ماذا جري للناس ؟ لايكاد يمر يوم دون أن نسمع عن مشاجرات تستخدم فيها الاسلحة النارية والسنج والمطاوي والسيوف ويسقط فيها قتلة ومصابون ..!! لماذا تغيرت اخلاقياتهم وساءت معاملتهم لبعضهم؟ لماذا يسيطر عليهم الغضب وانفلات الاعصاب بهذه الصورة؟ ولعل المشاجرة التي شهدتها منطقة معروف بوسط القاهرة بين اصحاب المحلات بسبب السيطرة علي شوارع المنطقة وراح ضحيتها احد العاملين رب اسرة خير دليل علي ذلك. وقد طرحت هذه المشاجرة بخلاف تغير اخلاقيات الناس وطباعهم العديد من التساؤلات لعل اهمها اين الامن والامان في الشارع المصري؟ اين الدوريات والاطواف الامنية وشرطة النجدة وغيرها من مسميات الامن المنوط بها الانتشار والتواجد في الشوارع؟ واين القوانين الرادعة التي تمنع من تكرار مثل هذه المشاجرات التي تتسبب في ترويع الامنين من الاهالي؟ توجهنا بكل هذه الاسئلة الي اللواء اسماعيل الشاعر مساعد أول وزير الداخلية مدير امن القاهرة وسألناه: هل يفتقد الشارع المصري للامن ورجال الامن ؟ قال اللواء اسماعيل الشاعر: بداية يجب ان نلفت الانظار الي ان اخلاقيات الناس وطباعهم تغيرت بصورة ملحوظة في السنوات الاخيرة فنجد مثلا حوادث القتل التي تقع لاسباب تافهة قد زادت نسبتها وكذلك اذا رجعنا لاسباب المشاجرات وزيادتها تجدها اسباب تافهة فهي عادة تبدأ بمشادة كلامية للخلاف علي امر ما وفي معظم الاحيان يكون هذا الامر بسيطا يمكن حله واحتواؤه عن طريق تدخل الكبار من اهالي المنطقة وشيوخها وحكمائها كما كان يحدث في الماضي .. ومن المستحيل ان تعين وزارة الداخلية شرطيا لكل مواطن .. أما عن الامن والامان في الشارع المصري فهما متواجدان بالفعل وللعلم فإنه تم تشكيل مجموعات المرور الامنية كل مجموعة برئاسة ضابط من الادارة العامة لمباحث القاهرة ومعه اربعة افراد من الشرطة السريين وهذه المجموعات تتولي المرور بدوائر الاقسام وضبط حالات الاشتباه وقضايا السرقات وكل ماهو مخالف للامن العام. بالاضافة الي ضباط مباحث الاقسام بالاضافة الي الدوريات الامنية والاطواف المترجلة ومعظم هذه المجموعات والدوريات ليست ثابتة انما مترجلة تجوب المنطقة ويمكن ان تحدث مشاجرة في وقت ما في غير تواجد الدوريات او تواجدها في مناطق اخري. مشاجرة »معروف« ويضيف اللواء الشاعر ان المشاجرة التي وقعت احداثها في منطقة معروف بوسط القاهرة استخدم فيها سلاح مرخص وفور ابلاغنا بالواقعة انتقلت اليها كل القيادات وتم السيطرة عليها وضبط الاسلحة والمتشاجرين وقد احيل كل المتهمين الي النيابة المختصة التي تولت معهم التحقيق. وأضاف اللواء الشاعر انه تم إغلاق المحلات التي شارك أصحابها في المشاجرة بالتنسيق مع محافظ القاهرة كجزاء إداري وأمني لمعاقبة أصحاب هذه المحلات. وعن اسباب العنف في الشارع المصري وانفلات اعصاب المواطنين وعدم القدرة علي تحمل الاخرين وغياب التسامح والمودة مما يتسبب في كثرة الجرائم والمشاجرات يقول الدكتور شريف عوض استاذ علم الاجتماع بآداب القاهرة ان الخلل الذي اصاب الاسرة المصرية هو انهيار الاخلاقيات .. فالعنف بين الازواج اصبح علنيا كما ان الاسرة لم تعد تمارس دورها في اعداد الاجيال القادمة بسبب انشغال الاب والام بتوفير نفقات المعيشة .. ولا ننسي دور الاعلام فالاعلام متهم ايضا حيث اصبحت البرامج الحوارية ساحة للمعارك وتغيب عنها ثقافة التسامح واكبر دليل علي ذلك ماحدث في البرنامج الرياضي الشهير منذ فترة عندما تلفظ الضيف بالفاظ خارجة عن لاعب بالزمالك. فماذا ننتظر بعد ذلك؟! اضف الي ذلك الظروف الاقتصادية والازمات والمعاناة التي يعيشها المواطن للحصول علي لقمة العيش والتي تنعكس علي سلوكيات الفرد هذه الاسباب السابقة خلقت الانانية داخل المجتمع والانانية في التفكير تؤدي الي طريق مسدود فالمواطن المصري انغلق علي نفسه لتلبية احتياجاته هذا بالاضافة الي غياب قضية قومية يلتف حولها المصريون ويبذلون في سبيلها كل غال ونفيس ولكن الفردية والنزعة المادية هي المسيطرة علي العقول الان. غياب القدوة ويضيف الدكتور شريف عوض ان مايعيشه الشباب من حالة اليأس والاحباط وحالة الطموح الغائب وايضا غياب القدوة كل هذا يؤدي الي ظهور حالة من عدم الرضا وكذلك الاتجاه الي العنف كرد فعل لتلك الضغوط التي تمارس عليه .. ولا يجب ان ننسي دور الدين فلابد من تطوير الخطاب الديني واعادة صياغته ليقدم رسالة مرتبطة بالواقع الذي نعيشه لكنه الان معزول عن الواقع والمجتمع وبالتالي لا يؤثر فيه والمسئولية هنا تقع علي الازهر وعلي الاوقاف . التلوث السبب اما الدكتور احمد عبد الله مدرس الطب النفسي بجامعة الزقازيق فيري ان التلوث الذي يتعرض له المواطنون سببا رئيسيا في انتشار ظاهرة العنف في الشارع المصري .. فالمصري يآكل التلوث ويشرب التلوث ويستنشق التلوث فضلا عن الضغوط النفسية والاجتماعية فغياب تطبيق القانون والعدالة القانونية يؤثر علي سلوك الفرد ويدفعه للعنف وكذلك الفقر والفوارق الكبيرة بين الطبقات والبطالة وتأخر سن الزواج .. ولا ننسي دور الاعلام الذي يجب ان يتسلح بالوعي في فهم المشكلة ويعمل علي مناقشتها ويساهم في حلها. وتقول الدكتورة عزة كُريم استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية انه مما لا شك فيه اننا نتعرض لعنف من نوع جديد ظهر في المجتمع المصري بكل طوائفه وعلميا العنف لا يأتي من فراغ ولكنه رد فعل لظروف واوضاع عديدة اجتماعية واقتصادية وسياسية فقد حدثت تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة سببت معاناة لمختلف الفئات بداية من الطفولة حتي الكهولة فالطفل يتربي في ظل خلافات بين والده وامه مع انعدام الاخلاق سواء في المنزل او في المدرسة او وسائل الاعلام بدلا من ان يتعلم التسامح وحب واحترام الاخرين ومن شب علي شئ شاب عليه. وتضيف الدكتورة عزة كريم ان ظاهرة انعدام الاخلاقيات في المجتمع تحدث نتيجة للشعور العام لدي المصريين بالاحباط ومشكلة البطالة والتي تؤدي بالتالي الي تأخر سن الزواج .كما ان غياب ظاهرة الكبير »كبير المنطقة او كبير العائلة« سببه انهم اصبح لديهم معاناتهم الخاصة بهم بالاضافة الي معاناة ذويهم وبالتالي مصطلح الانانية او الانغلاق علي الذات هوالسائد واضافت انه من الاسباب ايضا غياب العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي ولابد من تدخل الدولة لتقوم بدورها لتحقيق العدالة الاجتماعية. دور الاعلام ويري الداعية الاسلامي سعد الدين فاضل أن مشكلة تدني اخلاق المصريين والعنف الذي يسيطر علي الشارع المصري السبب فيها هو الاعلام وضغوط المعيشة .. زمان قبل ظهور التليفزيون كان يوجد ما يسمي بجلسة العيلة يتحدث الجميع فيها عن مشاكلهم اما الان فلم تعد هذه الجلسة موجودة فالجميع مشغولون امام التليفزيون او الانترنت وذلك اثر سلبا علي العلاقات الاجتماعية بين الناس فلم يعد هناك " كبير العيلة " ولم يعد هناك قدوة فالجميع اصبحوا مشغولين بما يسمي بالبحث عن لقمة العيش فالمواطن الان يبحث عن عمل اضافي ليتمكن من تغطية نفقات المعيشة كما ان المسلسلات اوجدت حالة من السخط العام وعدم الرضا عن الوضع الحالي فيما نراه في المسلسلات من قصور فخمة وسيارات فارهة ونساء جميلات كل ذلك يؤثر علي المواطنين فالجميع يشتهي هذه الملذات فيبحث عن مصدر دخل اخر ولا يكون هناك وقت لاسرته وهنا يحدث التفكك الاسري . واضاف ان من ضمن الاسباب ايضا غياب الوعي الديني فالامام في المسجد انشغل عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للبحث عن لقمة العيش.. فخطبة الجمعة مثلا نادرا ما ترتبط بالواقع الذي يعيشه الناس فمثلا يتحدث الامام عن مناسبات دينية دون ربطها بقضايا مجتمعية فانفصل عن الناس واصبح في برجه العاجي ولابد من تدخل وزارة الاوقاف وتفعيل دورها في رقابة الائمة ومتابعتهم وقبل ذلك يجب تفعيل دور المؤسسات سواء كانت مدارس او نوادي او مساجد وتجديد الخطاب الديني واعادة النظر في دور المدرسة التربوي لاصلاح الاخلاقيات ثم نتجه لدور الاعلام فلابد من توجيه السياسة الاعلامية لما فيه خير الامة وضرورة عمل (فلترة) لما يتم تقديمه.