أ. د. أحمد عمر هاشم في ذكري الإمام عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق يجدر بنا أن نقلب بعض صفحات سيرته العطرة التي تعبق بها مجالس العلم وتزهي أروقة الأزهر جامعاً وجامعة، فقد كان الإمام عالماً عاملاً وصوفياً رائداً وأحد الأولياء الصالحين والمتصفح لحياته الطاهرة يري دروساً باهرة يستفيد منها الشباب والدعاة والعلماء والهداة. أولاً: الجانب العلمي لقد كان الإمام عبدالحليم محمود رحمه الله مجدداً في العلم جعل منه طريقاً لعبادة الله إلي جانب إفادة الناس والمجتمع، ومن رآه حين كان أستاذاً بالجامعة أو عميداً لكلية أصول الدين أو أميناً عاماً لمجمع البحوث الإسلامية أو وكيلاً للأزهر أو وزيراً أو إماماً للمسلمين يري أنه لم يتغير بتغيير المناصب وإنما كان صاحب شخصية واحدة متسقة ومتواضعة فلم يغلق بابه في وجه أحد ولم يرد صاحب حاجة ومع أنه كان صوفياً متعبداً متوكلاً علي ربه فلم يحُل هذا بينه وبين الجانب العملي في حياته اليومية فكان دقيقاً في إدارته أميناً في مسئوليته عادلاً في حكمه منصفاً في كل حياته العملية وكان رحمه الله يصلي ما تيسر من الليل فإذا جاء وقت الفجر صلي ثم بدأ اطلاعه وتأليفه وكان كثير الاطلاع كثير التأليف عميق الفكر دقيق التعبير وكان مثالياً في محاضراته داخل الجامعة إذ كان يربي أولاده علي الشجاعة الأدبية ومواجهة الجمهور ويعطي طلابه الفرصة لتحضير الدروس وإعداد المحاضرة ويمكنهم من إلقائها حتي يتعودوا علي المحاضرات وعلي مواجهة الجمهور وكان يحبهم حباً جماً كما كان الطلاب يحبونه من أعماق قلوبهم ويرون فيه المثل الذي يقتدي والقدوة الطيبة للعلماء الأجلاء. ثانياً: الجانب الروحي والأخلاقي كان يتسم بالخلق العالي والأدب الرفيع والتواضع الجم مع من يعرفهم ومع من لا يعرفهم كما كان دائم الفكر كثير التأمل متصلا بربه سبحانه وتعالي في كل وقت وحين، فكان يقوم الليل متهجداً وينفق ماله علي المحتاجين ويتعهد بعض الأسر الفقيرة بالإنفاق عليها سراً ودون أن يعلم أحد، وعندما قصده أحد المضطرين والمكروبين في مبلغ كبير لينقذ به أسرته ولم يكن هذا المبلغ متوفراً عند الإمام عبدالحليم محمود فوعد الرجل المحتاج أن يأتيه بعد يومين ثم ذهب إلي قريته «قرية السلام ببلبيس شرقية» فباع قطعة أرض كان قد ورثها عن أبيه وأعطي ثمنها لإنقاذ هذه الأسرة تاركاً ملكيته للأرض ومؤثراً أن يحظي بجنة عرضها السموات والأرض. وقد جاهد في سبيل الدعوة الإسلامية ودافع عن الإسلام بكل قوة وكتب راداً للشبهة التي أثارها أعداء الإسلام وقاوم التيارات المادية الضالة المضلة وفي جهاده هذا لم يسلم من أذي التيارات المادية في الصحف والمجلات فقد شن عليه أعداء الدعوة وأعداء النجاح حملات صحفية ضارية ومغرضة وقع في تيارها بعض رجال الأزهر الذين تصدوا للنيل منه ومع هذا لم يرد عليهم وقال لمن كان يريد من العلماء أن يرد عليهم لا تردوا علي أحد ولا أريد من أحد أن يدافع عني لأن الله يدافع عن الذين آمنوا وكان يترفع عن الدنايا وعن الرد علي من آذوه بل كان يدعو لهم متمثلاً قول السلف «اللهم إن كانوا صادقين فيما يرمونني به فاغفر لي وإن كانوا كاذبين فيما كانوا يرمونني به فاغفر لهم». ثالثاً: الجانب الوطني كان الإمام عبدالحليم محمود وطنياً غيوراً محباً لوطنه يدعو للذود عن حماه وينادي بالإصلاح في كل مكان وهو صاحب فكرة إنشاء إدارة عامة للقرآن الكريم وصاحب فكرة إذاعة القرآن الكريم ودعمها وتقويتها لتصل إلي أبعد مكان في العالم وهو الذي أطلق شرارة الإعمار والإصلاح وإنشاء المعاهد الأزهرية التي كانت قبله أعداداً قليلة فأصبحت في عهده منتشرة في كل المحافظات والقري وفي كل ربوع مصر ونجوعها.. تجلي موقفه الوطني يوم معركة العبور التي حشد فيها الهمم وخطب من فوق منبر الأزهر الذي كان يلجأ إليه الرؤساء والأئمة في كل شدة أو ملمة وخطب من فوق منبر الأزهر شعب مصر وجميع الشعوب والحكومات في كل الأرض من أجل الوقوف صفاً واحدا لأن هذه المعركة جهاد في سبيل الله ومن يقتل فيها فهو شهيد في سبيل الحق وأعلن عن تلك الرؤية التي حملها إليه أحد الأولياء الصالحين مبشراً بأنه رأي النبي صلي الله عليه وسلم يعبر القناة ومعه جمع كبير فأعلن الرؤية وبشر بالنصر والعبور فتحققت البشري غداة قيام قائد القوات الجوية حينئذ السيد الرئيس محمد حسني مبارك بضربته الجوية التي جعلت ميزان المعركة في صفنا. وجاء نصر الله والحمد لله فرضي الله عن الإمام عبدالحليم محمود وأرضاه ولا ننسي في يوم ذكراه أن ندعو الأمة إلي مراجعة تاريخه الحافل فهو أحد الكنوز المصرية الإسلامية كما يجب أن نجدد طبع تراثه الديني الذي يشتمل علي الإصلاح في كل مجال. رحمه الله ورضي عنه وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.