يستحق المشهد الانتخابي والتفاعلات التي تخللته تحليلا موضوعيا لفهم الدروس المستفادة بعيدا عن لغة الاستقطاب والاحادية التلقينية التي اتسمت بها كتابات عديدة من قبل الكثير من اصحاب التيارات السياسية الفاعلة ولعله من الضروري ان نستخدم عدسة تقنية تحليلية مستمدة من مصطلح الاستبدال والازاحة displacement ومجموعة المصطلحات ذات العلاقة المباشرة به. وهو مصطلح من المصطلحات التحليلية في علم لغويات التفاوض وتحليل الخطاب وأصل المصطلح displacement جاء من علوم الفيزياء وله معني اساسي في الفيزياء ومعان مستمدة في تحليل الخطاب والمعني الاساسي هو قياس درجة التغيير الذي يحدث في جزئيات التفاعل المتحركة ومعرفة اتجاهاتها ورصد التغيير الذي يطرأ عليها في حركة الاتجاه من نقطة الي اخري. اي دراسة قدر التغيير منذ بدء تحرك العناصر الي النقطة التي تتوقف عندها وهو المعني الذي تم تبنيه في علم لغويات التفاوض والتواصل عبر الثقافات بالاضافة الي ان علماء اللغويات الحديثة قد اقروا في دراساتهم ان استكشاف طبيعة اللغات ان الفرق الاساسي بين لغة الحيوانات ولغة الانسان انه في الاولي يكون الوضع استاتيكيا ثابتا واللغة لها هنا دلالة لحظية فقط وهذا عكس لغة الإنسان التي تتسم بالديناميكية وفهم دلالات اللحظة وما تستند اليه من تفاعلات سابقة ودلالات مستقبلية وكذلك رؤية التفاعل وظواهره عبر السياقات الاجتماعية والسياسية وعبر الثقافات. كانت هذه المقدمة ضرورية لفهم هذا المصطلح الذي ترجمته بشكل مبدئي بالاستبدال والازاحة ومن هنا نبدأ في تقديم اسئلة موضوعية من هذا المنظور تتمثل في النقاط التالية لمزيد من النقاش حولها وتتمثل في الاتي: 1- جاءت الانتخابات بفوز ساحق للحزب الوطني حيث تشير كل الدلائل عند كتابة هذا المقال وبغض النظر عن اسباب هذا الفوز الساحق فان النقطة المثارة هنا كيف سيكون شكل المجلس القادم بدون معارضة تذكر علي شكل ووظيفة الديمقراطية التي ينبغي توسيع نطاقها من اجل معالجة اكثر حيوية لقضايا مصيرية مهمة؟ الامر هنا بحاجة لمزيد من الحوار الموضوعي. 2- جاءت بعض السلوكيات التي تتسم بالفوضي والبلطجة وهنا لابد الا ننظر فقط للمشهد الانتخابي ولكن المشكلة الحقيقية تتمثل في هذه الظاهرة في السلوك الاجتماعي والتطور الي حالة الاحتقان وكيفية معالجة هذا الامر من جذوره الذي يحتاج الي وقفة جماعية لصالح مصر. 3- ظهر بعض المرشحين في برامج الدعاية الخاصة بهم وكأن مصر لا تحتاج الي مناقشة قضايا محورية وحيوية كاحتمال تعرض الدلتا للغرق وتلوث البيئة والتأمين الصحي والتطرف الطائفي الخطير وما إلي ذلك من قضايا كان للناخبين ان يظهروا من خلالها ما هو البرنامج الانتخابي للمرشح بدلا من تقديم مجرد خدمات اجتماعية تليق بالمجالس المحلية وليس مجلسا للشعب يناقش قضايا الوطن الكبري. ما رأيناه هو اساسا تراشق متكرر بين هذا التيار او ذاك ولا بأس ولكن لا يكون التراشق هو الاصل كما شاهدنا وبشكل صارخ يتجاهل جوهر القضايا المحورية التي ينبغي ان تشغلنا. 4- اظهر المشهد الانتخابي نوعا خاصا من الاستبدال والازاحة بين التيارات الدينية حيث اعلن احد دعاة السلفية انهم ممثلو الاسلام وان الانتخابات البرلمانية هي انتخابات محرمة، بينما بررت جماعة الاخوان المسلمين المحظورة دخولها للانتخابات ورفعها للشعارات الدينية وهنا يحتاج ملف الدين والسياسة الي ان يحسم مجتمعيا. كانت هذه رؤية تطبيقية اولية لمصطلح الاستبدال والازاحة علي تفاعلات المشهد الانتخابي والحديث يمتد.. والله وحده هو المستعان.