ما زال يدرك أن تخفيف المعاناة عن المرضي الفقراء أسمي مافي الوجود ..بحيوية الشباب وأصالة وحكمة العلماء توجه مبكرا- كعادته- لمعمل الأبحاث داخل مركزه الفريد بالمنصورة ليعزف داخله سيمفونية البحث الطبي كأساطين الطب المصري القديم .. فور خروج عالم مصر الكبير د. محمد غنيم كان اللقاء لإجراء هذا الحوار الذي حدد فيه رؤيته الثاقبة لما يجب علي الرئيس القادم لمصر القيام به خلال المائة يوم الأولي من حكمه للتأسيس لمرحلة جديدة من تاريخ الوطن ينشدها الجميع مرحلة استقرار وتنمية ومواجهة للمشاكل المزمنة والمعقدة بما يحقق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو. تؤرقه قسوة ومعاناة المواطن البسيط في حياته اليومية - بنفس القدر الذي تؤرقه معاناة المرضي- فأصبحت قضية العدالة الاجتماعية شاغله الشاغل لإيمانه منذ مشاركته بفاعلية في الشأن العام بأن ثمار التنمية يجب أن تنعكس أولا علي هؤلاء البسطاء المنتشرين في ربوع مصر. وفي هذا الحوار يؤكد أنه لاأحد يتوقع أن يتم تغيير نوعي وجذري في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال المائة يوم الأولي من حكم رئيس مصر القادم لكنها ستعكس بالتأكيد توجهاته وإستراتيجيته وأهدافه وتؤسس لما بعد ذلك.. من هنا تكتسب تلك الفترة أهميتها ويجب علي الرئيس أن يدرك ذلك جيدا كي يكتسب قاعدة سياسية بين جماهير الشعب . مطلوب حكومة حرب تتصدي للمشاكل العاجلة رضاء الشعب عن الرئيس سيتوقف علي قراراته الأحزاب ضعيفة ولا تستطيع تشكيل قاعدة سياسية نحتاج مفوضية خاصة للمياه .. وتفعيل الدبلوماسية الشعبية في أزمة النيل ضروري يجب إعادة صياغة قانون التظاهر مصر في حاجة ماسة للطاقة الشمسية وليست النووية في البداية قلت للدكتور غنيم.. المائة يوم الأولي من حكم أي رئيس منتخب تكون دائما محل الاهتمام الكبير.. فهل تري أنها كافية للحكم علي أداء الرئيس؟ لا يتوقع أحد بالقطع أن تشهد المائة يوم الأولي تغييرا جذريا ونوعيا في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية لكنها تعكس توجهات النظام وفكره وإستراتيجيته وأهدافه وتؤسس لما بعد ذلك.. من هنا فإن تلك الفترة تكتسب أهميتها البالغة .
حكومة حرب إذن ما الذي ينبغي علي رئيس مصر القادم البدء به خلال تلك الفترة؟ ينبغي أن يقوم بإلغاء قانون التظاهر وإعادة صياغته بشكل أكثر موضوعية ليكون قابلا للتطبيق.. وأن تتوجه الجهات الأمنية في حال اعتراضها للقاضي وليس طالب التظاهر. كما ينبغي عليه تشكيل فريقه الرئاسي سواء التنفيذي أو الاستشاري ..وعليه ألا يلجأ إلي أهل الثقة بل يجب أن يحرص علي الاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة في مختلف القطاعات. كما يجب أن يحرص الرئيس علي أن يكون التشكيل الوزاري قادرا علي تحقيق مايتم تكليف الحكومة به.. وهنا فإن مصر في حاجة إلي أن يكون هذا التشكيل مبنيا علي مقترح الراحل الدكتور إبراهيم شحاتة وهو أن يختار الرئيس رئيس الوزراء ومن يشغل الوزارات السيادية الاربع الخارجية والداخلية والدفاع والعدل وأن تكون الوزارة مصغرة قائمة علي عصب رئيسي لتكون في الواقع بمثابة وزارة حرب. وأن يكون هناك نائب رئيس للوزراء للشئون الاقتصادية يشرف علي كافة الوزارات التي تضم تلك الانشطة كوزارات المالية والتخطيط والاستثمار وهذا يضمن في ذات الوقت سياسة موحدة لهذا القطاع. وأن يكون هناك نائب لرئيس وزراء لشئون التعليم تتبعه وزارات التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي وآخر لشئون الطاقة تتبعه الكهرباء والبترول والغاز .. إلخ . ولكن لماذا تكون الوزارة مصغرة ؟ هذا يضمن التركيز علي مواجهة المشاكل الرئيسية والحيوية كالمشاكل الأمنية والمياه والطاقة والوصول للنتائج المرجوة في مواجهتها. وماذا عن الفريق الاستشاري للرئيس القادم؟ الفريق الاستشاري يجب أن يشكل من خارج الجهاز التنفيذي وألا يتعاطوا أجرا لتكون لهم الحرية المطلقة في إبداء الرأي والمشورة للرئيس دون ضاغط.
تغيير العقيدة الأمنية الملف الأمني من الملفات الشائكة في ظل تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية.. فكيف تري التعامل مع هذا الملف الذي بات يؤرق الجميع؟ أهمية هذا الملف لاتخفي علي فطن.. وجهاز الشرطة مطالب بتغيير عقيدته الأمنية ويحتاج في ذات الوقت إلي دعم مادي من جميع أجهزة الدولة بما يوفر له مايحتاجه من إعادة التسليح ولتكون ضرباته استباقية تجاه كل من يحاول زعزعة استقرار الوطن . وماذا عن العدالة الانتقالية ؟ لم نتقدم خطوة واحدة في أي من مقوماتها الأربعة وهي : المكاشفة والمحاسبة والمصالحة والتعويضات . فالمكاشفة تستلزم إجراء تحقيقات موسعة بواسطة هيئة قضائية متخصصة بمشاركة منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان. فأحداث بورسعيد وماسبيرو وغيرها ما زالت محاطة بالغموض. كما أن العدالة الثورية تستلزم دوائر متخصصة للبت الناجز في قضايا العنف والتخريب للإفراج عمن تثبت براءتهم وردع المتهمين الحقيقيين.
الإصلاح الضريب وهل بإمكان الرئيس القادم أن يؤسس لمجتمع العدالة الاجتماعية خلال تلك الفترة الوجيزة في بداية حكمه؟ بالقطع نعم.. بل من الضروري وضع الأساس الذي سيتم البناء عليه في تلك القضية المصيرية لكن لايتصور أن تسود تلك العدالة خلال مائة يوم. وما الآليات والإجراءات التي يمكن أن تساهم في التأسيس للعدالة الانتقالية؟ أولا: لابد أن تؤول كافة الرسوم لخزانة الدولة كرسوم التقاضي والمرور والمحليات.. إلخ . وثانيا: لابد من إلغاء دعم الطاقة للصناعات كثيفة الاستهلاك وهي: (الأسمنت والسماد والحديد والسيراميك).. لأن دعم هذه الصناعات لايعود علي المواطن العادي بأي نفع لأنها تباع بما يعرف بالأسعار العالمية.. كما يتم تصديرها دون أي اعتبار لاحتياجات المستهلك المصري. ثالثا: الإصلاح الشامل للنظام الضريبي بإصدار قانون للضرائب التصاعدية متعددة الشرائح وأن تكون الضريبة علي الانشطة الاقتصادية متباينة وفق دورها في التنمية وضرورة فرض ضريبة علي الأرباح الناجمة عن انتقال الملكية عبر سوق المال علي أن يتزامن مع ذلك إصلاح مصلحة الضرائب لتحقيق الحصيلة بشكل ميسر ومحكم باستخدام الآليات الحديثة مع اعتبار أن التهرب الضريبي جريمة مخلة بالشرف لاتسقط بالتقادم. رابعا : تحديد الحدين الأدني والأعلي للدخل في الحكومة والقطاع الخاص وقطاع الأعمال دونما استثناء.
مفوضية للمياه ملف المياه من الملفات الشائكة أيضا والمرتبطة بالأمن القومي للبلاد.. فكيف يمكن مواجهة المخاطر التي تواجهنا في هذا الملف الاستراتيجي؟ هذا الملف يشتمل علي عناصر متعددة ويحتاج لمنظومة متكاملة للتعامل معه فهناك الملف السياسي والتفاوض مع دول حوض النيل علي أن يكون للدبلوماسية الشعبية دور في هذا الصدد لما حققته من نجاح سابق. كما يستلزم إصدار قانون صارم لمواجهة تلويث مياه النيل وآخر لتنظيم الدورة الزراعية.. وتشجيع الابحاث العلمية الجادة فيما يختص بالمياه الجوفية واصطياد السحب وتحلية مياه البحر وهذا يحتاج إلي مفوضية خاصة تكون مسئولة مسئولية مباشرة أمام الرئيس .
الطاقة الشمسية وماذا عن ملف الطاقة؟ لامناص عن الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة الطاقة الشمسية وليست النووية فإذا علمنا أن هناك قري في ألمانيا تعتمد علي الطاقة الشمسية فإن الأمر في مصر بالقطع يبدو حتميا خاصة في ظل توافر سطوع الشمس.. كما أن الأبحاث الجارية تحقق المزيد من كفاءة الطاقة الشمسية باستخدام علوم النانو تكنولوجي. ويجب عدم إصدار تراخيص للمنازل الجديدة إلا بعد سداد رسوم إنشاء خزان شمسي فوق المبني عاما كان أو خاصا. علي أن يتم نشرها تدريجيا في المباني القديمة علي أن تصبح المحطات الحرارية بمثابة إحتياطي وبذلك يمكن تجنب المخاطر الناجمة عن المحطات النووية. وهل الرئيس الجديد سيكون في حاجة إلي الإعلان عن مشروعات قومية يسعي لإنجازها؟ نعم .. وبالقطع سيعلن عن عناوين ودراسات جدوي لمشروعات قومية وأعتقد أن هناك مشروعين هامين في هذا الصدد. الأول: التنمية في محور قناة السويس شرقا. الثاني: التوسع الزراعي الأفقي في الشمال الغربي وهناك دراسة للدكتور عبد السلام جمعة عن ال600 ألف فدان التي تقع بدءا من غرب مدينة الحمام وتحتاج ملياري متر مكعب من مياه النيل يمكن توفيرها فورا إذا ما أعيد تنظيم الدورة الزراعية وتحددت بوضوح المساحات التي يسمح لها بزراعة الأرز . وكيف يمكن توفير التمويل لتلك المشروعات؟ هناك مدخرات للمصريين في البنوك ويجب أن نحرص علي تأسيس الشركات المساهمة وليس الشركات المغلقة كما يجب أن يعود مايعرف بالسهم الذهبي الذي يكون له حق الفيتو ولاننسي أن الصناعة المصرية في قاعدتها العريضة قامت علي هذه الوسيلة.
مصداقية النظام وما انعكاس تلك التصورات في حال تطبيقها ؟ أولا: تكسب النظام الجديد مصداقية أمام الشعب. ثانيا: ستؤدي لاستجابة المواطنين لسياسة التقشف وربط الأحزمة. ثالثا: العودة للعمل والإنتاج وتأجيل المطالبات الفئوية. رابعا: سيكون بمثابة إعلان واضح وصريح عن عزم النظام الجديد علي تحقيق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو. وهل تعتقد أن هناك أحزابا قادرة علي دعم الرئيس القادم؟ الرئيس القادم لن يدعمه في المرحلة القادمة إلا جماهير الشعب من خلال قراراته بقدر انحيازها لتلك الجماهير لأن الأحزاب القائمة ضعيفة ولايمكنها تشكيل مايعرف بالقاعدة السياسية . وما الضمانات الواجب توافرها لإجراء الانتخابات الرئاسية في جو من النزاهة والشفافية؟ الضوابط العامة للانتخابات الرئاسية أن تكون المعركة بين جميع المرشحين سياسية دون تخوين. أن تكون أجهزة الإعلام العامة والخاصة علي مسافة واحدة من جميع المرشحين ولاتنحاز لجانب مرشح علي حساب الآخر وأن تتجنب إشعال معارك جانبية ليس لها صفة سياسية وأن يقتصر الطرح علي مواقف سياسية وبشكل متوازن ومتكافيء بين جميع المرشحين . تحديد سقف الإنفاق يجب أن يقترن بتوضيح مصادر الإنفاق كما يجب أن تتخذ جميع الإجراءات من جانب الشرطة والقضاء لتكون العملية الانتخابية شفافة ولاتشوبها شائبة .
معايير اختيار الرئيس ومن ستختاره رئيسا قادما لمصر؟ لاأدري حتي هذه اللحظة من سأختار .. وسوف أنتظر للتعرف علي برامج المرشحين والفريق التنفيذي والاستشاري الذي سيختاره كل منهم ليعاونه. لكن هل تعتقد أن هناك أيا من المرشحين يمكنه الإعلان عن فريقه التنفيذي قبل إجراء الانتخابات؟ يجب أن يحرص كل منهم علي ذلك .. خاصة أن الفريق التنفيذي سيقتصر علي رئيس الحكومة والوزراء السياديين لأن اختيارهم سيعكس مدي مصداقية البرنامج ..فإذا قلنا أن البرنامج يؤكد علي العدالة الاجتماعية وتم طرح اسم كالدكتور جودة عبد الخالق أو من ينتهج نفس منهجه علي سبيل المثال كنائب لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية فإن ذلك يعطي مؤشرا علي مصداقية البرنامج. انتخابات البرلمان وهل الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي سيكون كافيا للعبور من تلك المرحلة الحرجة وتحقيق الاستقرار المنشود؟ الإنتهاء من الاستحقاق الرئاسي لاشك أنه أمر مهم للغاية لكن هناك خطوة لاتقل أهمية عن إختيار الرئيس وهي انتخابات البرلمان. فمجلس النواب هو مسئولية الشعب نفسه بأن يرسل للمجلس أفرادا علي مستوي المسئولية قادرين علي النقاش وترجمة ماجاء في مواد الدستور خصوصا الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية وتحويلها لقوانين فعالة. ولاشك أن الفترة القادمة ستشهد مزيدا من الوضوح حول البرلمان القادم وهذا يتوقف علي عدة عوامل من بينها علي سبيل المثال: ماموقف جبهة الإنقاذ؟ وهل ستظل جبهة كما هي أم ستتغير بصرف النظر عن التوجهات المختلفة لأعضائها؟ كما سيتوقف شكل البرلمان في ذات الوقت علي قدرة الناخب علي الفرز.. وفي المجمل فاننا ننشد برلمانا علي قدر التحديات التي ستواجهه.