كلما أهل شهر ربيع الأول تشرق القلوب وتسعد النفوس ابتهاجاً بذكري عزيزة في قلب كل مؤمن عرف قدر المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم في يوم مولده الذي كان نقطة تحول في تاريخ البشرية كلها، فهو في الجسم بشر.. وهو نور في البصيرة والبصر. هو صلي الله عليه وسلم من سادة كرام، وصفوة اطهار، فأجداده كلهم سادة أخيار، حيث يقول فيما أورده الترمذي في سننه: »ان الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم، ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا« وفي صحيح ابن حبان: »ان الله اصطفي كنانة من ولد اسماعيل واصطفي بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم، فأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الارض، وأول شافع وأول مشفع«. شهد له نوابغ العالم معظم الفلاسفة والمفكرين ونوابغ الغرب شهدوا للنبي صلي الله عليه وسلم ولرسالته بالفضل، فالعالم الأمريكي »مايكل هارت« صاحب كتاب »الخالدون مائة أعظمهم محمد« قد اختار النبي صلي الله عليه وسلم ليكون في مقدمة جميع الشخصيات التي اختارها لكتابه والتي يري انها تركت بصماتها في تاريخ البشرية فيقول: »إن محمدا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح مطلقا في المجالين الديني والدنيوي واصبح قائدا سياسيا وعسكريا« ويقول الفيلسوف الفرنسي »كارديفو«: »ان شعور المساواة والإخاء الذي اسسه محمد بين اعضاء الكتلة الاسلامية كان يطبق عمليا حتي علي النبي نفسه« أما المؤرخ الانجليزي الكبير »وليم موير« فيقول: »ولم يعهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل محمد« ويقول الفيلسوف »لين باول« : »وقد احتمل محمد عداء أهله وعشيرته أعواماً فلم يهن له عزم، ولا ضعفت له قوة، وبلغ من نبله أنه لم يكن في حياته البادئ بسحب يده من يد مصافحه حتي ولو كان المصافح طفلا«. ويقول المفكر الفرنسي »جوستان لوبون« : »وجمع محمد قبل وفاته كلمة العرب، وخلق منهم أمة واحدة، خاضعة لدين واحد، مطيعة لزعيم واحد، فكانت في ذلك آيته الكبري« ويقول الفيلسوف الفرنسي »وولتر« : »إن السنن التي أتي بها النبي محمد كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها، وجمالها جلب للدين المحمدي غاية الاعجاب ومنتهي الإجلال« اما الاديب الروسي »ليو تولستوي« فيقول: »ومما لا ريب فيه ان النبي محمدا من كبار الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الاسلامي خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدي أمة برمتها إلي نور الحق، وجعلها تجنح للسكينة والسلام، ومنعها من سفك الدماء، وفتح لها طريق الرقي والتقدم، فهو عمل عظيم، لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة وحكمة وعلماً«. ويقول الفيلسوف الانجليزي »برنارد شو« :»ان رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم لتم له النجاح في حكمه، ولقاء العالم الي الخير، وحل مشكلاته علي وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة« ويقول الكاتب الانجليزي »توماس كارليل« : »ان الرسالة التي أداها ذلك النبي مازالت السراج المنير مدة أثني عشر قرنا لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا« اما شاعر فرنسا الكبير »لامارتين« فيقول: »ان حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره وجهاده وثباته وسط أعدائه كل ذلك يدل علي أنه لم يكن يضمر خداعا او يعيش باطلا«. شخصيته وصفاته لقد كانت شخصية محمد صلي الله عليه وسلم من المهابة والجلال مع الخلق العظيم مدخلا جعل الناس يقبلون عليه بحب ويؤمنون بصدق رسالته لأنه عاش حياة الناس بلا كبر ولا غرور، بل انه عاش حياة الزهد والتقشف فكان يلبس المرقوع وينام علي الحصير، وإذا عرضوا عليه فراشا لينا يقول: مالي وللدنيا.. ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم مضي وتركها.. إنه يري أن الدنيا مجرد جسر لعالم الخلود ولهذا كانت رسالته العظيمة هدية السماء إلي الأرض تحمل دينا حنيفا ينقذ البشرية من ظلمات التيه إلي نور الهداية والرشاد ليعيش الناس في رحابة القيم المثلي والمعاني الإنسانية التي تعطي للوجود الإنساني معني ومذاقاً ومن صفاته صلي الله عليه وسلم أنه يواسي المريض ويعطي الفقير ويصل الرحم ويبتسم للجميع ويمزح ولا يقول إلا صدقاً، إنه النسمة الرقيقة الحانية في هجير الحياة، جاء برسالة خاصة عنوانها القيم والاخلاق وحسن المعاملة، ومن أروع سمات شخصيته صلي الله عليه وسلم المشورة فقد كان يستشير اصحابه مع أنه أكمل الناس عقلا وذلك ليفتح الباب للاقتداء به في ذلك وكان يقول لهم: »أنتم أعلم بشئون دنياكم« حتي يفتح المجال أمام العقل والفكر لاستنباط ما لا حصر له من العلوم الدنيوية التي تتعلق بمصالح الناس. ومن نبل مواقفه ما شهدناه حين دخل مكة ظافرا منتصرا، وإذا به يعفو عن الذين عاندوه وساموه كل ألوان العذاب ويقول لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، نعم لقد قدر وعفا فلم يكن عفوه عن عجز ولا ضعف، فمن شيمه الكريم العفو عند المقدرة، ولهذا وصفه الله تعالي في كتابه الكريم بأنه »رءوف رحيم«، ومن صفاته العدل حيث دعا إلي مجتمع متآلف تظله راية المساواة لا غابة يأكل فيها القوي الضعاف، فألف ووحد شتات الخصوم، وآخي بين المهاجرين والأنصار وقضي علي اسباب الخلافات بين الاوس والخزرج ليبشر بعصر جديد يشرق علي البشرية، وحياة جديدة تعلي من قدر الانسان، وعالم جديد يفيض بالحب والتسامح والوئام وترتفع فيه رايات السلام والأمن والاطمئنان.