ونحن نحتفل بالذكري الثانية لثورة يناير فلتكن في قلوبنا سياجا يحمي الوطن ويحمينا، يوقظنا مع كل غفوة وتذكرنا حين ننسي توطدت العلاقة بين الملك فاروق وكريم ثابت صدفة، كان اول لقاء بينهما بفندق كتاركت بأسوان حيث تصادف نزول كريم ثابت فيه مع اسرته اثناء تواجد الملك، واعجب فاروق بكلام كريم ثابت واسلوب حديثه، ثم تقابلا صدفة في مكان عام بالقاهرة، بعدها بدأ فاروق يدعو كريم لخروجاته ونزهاته لتصل العلاقة بينهما لدرجة لم يصلها احد، حيث درس كريم طباع فاروق واخلاقه جيدا فكان يتعامل معه بحذر وحنكة ليتجنب اثارة سخطه، رغم ما اشتهر به من تقلبات مزاجية مع من حوله.. كان يغضب كثيرا حين ينصحه احد وكأنه اكثر منه خبرة، فهو يحب الظهور بمظهر العارف بكل شيء، ويجهل كثيرون ممن حوله ذلك فيقعون تحت غضبه، اما كريم ثابت فكان يتعمد اظهار افكاره وكأنها افكار فاروق ويوصل اليه ما يريد وكأنه هو الذي اوحني اليه بذلك.. كان فاروق سمجا صبيانيا مع اصدقائه يثقل عليهم بمزاجه ومقالبه التي كان عليهم ان يتقبلوها راضين مبتسمين فكان من عادته ان يوقع بطربوش اقرب الموجودين اليه او يرميه بما تبقي في كوبه من ماء، او يغافل احدهم ويلصق علي شعره بقايا لا يمكن للصديق انتزاعها الا بقص خصلة من شعره، او يتصل بأحدهم ليلا متأخرا فيوقظه ليسر اليه بأمر تافه، كان يقهقه فرحا ويغتبط كالاطفال وهو سعيد بمظاهر الخوف والفزع والارتباك علي وجوه ضحايا مقالبه. كان فاروق مصابا بداء السرقة ولم يكن ذلك خافيا علي الناس، يهوي اختلاس ما خف حمله وغلا ثمنه فكانوا يخفون التحف والاشياء الثمينة اذا عرفوا ان فاروق سيزورهم ولعل اشهر ذلك حينما عادت اخته الاميرة فوزية الي مصر تمهيدا لطلاقها من شاه ايران، فأمر بحمل متاعها الي غرفة خاصة وفتش حقائبها واخذ منها ما يريد، وكان اكثر ما آلم فوزية مشاهدة بعض متقنياتها مع بعض عشيقات فاروق، واذا كان ما يعجبه في بيت من يزوره كبيرا او لا يمكن حمله صارح صاحب الدار برغبته في اقتنائه فيصاب بالحرج ويحصل فاروق علي ما يريد.. كان يهوي مخالفة اراء من حوله لا لشيء الا ليثبت استقلال ارائه عنهم فاذا اجمعوا علي امر اختار امرا اخر.. ويؤكد كريم ثابت ان فاروق لم يكن زير نساء كما كان يعتقد الجميع لكنه كان يحاول ايهامهم بذلك ويعلل كريم ذلك بضعف الملك جنسيا فلما تعامل مع بعض النساء من اوساط متدنية فضحنه، وتحدثن بعلته في مجالسهن ولما علم فاروق بذلك اصبح يحاول ايهام الجميع بأنه زير نساء محاط بالعشيقات ليعوض النقص لديه فاذا شاهد العامة ذلك امام الناس نسجوا الخيالات حول ما يفعل في مجالسه وحفلاته الخاصة ومن هنا انتشرت الحكايات عن ليالي فاروق الحمراء وفحولته ومجالسه المليئة بالفجور. وعلي عكس ما يعتقد كثيرون لم يكن فاروق يذوق الخمر ليس عن فضيلة وانما لأنه يكرهها وكان يسمح لجلسائه بالشرب بشرط الا يفرطوا ولم يكن يقرب لحم الخنزير وكان اذا ضبط مسلما يتناوله وبخه بعنف ورغم شهرته بعدم الالتزام بأحكام الدين فكان يصوم شهر رمضان كاملا وان كان لا يجد غضاضة في شرب الماء نهارا في رمضان اذا عطش. وكانت البلوي الكبري في حياته لعب القمار وادمنه في السنوات الاخيرة من حياته فأهمل كل شيء واصبح يقضي ما بين ست وعشر ساعات يوميا يلعب القمار ويخسر كثيرا.. وكان يقبل الرشوة واشهرها الصفقة الشهيرة بينه وبين احمد عبود باشا الذي قدم مليون جنيه لفاروق ليقيل وزارة الهلالي باشا التي ضيقت الخناق عليه واضرت بمصالحه وكان كريم ثابت الوسيط بين الاثنين، في نفس الوقت واصل فاروق منهجه في الظهور بمظهر المسلم الغيور علي دينه فكان يرتاد المساجد، ويحضر الاحتفالات الدينية سواء في مصر او خارجها، ومنحه هذا الاتجاه المزيد من الحب لدي الشعب وفي فترة خطوبته لناريمان كان يأخذها معه في سيارته في نزهة باحدي المناطق الشعبية بدون حراسة ويشربان عصير القصب وكان يقود السيارة بنفسه ويحاول ان يرعب ناريمان بقيادته السريعة الجنونية.. ومن هواياته حب الاقتناء حيث حرص علي امتلاك مجموعات من التحف كالعملة خاصة الذهبية وطوابع البريد وورق اللعب وادوات لعب القمار واللوحات والتماثيل والاثار والولاعات وعلب السجائر والنباتات ومنها الحشيش والافيون والحشرات غير المألوفة والحيوانات النادرة ورءوس الغزلان وبرع في فهم تلك المقتنيات بمختلف انواعها وأشكالها. كانت حياة فاروق نموذجا للمتناقضات فسمنة الملك ليست بسبب شراهته في الطعام بل كما صرحت ابنته الكبري الاميرة فريال ان ذلك راجع الي اضطرابات في الغدد سببت له سمنة مفرطة بدت واضحة عليه وظهور شعر طويل في كل جسمه وانعكس علي قدرته الجنسية بالسلب.. ويؤكد ذلك ملله من تكرار قوائم الطعام الملكية وان اي طعام خارج قصوره اشهي مذاقا والذ طعما وله مواقف غريبة في ذلك فقد فوجيء صاحب مقهي بلدي متواضع في زقاق ضيق بين المنتزة والسيوف بالاسكندرية بالملك يدخل مقهاه ومعه حاشيته ويطلب »فنجان قهوة تركي« يجيد الرجل صناعتها.. كما امر بايقاف الديزل الملكي بمحطة دمنهور ليحضر له احد الحاشية طبق فول ساخن من محل العاصي الشهير، ولشدة حبه للايس كريم كان يذهب الي اي مكان يشتهر باجادته، وكان يعتبر ان من يعصر ليمونا علي السمك او الكافيار لا يفهم في الطعام.. وكان المحار يأتي اليه خصيصا من كوبنهاجن اسبوعيا وقد يكون لغرض الريجيم.. حقيقة انه ملك غريب الاطوار والتصرفات. فلنحافظ علي الثورة مات نظام اعتقل مصر كلها خلف اسوار القهر والخوف والطائفية والطغيان.. وسقط في مستنقع من الفساد بلا قاع وبدون اعماق، سلب ونهب وهل من مزيد، استباح كل شيء بلا خجل ولا حياء.. النرجسية صورت له اوهاما صدقها بأنه لا يمكن ان يتزحزح عن عرش الطاووس ولا يتخلي عن تاج الملك فمهما كانت مساويء الملكية ومفاسد الديكتاتورية فهي أهون الف مرة من وهم عاش فيه هذا النظام فصال وجال وعربد واستباح بلا حساب.. كون هذا النظام شبكة عنكبوتية تغلغلت في جسد مصر كالسرطان فلا ينجح معه طبيب ولا مشرط يتسلل كاللص المحترف متخفيا لا يعلم طريقة أحد ولا تظهر اعراضه الا اذا تمكن من الجسد وحدد مصيره وفرض وجوده. تغني وبعثر اناشيده وضرب علي الوتر الحساس ليخدر شعبا طيبا يثق الي ما لا نهاية ويتسامح بلا حدود وينسي عن طيب خاطر، وطنطن بألفاظ معسولة.. الديمقراطية.. الشفافية.. النزاهة.. الضرب بيد من حديد علي كل فساد.. لن نسمح بأي تجاوز.. وكان اعضاء هذا النظام هم المستحقين للضرب علي ايديهم بقدم من حديد. فرض هذا النظام بأفكاره الشيطانية قوانين تستر جرائمه، وتحمي خطواته وهو ينخر كالسوس في عظام وطن مغلوب علي امره.. أكلوا حتي انفجرت بطونهم لكنهم لم يشبعوا فصالوا وجالوا وشعارهم هل من مزيد. بكل الخبث والدهاء اصطنعوا ملاحم ضربوا بها الشباب بالشيوخ والاغنياء بالفقراء والمسلمين بالمسيحيين ليشغلوهم ولا يتركوا لهم فرصة فينتبهوا الي ما يدبرونه لهم من مكائد ومصائب اطاحوا بكل شريف وحاربوا كل عالم وخبير حتي فرت الكفاءات وخرست ألسنة الشرفاء فأساليب التعذيب التي ما انزل الله بها من سلطان ترهب من يحاول ان يقول كلمة حق فالاتهامات تلاحقه والزنازين تنتظره واعقاب السجائر جاهزة لاطفائها في كل مكان من جسده والصعق بالكهرباء قائم وهتك الاعراض يتلذذون به. وبينما هم غرقي في احلامهم التي اسكرتهم وتاهت معها عقولهم عن الحقيقة الخالدة وغاب عنهم ان هناك خالقا قويا قادرا لا يرضي بالظلم بل حرمه علي نفسه خالق، رحمن رحيم بمن خلقهم.. غاب عنهم ان مصر ابدا ماركعت ما طأطأ ابناؤها رءوسهم ما خضعوا لظلم ولا طغيان غاب عنهم ان مصر هي الحضارة لا تموت قد تمرض لكنها سريعا تتعافي.. تطوق الظلم والظالمين تحتويهم وتصرخ فيهم قفوا كفاكم جرما.. كان هذا الذي نسوه هو القشة التي قصمت ظهر البعير واذا بهذا الجبروت الطاغي لا يصمد امام لفحة هواء وزفرة مظلوم ودعوة أم اختفي ولدها ولا تدري اين هو.. صيحات الشباب دكت حصون الظالمين.. اصرارهم دمر الصياصي وهز الجبال.. الاسود المتوحشة النمور الكاسرة انكمشت فجأة وتحول الزئير الي هوهوة كلب او مواء قطة حين افاقت مصر كلها فجأة لتمحو عارا وتزلزل كيانا فاسدا صبغوه بالدم ولطخوه بالتعذيب فجأة هبت نسائم الحرية وزغردت مصر كلها مع الشباب في 52 يناير، ثورة نرجو ان تكون سياجا يحفظ مصر وابناءها في حرية وعزة وكرامة مهما اختلف الحاكمون وتغيرت توجهاتهم. مواقف رائعة لشيخ الأزهر في كل يوم تترسخ في قلوب المسلمين في مشارق الارض ومغاربها قيمة الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر ومكانته في دفاعه عن هذا الكيان ووضعه في مكانه الصحيح، لا يسمح لأحد أن يسيء الي الازهر منارة الاسلام بقول او بفعل رد فعله عنيف في هدوء فكلماته تصل الي القلوب التي احبته واحترمته، موقفه بالغاء سفره الي السعودية تلبية لدعوة رسمية لزيارتها والمشاركة في حفل توزيع جوائز الملك فيصل العالمية بعد ان تمت اجراءات السفر لانه اكتشف ان الحجز لاعضاء الوفد من هيئة كبار العلماء المسافرين معه علي الدرجة السياحية العادية والحجز لفضيلته وحدة علي الدرجة الاولي، غضب لان هذا التصرف لا يليق بعلماء الازهر.. تصرف محترم من شخصية لم يختلف عليها احد احترموها واجلوها وعظموها.. وتظهر بصماته يوما بعد يوم بعد ان اعاد للازهر شبابه ومكانته السامية في كل الدنيا واكد وسطيته التي تكره التعصب والتحزب، لا تنحاز ولا تجامل، تعلي شأن الوطن والدين بكل اجنحته.. اصبح للازهر كلمته التي يخشاها الجميع.. وخرست كل الالسنة التي تحاول النيل منه باعتباره حصن الازهر والحارس عليه، مكتبه قبلة لكل زائر لمصر مهما علا شأنه فلقاؤه بشيخ الازهر يضيف اليه الكثير، ويتحدث عن قضايا الساعة في بساطة وحزم.. ازمة مصر الاقتصادية حلها لن يكون بما يخالف شرع الله.. ثورة يناير ناجحة وتشكل نموذجا نادرا بين كل الثورات الاخري في المنطقة والعالم من حيث سلميتها.. الازهر يؤدي دوره الوطني دون دخول في غمار السياسة بمعناها الحزبي لانه يعبر عن ضمير الامة، وهو بيت الوطنية وبابه مفتوح لكل التيارات والائتلافات والقوي الوطنية والفكرية والثقافية بوسطيته الواضحة الساطعة.. سلمت لمصر وازهرها يا شيخ الازهر.