الذي حمي الفقراء والعاملين قبل وأثناء حرب أكتوبر. وهو الذي يحترم جيشنا الوطني ويرفض وصفه بكلمة العسكر التي هي مرادف للإنكشارية العثمانية والمماليك والمرتزقة من غير المصريين، علي خلاف قواتنا المسلحة، وما كلماته لإبراهيم عيسي إلا من عشم القائد في مثقف وطني عرفه عن قرب أثناء الثورة، ثم رؤية السيسي لدور الدولة هي رؤية طموح تعمل علي إعادة رسم توجهاتها لخدمة المواطنين وتخفيف أعبائهم، فقد انتفي دور "الدولة الحارسة" والرخوة وعلينا تأكيد دور "الدولة الفاعلة" من أجل المستقبل. ياسادة: هذا هو مفهوم السيسي للدولة، فحاسبوه باعتباره قائداً واعياً، ليس من مهامه التنظير السياسي، كما يتصور البعض.