ضمن حلقاتها النقاشية حول القضايا الإقليمية والدولية عقدت لجنة العلوم السياسية بالمجلس الأعلي للثقافة برئاسة الأستاذ الدكتور علي الدين هلال حلقة نقاشية كان موضوعها الدور الإقليمي التركي في الشرق الأوسط، وقد قدم الدكتور مصطفي اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية الورقة النقاشية في هذه الحلقة التي تلتها تعقيبات ومداخلات عدد من الخبراء . وقد بدأ الدكتور اللباد ورقته بتعداد الاشتراطات المطلوبة في أي دولة لكي تصبح قوة إقليمية و من أهمها رغبتها في الزعامة الإقليمية وأن تملك موارد القوة اللازمة وتستخدم وسائل السياسة الخارجية لفرض مصالحها وقبول زعامتها الإقليمية من الأطراف الخارجية أي من خارج الإقليم. ثم حددت الورقة ملامح الدور الإقليمي التركي والتوازنات التي سادت في المنطقة عشية احتلال العراق 2003 وما أدت إليه من اختلالات في توازنات القوي لمصلحة إيران ولغير مصلحة الدول العربية. وفي تقدير الورقة انه عند تأمل تفاصيل المشهد الإقليمي الآن يمكن ملاحظة عودة تركيا واعدة إلي قلب التوازنات و عمليات الحراك الإقليمي في المنطقة, و لاحظت الورقة أن دور تركيا الإقليمي الحالي يظهر ويتأكد عند ملاحظة علاقاتها مع سوريا، فبعد أن كادت الحرب تقع بين البلدين في عام 1998 فأن العلاقات التركية السورية بلغت الآن مستوي غير مسبوق، الوضع الذي سمح لتركيا أن تقوم بدور الوساطة بين دمشق وتل أبيب في خطوة تعكس اعترافا بموقع تركيا باعتبارها "مرجعية إقليمية" في المنطقة. وقد عرض الدكتور اللباد للأسباب الدافعة لدور إقليمي تركي و في مقدمتها الفراغ الكبير في المنطقة نتيجة انهيار ما سمي النظام الإقليمي العربي خصوصا بعد احتلال العراق سنة 2003. و من الأسباب الموضوعية المسهلة لقيام تركيا بدور إقليمي هو أن تركيا ترسم سياساتها الإقليمية بغطاء وتأييد من الولاياتالمتحدة كما إنها تتمدد إقليميا في المنطقة بتكاليف سياسية أقل بكثير من العائد السياسي الذي تجنيه. ومن الأسباب الموضوعية التي تدفع تركيا إلي لعب دور إقليمي في المنطقة هو أن الشرق الأوسط هو المجال الجغرافي الوحيد في جوار تركيا الذي يمكنها فيه لعب دور إقليمي دون الاصطدام بقوي عالمية. ومن الأسباب الموضوعية هي تلك الصورة الايجابية لتركيا عند شرائح عربية واسعة و الذي مكن عن الحديث عن "النموذج التركي" و ضرورة الاستفادة من الدروس التي يقدمها مثل التناوب السلمي علي السلطة وإدماج التيارات الإسلامية في العملية الديمقراطية والفصل بين الحزبي والدولتي، وليس آخرا توسيع هامش المناورة تحت سقف التحالف مع القطب العالمي الأوحد. يتلخص السبب الموضوعي السادس لدور تركيا الإقليمي في توافر تاريخ مشترك بين العرب ووجود تقارب ثقافي وحضاري ومذهبي بين تركيا و الدول العربية. أما الدوافع الذاتية التركية للعب دور إقليمي في المنطقة فتقوم علي أساس المصالح الوطنية التركية, حيث تشكل الدول العربية سوقا ممتازا للسلع التركية التي تحظي في المنطقة بتنافسية لا تحظي بها بالضرورة في السوق الأوروبية و كذلك تشكل المنطقة العربية بما تملكه من احتياطات للطاقة عامل جذب بأهمية استثنائية لتركيا. ومن الدوافع الذاتية التركية أيضا المصالح الأمنية التركية، ذلك لأن لعب دور إقليمي في المنطقة يعني المشاركة في تحديد الأجندة الإقليمية والوصول بخطوط الدفاعات التركية إلي ابعد نطاق ممكن من الأراضي التركية. وذهب د. اللباد إلي أن الدور الإقليمي المتزايد في المنطقة لتركيا إنما يؤدي إلي تحسين كبير لصورة تركيا لدي أوروبا و يرفع رصيدها لدي الاتحاد الأوروبي هذا كله فضلا عن دور وصول حزب العدالة و التنمية إلي السلطة في تركيا ذلك أن تأسيس دور إقليمي لتركيا علي اعتبارات موضوعية وعلي خلفية المصالح الوطنية التركية في المقام الأول لا يمنع من دور مساعد للخلفية الايدولوجية التي ينطلق منها حزب العدالة والتنمية في توجيه سياسة تركيا الخارجية. وعرض د. اللباد لعوامل القوة في الدور التركي وكذلك لعوامل الضعف أما عوامل القوة فتتمثل في عناصر القوة الذاتية التي ترتكز علي الموقع الجغرافي الاستراتيجي , القدرات العسكرية والاقتصادية (الأكبر في الشرق الأوسط)، الثقل الديموغرافي (سبعين مليونا)، الدور التاريخي والمشتركات الثقافية. وقد أعقب ورقة الدكتور مصطفي اللباد نقاشا كان أهم ما طرح فيه: التساؤل عن لماذا نجحت تركيا و لم ننجح نحن, وكانت الإجابة في أن الوهابية لم تصل إلي تركيا بينما لم تستطع مصر التخلص منها كما لوحظ أن دخول تركيا إلي العالم العربي كان نتيجة إلي حاجة إقليمية والتي تجعل الساسة الأتراك يقولون أن دور تركيا في المنطقة كان لعدم ظهور قيادة عربية تحافظ علي استقرار الإقليم و كذلك الخوف من احتمالات صدام إسرائيلي إيراني و الحاجة إلي منع هذا الصدام. كما لوحظ العائد التركي في سوريا حيث تحولت سوريا إلي متجر تركي وواقع حياة تركية نشطة كذلك كان التحفظ علي القول بأن كل ما يحصل في تركيا كان بغطاء أمريكي وأن كانت أمريكا لا تمانع من استقرار المنطقة عبر تركيا. كان مما عكسته المناقشات إستراتيجية تركيا في تحقيق ما يسمي Zero Problems والعمل علي تصفية هذه المشكلات, ولكن بالتوازي مع هذا تتخذ تركيا مواقف صارمة مثل ما تعرض له سفيرها في إسرائيل وموقف الكونجرس من أرمينيا. وعلي هذا فأن الدبلوماسية التركية سعت إلي التوسط بين كل الناس لدرجة الوساطة بين المقاومة العراقية والحكومة العراقية. وتعليقا علي أن تركيا لا تدفع ثمن دورها, فقد لوحظ أن تركيا في بعض الأحيان تدفع هذا الثمن فمثلا عدم قبولها كوسيط و فقدان عرض أمريكا مليار دولار للسماح للقوات الأمريكية بدخول العراق. أما فيما يتعلق بملاحظة غياب ظاهرة تدخل الجيش فقد كان هذا التدخل أساء في معظمه بسبب الأوضاع الاقتصادية أما اليوم فأن الوضع الاقتصادي في تركيا حقق تقدما ملحوظا. أن القول بأن تركيا تستخدم إستراتيجية Zero Problems لا يعني أنها تقف موقفا سلبيا وإنما لها سياسة ايجابية. وفي التساؤل عن ما هو العائد الذي حققته تركيا كانت الإجابة هو درجة النمو الذي حققتها الصادرات التركية بالإضافة إلي صورة تركيا التي بدت في تقبل المسلسلات التركية. أما عن التكلفة فأنه يلاحظ أن تركيا لا تقدم مساعدات اقتصادية إلا بشكل إنساني. كذلك لوحظ التوجه التركي إلي إفريقيا وهو نفس التوجه الذي تفعله دول أخري مثل الصين والهند، والآن هل تطرح تركيا نفسها في المجال الإفريقي وأنها في وقت ما سوف تستخدم علاقاتها العربية في إفريقيا؟ كذلك لوحظ حرص الدور الإقليمي لتركيا مع عدم التناقض لأدوار إقليمية أخري. كاتب المقال: سفير سابق