في أحيان كثيرة لا أكاد أصدق ما أقرأه لبعض حملة الأقلام عن مسألة الشرعية والصندوق علي الرغم من كونهم علي يقين بأن مصر التي نعرفها تتغير وتتبدل ملامحها حتي كادت أن تضيع من بين أيدينا، بل إنني من فرط عدم التصديق أحاول أن أقنع نفسي أحيانا أن هذا الذي تسطره الأقلام هو فقط من قبيل الجدل، أو هو من قبيل استعراض العضلات في الكتابة. أكثر من ذلك فإنني أشك أن يكون كثير من هؤلاء الكتاب مقتنعا في قرارة نفسه بما يكتبه، ولكنه شيطان الكتابة الذي يركب الأقلام والعقول ويستحوذ عليها فيهئ ويزين الحجج والبراهين الجهنمية التي تدعم وتفند أفكارهم علي الورق فقط لتبدو في ظاهرها مقنعة من حيث الشكل دون أن يكون لما يكتب وينشر منطلق منطقي وسند قوي يرتكز عليه علي أرض الواقع.. الغريب والعجيب بل إن شئت قل المحزن هو أن يصل الأمر ببعض من هؤلاء إلي أن يطلقوا " الكدبة" ثم يصدقونها بل ويتمادوا في الدفاع عنها بالباطل. ومع احترامي لكل حملة القلم - وهي الأمانة التي سيحاسبون عليها يوم القيامة - أسألهم إن كان أي مواطن مخلص شريف وبغض النظر عن معتقده أو اتجاهه السياسي يقبل أن ينتهي المطاف بمصر إلي الحال التي آلت إليها من البهدلة والضياع، والتي أجزم أنها إن استمرت أكثر من ذلك فإن الأمر كان سيصل بنا إلي الانزلاق نحو هاوية التقسيم التي يتمناها ويخطط لها الأعداء، وعندها كنا سنري بلدنا العظيم وقد تمزق أوصاله، ويصبح كل جزء منه يحمل علما مختلفا ألوانه ونشيدا وطنيا تتغني كلماته بالولاء لمن لا يرضي أبدا لمصر أن يكون قرارها نابعا من إرادتها ؟! أين كانت أقلامكم يوم حوصر مبني المحكمة الدستورية ومنع قضاتها المحترمون من الدخول لممارسة مهامهم؟ ..لماذا لم تنتفضوا يومها للشرعية واحترام القوانين ؟.. أين كانت أقلامكم يوم حصَّن الرئيس مرسي قرارته بإعلان دستوري مفصل من أجل أن يطلق يده في حكم مصر؟.. ولماذا عميت وخرصت أقلامكم يوم أهين »الرمز« شيخ الأزهر في أحد الاحتفالات التي حضرها الرئيس السابق وكان موقعه في صفوف متأخرة في الوقت الذي تركت فيه الصفوف الأولي لأهل الثقة لدي السيد الرئيس؟.. أين كانت أقلامكم يوم تصدر قتلة الراحل أنور السادات بطل حرب أكتوبر المشهد في الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة علي كل مصري ولم يدع إليها قادة القوات المسلحة »أصحاب الليلة« والذين كانوا هم أولي بالحضور حتي من الرئيس نفسه؟.. أين كانت أقلامكم وأنتم ترون الاستهانة في التعامل مع قضية في منتهي الخطورة مثل قضية سد النهضة التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة بالجوع والعطش؟..أين كانت أقلامكم وأنتم ترون مخطط تقسيم سيناء الحبيبة يجري تنفيذه علي قدم وساق، وترون ضباط الجيش وجنوده يقتلون تارة ويختطفون تارة ثم يتكلم الرئيس بعدها عن الحفاظ علي حياة الخاطفين والمخطوفين؟ يبدو أننا للأسف قد فقدنا الإحساس بقيمة بلدنا ولم نعد ندرك قدره، وهو الأمر الذي جعل كل من هب ودب يتجرأ عليه.. أنا لا أصدق أن مصر قد هانت علينا إلي القدر الذي جعل الأقزام يستهينون بها ويستبيحون حرماتها..أنا لا أكاد أصدق أننا بعناها في لحظة بثمن بخس حتي كاد يتحقق فيها قول الشامتين إن مصر التي نعرفها والتي كنا نشعر في جنباتها وفي حضنها بالأمان والاطمئنان لا ولن تعود أبدا.. ألا تستوعبون كيف اهتزت الدنيا وارتجت بعد أن ثار المصريون للمرة الثانية من أجل استعادة مصر التي اكتست ملامح وجوه أهلها بالاكتئاب، بعد أن هبت عليها رياح الأمل والتفاؤل لتزين جدرانها بعد ثورة الشباب المحترمة في الخامس والعشرين من يناير 2011 يا سادة عودوا لرشدكم وأفيقوا وأغلقوا الصفحة التي كادت مصر معها وبها أن تضيع وتسقط فينقض عليها الاعداء من كل صوب وحدب..أنظروا حولكم لتروا كيف تمزقت أوصال العراق وسوريا وليبيا والسودان واحمدوا الله أن سخر لمصر من أبنائها من ينتشلونها من الضياع والانزلاق إلي غياهب جب التقسيم والتشتت، والذين لانملك إلا أن نرفع لهم القبعة وندعو الله أن يحميهم ليظلوا علي عهدنا بهم خير أجناد الأرض الذين سخرهم الله في الوقت المناسب ليقوا مصر وشعبها شر الهزيمة والانكسار. الحمد لله الذي رد إلينا مصرنا وندعوه سبحانه وتعالي أن يرد إلينا عقولنا حتي نجتاز ما نحن فيه من فتنة بسلام..اللهم آمين.