كانت الظاهرة الواضحة في الواقع المصري طوال العامين الماضيين، منذ الخامس والعشرين من يناير 1102 وحتي الآن، هي الاهتمام المكثف بالقضايا والمشاكل السياسية، وانشغال النخبة وعموم الناس بالخلافات التي قامت، ثم زادت واشتعلت، بين كل القوي والتيارات والأحزاب، حول كل القضايا السياسية التي طفحت علي السطح خلال هذه الفترة. وكان من نتيجة تركيز الاهتمام علي الشق السياسي من مكونات الشأن العام، هو انحسار الاهتمام عن بقية المكونات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وكان الشق الاقتصادي هو الأكثر والأسرع تأثراً بهذا الانحسار، نظرا لحساسيته الشديدة واستجابته السريعة، بالإيجاب أو السلب، لأي متغيرات طارئة علي المستويين السياسي والاجتماعي في الدولة، خاصة مايتصل منها بوجود أو غيبة الأمن والاستقرار. وقد حدث ذلك في ظل الحماس الجمعي من كل القوي للانشغال بالخلافات السياسية، وفي ظل غيبة شبه شاملة للإدراك الواعي بالأهمية البالغة للأحوال الاقتصادية في الدولة، وأيضا غياب الإدراك بأن الاقتصاد هو الدعامة الرئيسية لاستقرار المجتمع وسلامة الدولة وقوتها. وقد أدي الاستغراق الكامل في الانشغال بالخلافات والصراعات السياسية، وعدم الالتفات بالقدر الواجب من الاهتمام بالحالة الاقتصادية، إلي عدم التنبه إلي ما وصلت اليه هذه الحالة من تراجع وتدهور، بحيث اصبحنا بالفعل نعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وخانقة، تتطلب البدء الفوري في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة والضرورية للخروج منها، قبل أن تؤدي بنا إلي موارد التهلكة. ولا نذيع سرا إذا ما قلنا، اننا ندفع الان ثمن اهمالنا البشع للأوضاع الاقتصادية المتردية، التي ازدادت سوءاً في ظل انتشار مظاهر الفوضي والانفلات في جميع المواقع، وتوقف عجلة ودولاب العمل والانتاج في العديد من المؤسسات والشركات والمصانع،...، وهو ما يستوجب سرعة المواجهة والعلاج انقاذا للدولة وضمانا لسلامة المجتمع واستقراره. واحسب ان الوقت قد حان كي ندرك ان أهدافنا في الحرية والديمقراطية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، لا يمكن ان تتحق في مجتمع فقير ودولة منهارة اقتصاديا،...، ولا يمكن ان نصل إليها في ظل الانفلات والفوضي وغيبة القانون، وتوقف العمل والانتاج. ودعونا نتفق علي ممارسة السياسة ونحن نهتم بالاقتصاد.