مصطفى عبدالله في أي مرتبة يمكن أن تصنف، اليوم، جامعة القاهرة العريقة بعد أن أذهل العالم إغلاق أبواب المكتبة الرقمية في وجه شباب الباحثين وأساتذتهم أيضًا! في أي مرتبة يمكن أن تصنف هذه الجامعة العريقة التي تألمنا كثيراً عندما وصلت، في العهد السابق، إلي تخوم الجامعة رقم 500 علي مستوي العالم؟ وبدلًا من أن يجتمع وزير التعليم العالي بعقول مصر في الخارج وفي الداخل أيضًا للوصول إلي أفضل السبل لإستعادة أعرق جامعاتنا لمكانتها، ولقدر خريجيها في سوق العمل لتتخاطفهم من جديد المراكز البحثية والجامعات الكبري، التزم الوزير الصمت في مواجهة حرمان باحثي مصر من التعامل مع منجز العلم في الدول المتقدمة من خلال بوابة "المكتبة الرقمية"! فوجئت منذ أيام بمئات الرسائل تصلني عبر الإيميل من طلاب الدراسات العليا وأعضاء هيئات التدريس بمختلف الكليات العملية والنظرية أيضًا يستغيثون فيها من إغلاق أبواب "المكتبة الرقمية" في وجوههم، وهم الذين سددوا إشتراكها الذي يتيح لهم إمكانية الوصول إلي المراجع العلمية والأوراق البحثية الحديثة المنشورة في الدوريات العلمية في صيغتها الرقمية. وهي مكتبة إفتراضية لا يحتاج الباحث وهو يستخدمها إلي أن يحجز مقعدًا ويملأ بطاقة لطلب مراجعه أو بحوثه حتي يطلع عليها وهو يعد رسالته لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراة أو لكتابة محاضراته التي يلقيها علي طلابه في مدرجات الجامعة بحيث تحمل هذه المحاضرات نبض العلم وتطوره لحظة بلحظة، فكل ما عليه أن يفعله بعد أن يسدد الرسوم بمركز الحاسب الآلي بجامعة القاهرة هو أن ينفذ عبر حاسوبه إلي هذه "المكتبة الرقمية" المكتنزة بملايين العناوين في كافة التخصصات؛ يقرأ ويحلل ويقارن، ثم يذهب إلي معمله ليطبق، علي الرغم من تدني حال المعامل في مراكزنا البحثية بسبب جهلنا بالأولويات التي يجب أن تحكم حياتنا ونحن نرنو للحاق بمنجز العصر! وعندما استفسروا عن السبب قيل لهم إن توقف الخدمة وعجزهم عن التجول في هذه "المكتبة" راجع إلي عدم سداد الوزارة الاشتراك للمزود بالخدمة، وأن هذا الاشتراك يشكل عبئًا علي الميزانية لأن عدد المستفيدين منها محدود. وعندما استفسرنا قيل إن العدد يصل إلي 60 ألفًا! وحتي لو سلمنا بأن عدد المستفيدين من الباحثين وأساتذة جامعاتنا لا يزيد علي 60 فقط وليس 60 ألفًا فإن هذا العدد تضفي عليه نوعيته قيمة توجب ضرورة توفير هذه الخدمة ولو بالمجان، لأن البديل عن هذا هو أن نوقف نشاط البحث العلمي المرهق للميزانيات، أو أن تتيح الدولة الفرصة لكل باحث للسفر في بعثة للالتحاق بالجامعات الكبري لإنجاز مشروعه البحثي، أو "تطفيش" هذه الطاقات البحثية الشابة تمامًا من مصر، كما حدث مع العالم الدكتور عصام حجي، ابن الفنان التشكيلي الكبير محمد حجي. وأغلبنا يعرف قصة عصام حجي الذي تخرج عام 1997 في قسم الفلك والأرصاد الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، وعين معيدًا، وسافر إلي فرنسا للحصول علي الماجستير، ومن فرط العقبات التي واجهته في جامعته في مقابل الحفاوة التي أحاطوه بها في فرنسا نظرًا لنبوغه العلمي، التقطته وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لينضم إلي عقولها باحثًا بقسم التصوير بالرادار بمعمل محركات الدفع النفاث المتخصص في اكتشاف كواكب المجموعة الشمسية باستخدام "الروبوت". وقد سجل تاريخ العلم لعصام حجي مشاركته في إتمام رحلة "كيريوسيتي" لاكتشاف الماء علي كوكب المريخ. وهو بهذا يستعيد مجد أجداده العرب في علم فلك الفضاء الذي كانوا أساتذته وقت أن كان الغرب يرزح في ظلمة العصور الوسطي. أعود فأقول إننا في مصر نرتكب جريمة عندما نتسبب في حرمان باحثينا من الإستفادة من هذه المكتبة في الوقت الذي تنقل إلينا الأنباء قيام وزير التعليم العالي السعودي، خلال زيارته للمكتبة الرقمية السعودية في المعرض الدولي الرابع للتعليم العالي، بتدشين مجموعة من النظم في إدارة الرسائل الجامعية للملحقات الثقافية والواجهة الجديدة للبوابة الإلكترونية والخدمات والمميزات المتاحة في تلك المكتبة، وقد أشاد الوزير السعودي في تلك المناسبة بجهود "المكتبة الرقمية" في بلاده في مجال البحث العلمي معتبرًا إياها ثروة علمية تتيح للطالب وعضو هيئة التدريس والمبتعث في الخارج أيضاً فرصة مواكبة مستجدات العصر.