من الطبيعي أن أشعر بالشفقة علي أحمد أبوالغيط وزير الخارجية وقائد الدبلوماسية المصرية في هذه الرحلة.ان جولاته وزياراته المتواصلة وبدون توقف الي عواصم دول العالم لم تعد تسمح له بأي فرصة للراحة او التقاط الانفاس. لا جدال ان هذا التكليف الصادر اليه من القيادة السياسية العليا والذي يدخل ضمن استراتيجية تعظيم المشاورات والاتصالات لخدمة الاهداف الوطنية والقومية يأتي علي هواه وفي اطار عشقه للعمل الدبلوماسي والعطاء للوطن. رغم كل هذه الاعباء الثقيلة جدا فقد أثارني أن يكون لديه وقت لكتابة بعض مذكراته وخواطره الدسمة فيما يتعلق بأحداث تاريخية وفارقة كان قريبا منها بحكم عمله الدبلوماسي. في فترة من احرج فترات التاريخ المصري. هذه الكتابات ليست سوي تعبير عن اهتمامه وانشغاله ومتابعته لقضايا وهموم الوطن. انه وبعد المذكرات التي كتبها علي شكل مقالات حول كل ما يتعلق بالأحداث والتطورات وفقا لمنظور مشاهداته ومتابعاته فيما يتعلق بالفترة التي سبقت حرب أكتوبر. تركزت خواطره الجديدة حول صدمة مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة القدس وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي. وصف مشاعره كمواطن ودبلوماسي مصري رسخت في ذهنه وأعماقه الكثير من الثوابت السياسية التي تعكس الطبيعة الوطنية والقومية للصراع الذي خاضته مصر ضد السياسات العدوانية الاسرائيلية. سرد بعض جوانب الأزمة التي شهدتها وزارة الخارجية والعمل الدبلوماسي المصري في أعقاب استقالة الوزير اسماعيل فهمي وتنحية وزير الدولة للشئون الخارجية محمد رياض الذي كان قد أبدي عدم الراحة لسير الأمور حول ما يمكن أن تسفر عنه أحداث هذه المبادرة. تحدث عن الضغوط النفسية التي أصابت أعضاء السلك السياسي المصري في تعاملهم مع هذه التطورات المفاجئة وكيف انتهت بالتأقلم معها. أشار إلي إقدام الرئيس السادات للعمل الفوري من أجل استثمار المناخ الدولي العام المواتي الناتج عن مبادرته لممارسة الضغوط علي اسرائيل كي لا تتهرب من مسئوليات واستحقاقات السلام التي تقضي بانهاء احتلالها للأرض المصرية والعربية. تجسد ذلك في سرعة عقد مؤتمر السلام بمينا هاوس. وكانت قد شكلت مجموعة عمل للإعداد لهذا المؤتمر برئاسة الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية وعضوية عبدالرءوف الريدي ونبيل العربي وعمرو موسي وحسين حسونة ومحمد البرادعي. وأسندت رئاسة وفد مصر في مفاوضات مينا هاوس إلي الدكتور عصمت عبدالمجيد رئيس وفد مصر في الأممالمتحدة في ذلك الوقت الذي استعان به وبصلاح هنداوي وهما من شباب الدبلوماسيين وباعتبارهما كانا يعملان قبل انتقالهما إلي القاهرة تحت رئاسته في وفد مصر بالامم المتحدة. وفي اللقاء الذي جري مع الدكتور عبدالمجيد في فندق شبرد بعد استدعائهما لم يستطع أبوالغيط وفقا لما جاء في خواطره أن يخفي عدم استيعابه لمبادرة زيارة القدس علي ضوء ما صاحبها من تطورات علي المستوي العربي ولكنه أكد استعداده للمشاركة في معركة بلده باعتباره جنديا من جنود الدبلوماسية المصرية. وقد تغير هذا الشعور تماما عندما انغمس في احداث ما بعد مبادرة زيارة القدس وتفهم بُعدها الاستراتيجي الذي يعكس نظرة حصيفة ومتعمقة من جانب السادات. لقد تولي رئاسة الجانب التفاوضي الاسرائيلي »اليا هويد اليسار« الذي عين سفيرا لإسرائيل بعد ذلك في مصر وقد ادي غياب كل من منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا والأردن. علاوة علي الاتحاد السوفيتي إلي ان يقتصر المشاركون علي مصر والأممالمتحدة والولايات المتحدة واسرائيل. لاشك أن غياب منظمة التحرير الفلسطينية عن هذه المفاوضات قد أفقدها فرصة كبيرة لإحراج اسرائيل والجلوس أمامها كمفاوض يسعي لإقرار الحقوق الفلسطينية المشروعة. وبداية وتأكيدا للموقف المصري بالاصرار علي كل الحقوق المصرية دون أي تنازل فقد رفض الدكتور عصمت عبدالمجيد في جلسة المفاوضات التي عقدت يوم 51 ديسمبر أن يتسلم من »اليسار« رئيس الوفد الاسرائيلي مشروع معاهدة سلام كان يعلم مقدما ومن خلال متابعاته الدبلوماسية تضمينها مقترحات اسرائيلية تدعو إلي تعديلات حدودية مرفوضة مصريا. وفي جلسة المفاوضات أكد الدكتور عبدالمجيد في كلمته مطالبة مصر بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 242 وتأمين حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحق جميع دول المنطقة في العيش في أمن وسلام. وانتهت المفاوضات بهذه الجلسة الوحيدة وبعد ان طرح »اليسار« عناصر معاهدة السلام الاسرائيلية المرفوضة كلية. وللحديث بقية