أصبت بالدهشة والانزعاج كما أصيب غيري أيضا من المبدعين والشعراء والمثقفين بشكل عام وأنا أطالع جريدة أخبار الأدب الغراء في عددها الصادر بتاريخ 24 فبراير 2013 , حيث كادت أن تفقأ عيني بل وتفقأ إحساسي أيضا مقالة لناقد أدبي معروف وكانت بعنوان »أحمد سراج شاعرا«, وأتصور أنني لست في حاجة لأن أوضح أن هذا الانزعاج , وتلك الدهشة لم يكونا بسبب الحديث عن شاعر صديق وهو الشاعر الشاب أحمد سراج , ولكن لأن المقالة كان فيها تعمد واضح لإقحام اسم الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي في مقارنة ليست في محلها , وقد حاولت أن أبحث عن مبرر مقنع لهذا الإقحام, لكنني أعترف بأنني قد عجزت, ولكن ربما يستطيع الآخرون أن ينجحوا فيما فشلت أنا فيه، وأعني بذلك المبرر النقدي والأخلاقي وراء اجتلاب حجازي إلي ميدان مقارنة حسمها التاريخ والشعراء والنقاد الكبار منذ سنوات, فحجازي قامة شعرية كبري ورائد من رواد الشعر ليس في مصر فقط, بل وفي العالم العربي دون مبالغة . ونستطيع أن نجزم بأن حجازي الآن يعد واحدا من شعراء قلائل يجلسون بارتياح, ودون منافسة علي قمة الشعر العربي المعاصر (حتي وإن ظل عشرين عاما لا يكتب الشعر). وعلي الرغم من اختلافنا الأيديولوجي مع حجازي, فإننا لا يمكن أن نجعل من خلافنا هذا مطية لتصفية حسابات, أو لانتقاص أقدار القامات الكبري التي ينبغي أن تفخر بها الأوطان, لا أن تهال عليها أتربة الغمز بطريقة لا تليق! وبعيدا عن الإقحام المتعمد لهذه القامة الشعرية في مقارنة مع شاعر شاب مازال يتحسس طريقه , فإن ما كتبه الناقد المعروف, لا علاقة له بنقد الشعر من قريب أو بعيد! فالمقالة مجموعة من الأكلاشيهات النقدية النمطية التي تضع كثيرا من علامات الاستفهام علي حالة النقد العربي الراهن, وربما ستكون بداية لفتح ملف النقد الأدبي بشكل عام. فعبارات مثل قوة الصور الشعرية, وطزاجة المعجم, وحيوية الإيقاع, قد فقدت قيمتها الإيحائية من كثرة ترديدها دون تقديم ما يكفي من الأدلة أو الدلائل لإثبات صحتها! كما أن الحديث عن التجريب والمغامرة وأفق النص , دون الارتكاز علي مرتكزات جمالية يمثل هروبا واضحا من المجال الحقيقي للنقد الأدبي ووظيفته التي هي البحث في القيم الجمالية في الأساس . يقول I.A.Richards To set up as a critic , to set up as agude of values وبالتأكيد فإن هذه القيم الجمالية ليست هي القدرة الميكانيكية علي إحصاء عدد مرات تكرار كلمة ما أو قياس مساحات التناص في النص , بقدر ما هي القدرة علي محاولة إثبات قيمتها الجمالية في بناء وتشكيل النص . إن إشادة الناقد بتكرار كلمة الحضور (20) مرة في نص الدعوة عامة , امر يدعو إلي الاستغراب, وسنضظر أيضا إلي المقارنة بينه وبين الناقد العربي القديم (وهي مقارنة في موضعها وليست مقحمة) حين عرض عليه هذا البيت الشعري : فما للنوي جذ النوي قطع النوي كذاك النوي قطاعة لوصال! فما كان منه إلا أن قال : سلط الله علي هذا البيت شاة لتأكله كله، وشتان الفارق بين ناقد لديه حاسة التذوق, وآخر يحول النص إلي دراسة ميكانية وإحصائية ! نحن لا نعترض علي أن يتقدم شاعر شاب إلي ميدان مقارنته بحجازي, لكن لابد أن يكون شاعرا شهد له الشعراء والنقاد علي قيمته الشعرية , لكن أحمد سراج مازال يتحسس ويتملس أبجديات العمل الشعري, وكثير من الشعراء والنقاد المنصفين يصرحون بذلك, وديوانه »الحكم للميدان« مازال يتلعثم في تقديم صاحبه إلي الساحة الأدبية, وبخاصة مع وجود أخطاء لغوية مع هشاشة في بنية الجملة العربية الرصينة والمتماسكة, وهو أمر يعرفه الشعراء والنقاد الكبار, وأختم هنا بمقولة الجاحظ الشهيرة «المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي, والقروي والبدوي وإنما الشأن في إقامة الوزن وتحبير اللفظ» وسهولة المخرج وفي صحة الطبع وجودة السبك.