محمد وجدى قنديل بعد أن ألحقت القوات المصرية بإسرائيل خسائر وصفتها بالمرعبة استعدت مائير للسفر إلي واشنطن في زيارة سرية الإثنين: لم يعد سراً أن جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل لوحت في حرب أكتوبر بالتهديد باستخدام السلاح النووي الاسرائيلي لإيقاف تقدم القوات المصرية في جبهة سيناء - بعد سقوط خط بارليف - وانهيار القوات الإسرائيلية الموجودة في وسط سيناء وكان التهديد واضحاً من جانب مائير في اتصالها العاجل بالدكتور كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي للإمداد بالاسلحة الامريكية علي وجه السرعة. وبدا ذلك التهديد واضحاً من جانب مائير في اجتماع كيسنجر بالسفير الإسرائيلي في واشنطن »دينتز« في الساعة الثامنة والثلث صباحاً في غرفة الخرائط بالطابق الارضي من البيت الأبيض.. وكان السفير يصحب معه الجنرال موردخاي جور الملحق العسكري الإسرائيلي بعد أن ايقظ كيسنجر من النوم في منتصف الليل ويقول كيسنجر في مذكراته: أخذ كل من دينتز وجور بنقل رسالة مائير وأخبراني بالخسائر التي تكبدتها إسرائيل حتي هذه اللحظة وأنها »مرعبة« وغير منتظرة في جبهة القتال وأنها فقدت 94 طائرة والرقم مرتفع ولكنه لا يستدعي الدهشة إذا وضعنا في الاعتبار أن لدي مصر وسوريا أعداداً كبيرة من الصواريخ ارض - جو السوفيتية، وكانت صدمتي كبيرة عندما علمت أن إسرائيل قد خسرت خمسمائة دبابة منها 004 دبابة علي الجبهة المصرية في سيناء وحدها.. وطلب دينتز الاحتفاظ بسرية هذه الخسائر الاسرائيلية حتي لا تنضم دول عربية أخري - وبالذات الأردن والعراق - إلي المعركة لو عرفت بها. ويستمر كيسنجر في تسجيل ما حدث في الاجتماع ويقول: إن الدبابات التي تفتقر إليها إسرائيل يصعب ارسالها بالسرعة المطلوبة واقترح جور تأمينها من العتاد الأمريكي الموجود في قواعد أوروبا - في ألمانيا بالذات - وجري الاتفاق علي أنه تبدأ طائرات العال الإسرائيلية حالاً بنقل قطع الغيار والمعدات الالكترونية ولكن هذا الاسطول الذي لا يتجاوز سبع طائرات لا يستطيع نقل الدبابات والعتاد الثقيل - كان ذلك يوم 9 أكتوبر - وفي نهاية الاجتماع انتحي السفير دينتز جانبا بالدكتور كيسنجر ليبلغه - مسألة شتوية من جولدا مائير اشبه بالتهديد بالاسلحة غير العادية - النووية - وفي الرسالة أن مائير مستعدة للحضور إلي واشنطن شخصياً في زيارة سرية لمدة ساعة من الزمن لعرض الموقف علي الرئيس نيكسون والحصول علي المساعدات الأمريكية العسكرية بصفة عاجلة، وتسربت بعد الحرب معلومات بأن جولدا مائير لوحت باستخدام السلاح النووي الإسرائيلي لايقاف تقدم القوات المصرية في سيناء وأنها طلبت الحضور إلي واشنطن لكي تبلغها ذلك.. ولكن كيسنجر رفض زيارة مائير فوراً.. وعلم في هذه اللحظة أن الجنرال موشي ديان وزير الدفاع كان يأمر بتراجع إسرائيلي عميق في سيناء! ونقل كيسنجر مخاوفه من احتمالات موقف مائير إلي الرئيس نيكسون - في حالة عدم إمداد إسرائيل بالاسلحة الأمريكية - وفي اليوم التالي - الاربعاء 01 أكتوبر - سأل كيسنجر السفير دينتز عن الموقف العام وقرأ له السفير الإسرائيلي رسالة من جولدا مائير موجهة إلي نيكسون تعبر فيها عن امتنانها للقرار الذي اتخذه لإعادة إمداد إسرائيل بالسلاح وقالت إن هذا القرار الذي وصلها في الليل له تأثير كبير.. وأجاب كيسنجر طالما أن إسرائيل قد اطمأنت إلي الامداد بالسلاح من أمريكا فإنها ليست مضطرة للاحتفاظ بإحتياطها ولا اتخاذ قرارات معقدة - مثل استخدام السلاح النووي وكل ما يهم الآن عودة اسرائيل الي خطوط ما قبل الحرب أو تجاوزها في إحدي الجبهتين - المصرية أو السورية. وطبقاً لمذكرات كيسنجر - وفي إطار التنسيق بين أمريكا وإسرائيل - قبلت جولدا مائير وقف إطلاق النار علي الخطوط التي وصلت إليها القوات وأرسلت رسالة مساء يوم 21 اكتوبر إلي كيسنجر تفوضه التقدم بذلك إلي مجلس الأمن. الجسر الجوي والبحري الاربعاء: وكان الاتحاد السوفيتي قد بدأ تزويد مصر وسوريا بالاسلحة والمعدات بينما طورت أمريكا خطتها لنقل أكبر كمية من السلاح إلي إسرائيل في اقصر وقت واتجه التفكير في واشنطن إلي استخدام طائرات النقل العسكرية الضخمة لنقل الاسلحة إلي قاعدة جزر الأزور في المحيط الاطلنطي ومنها تنقلها طائرات العال إلي إسرائيل.. واتضح أن هذه الطريقة لا تحقق سرعة نقل الاحتياجات بالكميات الكبيرة والمطلوبة وبناء علي اقتراح مجموعة العمل الخاصة برئاسة كيسنجر في البيت الأبيض اتخذ الرئيس نيكسون قرارا هاما لصالح إسرائيل وكان إقامة جسر جوي أمريكي مباشر تستخدم فيه طائرات النقل العسكرية الأمريكية لنقل احتياجات إسرائيل من المستودعات والمخازن في الولاياتالمتحدة، وقد بذل كيسنجر جهداً كبيراً للوصول إلي قرار إقامة الجسر الجوي لتعويض الخسائر الإسرائيلية في المعدات - وبالذات الدبابات والطائرات - وقد صدر قرار الجسر الجوي الأمريكي يوم 21 أكتوبر في الوقت الذي استهلكت فيه إسرائيل المخزون الاستراتيجي من الاسلحة وسجل الجنرال اليعازر رئيس الأركان في مذكراته خطورة الموقف: لو لم تصل الينا الاسلحة الأمريكية يوم 31 أكتوبر فقد كان المعني الوحيد لذلك أن الكارثة الكبري قد وقعت وأن نهايتنا اصبحت وشيكة لأننا كنا قد خسرنا تماماً المخزون الاستراتيجي من السلاح لدينا وكان معني ذلك أن مصر وسوريا قد حققت ما لا يمكن تصوره..! فقد كانت القوات الإسرائيلية في سيناء في وضع سييء بعد الخسائر التي منيت بها في الأسلحة والمعدات وأصبح واضحاً للقيادة الاسرائيلية أن عمق رءوس الكباري المصرية في جبهة سيناء وصل إلي 51 كيلو مترا وأن القوات المصرية لديها أعداد كبيرة من الدبابات والمدفعية والاسلحة الثقيلة وبما يمكنها من التقدم إلي خط الممرات بسرعة! والحقيقة التي اقرها الفريق الجمسي أن التخطيط لحرب أكتوبر لم يكن مقصوراً علي العبور والاستيلاء علي خط بارليف كهدف نهائي بل كان يهدف الي تحقيق هدف استراتيجي عسكري أبعد من ذلك وهو الوصول إلي خط المضايق والاستيلاء عليه كهدف للحرب ويطرح السؤال نفسه: لماذا لم تنتهز القيادة العسكرية المصرية - المشير أحمد إسماعيل - فرصة نجاحها في يوم 9 أكتوبر - بعدما حققت المهمة المباشرة وهي تدمير خط بارليف - وتطوير الهجوم في اتجاه خط المضايق لتحقيق الهدف الاستراتيجي ولماذا انتظر المشير أحمد إسماعيل حتي يوم 31 أكتوبر؟ وكان قرار الرئيس نيكسون إرسال جميع المعدات المطلوبة الثقيلة بالجسر الجوي ما عدا قنابل الليزر ووافق علي تعويض إسرائيل عن كل خسائرها من طائرات ودبابات وبالإضافة إلي شحن دبابات طراز إم 06 أحدث ما لدي الجيش الأمريكي.. وكانت طائرات الجسر الجوي تصل إلي مطار العريش وتنزل منها الدبابات مباشرة إلي الجبهة لمنع تقدم القوات المصرية.. ويسجل كيسنجر في مذكراته: لم يخالجني شك ابداً في أن هزيمة إسرائيل بفضل التسليح السوفيتي ستكون كارثة للولايات المتحدة ولذلك حرضت إسرائيل للحصول علي مكسب في جبهة سيناء أو الجولان. السلاح النووي الخميس: واستخدمت أمريكا لتنفيذ الجسر الجوي 822 طائرة نقل ثقيلة منها 15 طائرة طراز سي 5 و 71 طائرة طراز 141 ونفذت هذه الطائرات 965 طلعة جوية إلي إسرائيل.. واستمر الجسر الجوي الأمريكي 33 يوماً اعتباراً من 31 أكتوبر وحتي 41 نوفمبر وقد تمكنت من نقل قرابة 22 الف طن من الاسلحة والمعدات والذخيرة ونقل منها حوالي 93 في المائة خلال الفترة من 31 أكتوبر إلي 42 أكتوبر.. واستكمالاً لذلك أقامت أمريكا جسراً بحرياً خصص لنقل المعدات الثقيلة ووصلت إلي إسرائيل يوم 2 نوفمبر أول سفينة بحمولة من الدبابات والمدافع وبلغ ما تم نقله بالجسر البحري 47 في المائة من حجم خطة الإعداد والمعونات العسكرية العاجلة وما يجدر ذكره أن بعض الدول الأوروبية رفضت تقديم المساعدات اللازمة لطائرات النقل الأمريكية وبما فرض علي الطائرات اتخاذ خط سير متعرج للوصول إلي إسرائيل لقد تنوعت وتعددت الاسلحة والمعدات التي نقلها الجسر الجوي وكان أبرزها محركات طائرات الفانتوم وأجنحتها ومستودعات قنابل جو - أرض ومجموعات اجزاء طائرات سكاي هوك ومعدات نظام دفاع جوي وصواريخ جو/ ارض أما عن اسلحة القوات البرية فقد شملت الدبابات والمدفعية ومن الملاحظ أن الجسر الجوي الامريكي بدأ يوم 31 أكتوبر وهو اليوم السابق لتطوير الهجوم في اتجاه خط المضايق يوم 41 أكتوبر ولذلك تمكنت إسرائيل من صد هذا الهجوم.. وما يلفت النظر أن الفترة التي تميزت بضخامة حجم الجسر الجوي كانت من 51 أكتوبر إلي 12 أكتوبر وهي الفترة التي حدثت فيها ثغرة الدفرسوار! كان الجسر الجوي الامريكي وكذا الاستطلاع الجوي للطائرات الأمريكية لجبهة القناة يومي 31 و 51 أكتوبر سببا رئيسيا لإحداث تفوق عسكري إسرائيلي جعلتها قادرة علي تنفيذ ثغرة الدفرسوار وبدون هذا الدعم العسكري الامريكي لما أمكن ذلك لإسرائيل! عندما لوحت جولدا مائير باستخدام السلاح النووي بعد خسائر المخزون الاحتياطي لأسلحة الجيش الاسرائيلي.