لون من المحال الكبري يعمل بشعار : (( بيع أرخص تجني اكثر )) وفي النهاية يحقق ارباحا تفوق سائر المحال في السوق... يصعب علي من يكتب هذه الأيام ويتغاضي عن موجات الغلاء الذي لا يكاد يصدق وانتاب سوق الغذاء، بالخصوص ما لسع محدودي الدخل بما لا غني عنه لكل أسرة والاسعار انطلقت لحد الجنون، والأسباب المعلنة واهية لا تقنع ولا ترقي لحجم الانفلات الذي حدث.. وعندما تصل الأمور إلي مساس بقوت الشعب، فالامور تكون قد دخلت في صميم الامن القومي للبلاد.. ولا اريد ان استخدم تعبيرات كبيرة أو كلمات غليظة، بل احاول من واقع ما شهدت وعايشت في دول اخري، أن أنقل كيفية التعامل مع مشاكل العيش الأساسية هذه في مجتمعات الوفرة ورؤوس الاموال، حفاظا علي الوئام والسلام الاجتماعي فما الامة أي أمة إلا حضن كبير. ولنبدأ من الطماطم التي صارت عبرة العبر، وقد عرفنا مؤخرا عن الأسعار الزهيدة التي يتقاضاها الفلاح عن بيع محاصيله لتجار الجملة قبل ان تعقبها الدورة الخبيثة التي تدخلها السلعة وهي تتنقل بين الوسطاء الي حين وصولها للمستهلك.. من تاجر الجملة ،الي شركات النقل، الي تجار أسواق الخضار، الي تاجر القطاعي الكبير، الي القطاعي الأصغر، و هكذا من يد ليد أخري وثانية وثالثة الي ان تنتهي الي تصاعد سعرها عن البدء ليصل الي عدة أضعاف... ويكفي للعلم ان الطماطم التي كانت معروضة في عز الازمة بنحو عشرة جنيهات للكيلو، بدأت من الفلاح الي تاجر الجملة بما يساوي جنيه ونصف الجنيه للكيلو فبلغت في نهاية المطاف إلي عشرة جنيهات ! و.. واضح ان الحكومة قليلة الحيلة وليس لديها من وسيلة للحماية من سعار الأسعار غير طريق المجمعات الاستهلاكية المعهودة التي ورثتها من مخلفات عهد الاشتراكية هذه التي يترحم عليها الآن الكثير من الغلابة ومحدودي الدخل ! انما اليوم مطلوب فكر آخر، عصري وجديد وعلي مستوي واسع وعريض، ويشكم جشع التجار ويوقف انفلات الأسعار، بدون ما يتعارض مع النظام الاقتصادي المعمول به ولا قوانين حرية الأسواق... اذن تعالوا نتعرف كيف تواجه دول الرأسمالية المتوحشة مثل هذه المشاكل، وما هي البطانة الناعمة التي تخفف بها خشونة نظام الاقتصاد... عدد من رجال الأموال يكونون شركة تجارية كبري تقيم سلاسل محال بأحجام سوبر، ومساحات هائلة يختار لها مواقع في اطراف المدن، و تتسع لبيع كل احتياجات الأسر من مأكل وملبس ودواء وكل ما يخطر علي البال من متطلبات.. تبيعها بأسعار مخفضة قد تصل الي نصف أسعار السوق و.. هذا لون من المحال الكبري يعمل بشعار ((بيع أرخص تربح اكثر )) وواقع الأمر تحقق في النهاية ارباحا تفوق سائر المحال ... التعامل مع هذه المحال السوبر يكون لحاملي كارنيه الاشتراك وهو مبلغ سنوي زهيد أذكر إنه في التسعينيات بامريكا كان في حدود عشرين دولارا.. والكارنيه شخصي بصورة رب او ربة الأسرة أو كليهما، ووفق هذا الاشتراك يشترين ما شاءوا من السلع بأسعار مخفضة قد تصل الي نصف أسعار السوق شريطة ان يشتري من السلعة ثلاثا علي الأقل... حصيلة الاشتراكات + كم المبيعات يؤديان الي توفير سيولة تعوض الخصم الكبير في السعر ثم تتحقق أرباحا طائلة بعد ذلك .. دراسة جدوي مدروسة جيدا وثبتت جدواها بجدارة ، وتقوم علي مدرسة في الاقتصاد وفق مبدأ (( أسعار أقل + بيع اكثر = ربح أكبر )) واقع الامر تؤدي خدمة مزدوجة للمجتمعات : اتاحة أسعار معقولة ومنخفضة للأسر الكادحة سواء كانت محدودة الدخل أو تستهدف التوفير، غير انها تقدم الوسيلة العملية والفعالة لكبح جماح الأسعار.. هذه النوعية من المحال السوبر أثبتت نجاحا فائقا علي مر السنين وهي منتشرة في أوروبا وآسيا، اما أمريكا فهي رائدة في هذا المجال بسلسلة محال كبري تعرف هناك باسم ( برايس كلوب ) أي نوادي الأسعار وهي مقامة في طول البلاد وعرضها، وقد سبق وكتبنا عن هذا اللون من المحال الكبري التي تقام علي اطراف المدن حيث توفر للأسر جميع مستلزمات العيش بأسعار متهاودة، ثم انهم لا يستعينون بموظفين يخدمون الزبائن بل كل يخدم نفسه بنفسه... وهذه نوعية من مشاكل النظام الاقتصادي في مجتمعات الوفرة حيث تفاوت الدخول هو القاعدة والفجوات واسعة بين فئات المجتمع فلا يحلها غير هذا اللون التعاوني الذي يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية والتجانس بين فئات المجتمع.. مثل هذه النماذج تشعر المواطن بانه عضو في مجتمع يراعيه ويهمه امره ولا يحرمه من حق العيش الكريم له ولأبنائه .. سبق وكتبنا في هذا الموضوع ، ولابأس ان نعيد ونزيد ونلح أيضا، لعل أحدا من كبار الماليين هنا او عددا منهم يبادر ويستثمرأموالا في مثل هذا المشروع، ولا مطلوب منهم تضحيات ولا مستحيلات، وانما هذا مشروع مربح بقدر ما يؤدي من خدمة للمجتمع ... ألا من رجال مال وأعمال مصريين حقيقيين ليقوموا بمثل هذه الرسالة للمجتمع، ويحققوا ربحا لهم كذلك في الدنيا وفي الآخرة ؟ ! العين الحمرا الخميس: كما أن لدينا لغطا كثيرا حول اغلاق فضائيات وإلغاء برامج وتحويل مسار صحف ، ففي أمريكا بلاد الديموقراطية استعدادات لتكبيل ( أم ) الاتصالات الفضائية ( ذات نفسها ! ) الانترنت و استخداماتها في خدمات الاتصالات... فكلما زاد استخدام وسائل الاتصال المفتوح عن طريق النت، بدلا من خطوط تليفون، كلما زاد تهديد الامن القومي للبلاد.. هكذا تقول الاجهزة.. هناك ! مواطن هذه الأيام يدرك جيدا أنه صار جزءا من مجتمع الكون، فما عاد معزولا ولا تحده بوابات، مواطن هذه الايام موصول بالدنيا، عابر للقارات، دونه المطارات، وفيزات الجوازات، بل هو اصبح ملك الاتصالات.. العالم مفتوح امامه بلا اجراءات أمن ولا حراس حدود بل عابر فوق رؤوس الحكومات، ماذا بيدهم أن يفعلوا به ، إن كانت لهم الأرض فهو امامه الفضاء، وثورة الاتصالات، دونه أعني الحكومات ، انما مهلا.. اسمعوا وعوا هذه الانباء. لعبة توم وجيري، او القط المفتري والفأراللئيم ، تدور في حلبة التكنولوجيا هذه الأيام وعلي أشدها في أمريكا، و تقود اجهزة الامن القومي حربا تكنولوجية مضادة لكل اعدائها سواء الحقيقيون او المختلقون.. انها لعبة العصر في الدول، كل الدول، لا فرق بين دول تنعم بديموقراطية أو دول شمولية ودول بين - بين .. كلهم سوا - سوا من حيث شعار تأمين المجتمعات والضرب علي أيدي الأشرار.. الأمن يرفع من ناحية شعار المسئولية وتأمين البلاد وحماية المجتمع ، ومن الناحية الاخري يحتج المواطن ويرفع شعار الحرية والخصوصية كحق من حقوق الانسان.. اجهزة الامن القومي الامريكي اجتمعت علي ضرورة ان يصدر الكونجرس قانونا يفرض علي جميع شركات الاتصالات التي تقدم خدمات نقل الرسائل من ايميل، لشبكات فيس بوك ، وجميع وسائل السوفت وير والموبايلات بلو بيري ( الكندية ) وغيرها، الي كل ما يؤدي لتبادل الاتصال الفضائي المفتوح، سواء بالرسائل المكتوبة او بالحديث المباشر ( سكايب ) لابد وتتحول بالقانون إلي تطبيق نظم تستقبل تكنولوجيا التداخل والرقابة واعتراض طريق الرسائل المشبوهة وتجنيبها... في الشهور الاخيرة تمت لقاءات واجتماعات منتظمة بين رجال المباحث الفيدرالية ، ومسئولي وزارة العدل، ووكالة الامن القومي، والبيت الأبيض، وغيرهم من وكالاتتبع الامن القومي الامريكي، وضعت الرؤوس في الرؤوس وبحثوا معا ايجاد حل يوفق بين ضرورات الامن والمراقبة والمتابعة ، ويتفق مع حقوق الخصوصية والحريات.. الموضوع معقد جدا من الوجهة الفنية - التكنيكية، وقبضة الامن تريد مواكبة التطور التكنولوجي وملاحقته من الوجهة الاخري أي تسابق التطور المنطلق بوسائل مضادة.. مشروع القانون هذا تستعد ادارة اوباما لتقديمه الي الكونجرس في العام القادم، ويثير تساؤلات شتي حول كيفية التوازن بين احتياجات أمن المجتمع من ناحية والحقوق المكفولة لحماية خصوصية المواطن من ناحية أخري ، هذا غير ما يخشي عواقبه متأثير سلبي علي حركة التطوير والابتكار التي تطرأ ولا تكاد تكف في عالم الاتصالات.. ويتوقع بالطبع أن يؤثر هذا القانون علي جميع نظم خدمات الاتصال حول العالم.. و ستكون له آثاره وتوابعه حيث قد يعيد عقارب الساعة للوراء بان يدفع خدمات الاتصال بالانترنت لتتخذ أسلوب شركات التليفونات زمان... المباحث الفيدرالية F.B.I تدافع عن دوافع اصدار هذا القانون فالمسألة كما يقولون ليست توسيع سلطات بل تستهدف حماية المجتمع والامن القومي.. فلا شغل شاغل لسلطات الامن علي مدي السنوات الاخيرة في كل دول الأرض غير التقدم المطرد في تكنولوجيا الاتصالات والذي يكاد يدمر قدرة كل تلك الاجهزة علي المراقبة والمتابعة ومنع عمليات الإرهاب..