»18 يوم« عرض فى كان ولم تعرضه دور العرض المصرية خطوة للأمام خطوات إلي الخلف ..هذا ماحدث للسينما المصرية خلال عامين بعد اندلاع ثورة أذهلت العالم! عامان من الفوضي والأحزان عاشتها مصر بعد أحلام مشروعة بالحرية والكرامة والعدالة .. تحولت إلي كوابيس مخيفة .. وكان عاديا أن تعيش السينما وصناعها عامين عجاف وتدخل الصناعة -التي عانت لسنوات طويلة أزمات طاحنة وإهمال مقصود ومتعمد من النظام السابق - في دوامة لم تنج منها حتي الآن . عام كارثي! في العام الأول بعد الثورة تكبدت السينما المصرية خسائراً فادحة بعد الركود الذي سيطر علي جميع قطاعاتها أثر اندلاع الثورة في 25 يناير.. انهارت إيرادات الأفلام داخليا وخارجيا وأحجمت القنوات الفضائية التي كانت تمثل الضلع الأكبر في الإنتاج - بكل أسف - عن شراء معظم الأفلام أو تمويلها .. وحلت الكوارث علي الجميع فتوقف المنتجون وعانت دور العرض وأفلس بعضها وأضطر للإغلاق تماما! ولأن الثورة المصرية كانت محل اهتمام القنوات الفضائية بمختلف انتماءاتها وأهوائها مولت عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة عن الثورة تسابق في صنعها كثيرون لم تعبر عن الثورة بأي حال ولم تعدو كونها ركوبا لموجة مربحة ماديا وجماهيريا .. أولها "صرخة نملة" عُرض في بداية صيف 2011 أي بعد ثلاثة أشهر فقط من سقوط مبارك ! فكان عملا هزيلا لا يليق بالثورة والغريب أنه عُرض في مهرجان "كان " الذي خصص بدورته الرابعة والستين برنامجا لتكريم الثورة المصرية فعرض أيضا "18 يوم" وهو عشرة أفلام قصيرة لعشرة مخرجين كل منها يتناول جانبا خاصا من الثورة.. والغريب أنه لم يُعرض بدور العرض المصرية وسط علامات استفهام عديدة! لم يحقق "صرخة نملة " إيرادات تُذكر فلم تمنحه الثورة أي بريق لدي الجمهور الذي شعر بفجوة واسعة بينه وبين السينما ولم يختلف الحال مع الأفلام الأخري التي عرضت في نفس العام .. واستمر نزيف الخسائر لتنهي السينما عامها الأول بعد الثورة بخسارة فادحة لم تعرفها السينما منذ سنوات طويلة قدرها بعض الخبراء بأكثرمن مائة مليون جنيه ليبقي العام الأول من الثورة هو الأسوأ في تاريخ السينما المصرية التي لم تؤثر أو تتأثر بثورة شعبها إلا اقتصاديا فقط فلم تجن السينما إلا الخسائر .. ولم يقدم السينمائيون إبداعا يليق بالثورة فشهد هذا العام نماذج فاضحة للهبوط والابتذال مثل "شارع الهرم" وأنا باضيع يا وديع "وغيره لتؤكد الفجوة الواسعة بين السينمائيين والثورة وتؤكد أكثر أن مزاج الجمهور المصري وذوقه يحتاج إلي ثورة خاصة بعدما حقق "شارع الهرم " إيرادات مذهلة في بضعة أيام واحتل المرتبة الثانية في إيرادات العام. السينما تواصل الهبوط لم يختلف العام الثاني من الثورة عن سابقه بالنسبة للسينما فواصلت خلاله الهبوط فنيا واقتصاديا.. ويبدو أن الخسائر الضخمة التي منيت بها السينما في العام الأول كانت السبب في إنتاج عدد كبير من الأفلام الهابطة والتجارية في محاولة بائسة للخروج من دائرة الفشل والخسارة .. لكن الخسارة كانت حليفا للسينما هذا العام أيضا .. ماديا خسرت أكثر من اربعين مليون جنيه، وفنيا خسرت أكثر من ذلك بكثير فلم تقترب السينما من واقع المجتمع المصري وهمومه وطموحاته و لم يكن بإنتاج هذا العام أفلام تبقي بالذاكرة إلا فيلما أو اثنين! مفارقات مذهلة في إنتاج العام الثاني من الثورة ما يستحق التوقف عنده فعلا.. فالفيلم الأضخم إنتاجا والأكثر جماهيرية كان "المصلحة" الذي مجد في الداخلية بشكل مذهل ، وفي تحد صارخ لمشاعر الثوار تعمد إعلاء شأن ضباط الشرطة وتجميل صورتهم .. من أصغر رتبة إلي أكبرها لا يحمل أحدهم فسادا ولا شرا بنفسه، رغم أنهم يواجهون عالما فاسدا يحاربونه بكل شجاعة وإيمان.. !!هكذا كانت رسالة الفيلم الذي حظي باقبال جماهيري كبير وحقق أعلي الإيرادات "24 مليونا" وكأن ثورة لم تقم ! .. لتبقي الحقيقة الواضحة التي لم يعترف بها الثوار بعد أن هناك فجوة واسعة بين ما يريده الناس وما أراده الثوار للناس ! الفيلم الثاني أو المفارقة الثانية التي تستحق الانتباه هذا العام كانت " عبده موتة " والذي حقق ايرادات ضخمة أيضا 20 مليون جنيه وهو توليفة تجارية من العنف والبلطجة والرقص والغناء والايحاءات والإفيهات الجنسية .. وكان نجاح الفيلم بشكل مذهل وتحقيقه إيرادات غير مسبوقة غريبا . المفارقة المذهلة حقا واللافتة للإنتباه كانت ما انتجته السينما عن الثورة .. فيلمان من سبعة وعشرين فيلما هي إنتاج العام ، وليتهما ماكانا فقد كانا كالطعنات الغادرة التي تلقتها الثورة .. الفيلم الأول " حظ سعيد " ..الذي قرر صناعه استغلال الثورة فقدموا فيلما تجاريا شوه كل ما كان في ثورة احترمها العالم رغم كل ما حدث ! ولم ينج من الفيلم الهزيل أي فصيل شارك بالثورة! أما الفيلم الثاني "بعد الموقعة " ليسري نصر الله والذي صاحبته ضجة كبيرة لعرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان " والذي اختار موقعة الجمل موضوعا ونقطة للانطلاق فقد كان أيضا إحدي الطعنات الموجهة للثورة التي رصدها نصر الله بلا عمق و برؤية تغازل الغرب وترضي الطرف الآخر في انتاجه وهو الفرنسي اليهودي جورج مارك بنامو! السينما المستقلة رؤية متشائمة وعرض ربما يصيبك عزيزي القارئ بالإحباط لكن يبقي هناك بصيص أمل ودعوة للتفاؤل مع مارد ولد كبيرا منذ سنوات وفرض وجوده بقوة هذا العام .. ليؤكد أن الثورة مستمرة .. إنه تيار السينما المستقلة الحاضر في المهرجانات مُشرِّفا للسينما المصرية ، الغائب بكل أسف عن دور العرض لاعتبارات كثيرة ... وسط السواد يأتي بصيص النور مع أفلام لمبدعين حقيقيين في زمن مزيف ..منها " الشتا اللي فات" لابراهيم البطوط الفائز بجائزة خاصة من مهرجان "القاهرة "وجائزة النقاد من "مونبلييه" وافضل ممثل من "دبي" لنجمه عمرو واكد والفيلم يركز علي اسباب الثورة ودوافعها من خلال حكي واسلوب سينمائي رائع. و"الخروج للنهار" لهالة لطفي وهو أول أفلامها الروائية الطويلة تعرض من خلاله بلغة سينمائية راقية معاناة وشجاعة أم وابنتها فقيرتين في مواجهة عجز ومرض الأب. وقد نالت عن الفيلم جائزة أفضل مخرج عربي وجائزة النقاد من مهرجان أبو ظبي والجائزة البرونزية من مهرجان "قرطاچ" التونسي والوهر الذهبي من مهرجان "وهران "الجزائري. أفلام أخري عديدة روائية وتسجيلية تم إنتاجها أو في الطريق تتبع السينما المستقلة مما لا يتسع المكان لذكره لكنه يستحق التقدير. تحية لصناع السينما المستقلة فقد أنقذوا بإبداعهم - دون ضجيج إعلامي أو مادي - صناعة السينما المصرية وحفظوا ماء وجهها، وأكدوا أن الفن داعما للثورة والحرية وأن الفن الحقيقي كالثورة فكرة والفكرة لا تموت.